العدد 20 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

بهدوء لا يعكر صفوه شيء، يتحدث في أكثر القضايا جدلا، غير أن الحذر دأبه.

وبعد مرور 14 عاما على معاهدة وادي عربة ما يزال راضياً عنها تماما، مؤكدا أن الأردن أخذ حقه كاملا منها.

يبدأ مشوار الألف ميل بالنسبة للدكتور عبد السلام المجالي من الياروت، تلك القرية الجنوبية ذات السقوف الواطئة، المعفرة طرقاتها بالفقر والغبار.. وكثير من الفخر والشجن. تحدر من أسرة شهيرة في الأردن، ومن أب عمل جابياً وأم عمانية من أصول شامية. والده كان يحبه ويميزه عن أخوته الـ 14، وحظي بكثير من الدلال، ولهذا السبب لا يحب الدلال، وقد حجبه عن اولاده ومرؤسيه . يصفه بعض من عمل معه بالدكتاتورية والقسوة، لكنه ينفي التهمة ضاحكاً: أنا عكس ذلك 100 بالمئة، وإيماني بالحرية والديمقراطية لا حدود له، لكني حازم.

لا يقرأ صحفاً، والشيء الوحيد الذي يقرأه حتى حين كان في رئاسة الحكومة هو «صفحات النعي».

«أول طبيب مسلم في الكرك، أول طبيب أردني يدخل الجيش، أول مجالي يتزوج من انجليزية، أول أردني عسكري بتخصص الانف والاذن والحنجرة، وأول مجالي يدخل بنات المجالي ممرضات في الجيش، أول منشىء لنظام التأمين الصحي لأسر الجيش العربي، أول من أدخل نظام الساعات المعتمدة في الجامعة الاردنية، أول طبيب يرأس الجامعة الاردنية، وأول رئيس وفد أردني يفاوض اليهود سلماً، أول رئيس وزراء لم يحرد بعد خروجه من الحكومة ، أول رئيس وزراء يلعب ورق «الشدة» كفلسفة، لكنه يحذر من القمار، وأول رئيس وزراء فعّل قانون الصوت الواحد، وأول رئيس وزراء لم يشرك النواب في حكومته بعد 1989 لإيمانه بمبدأ فصل السلطات الى آخره الى اخره». يستعرض المجالي في مذكراته ما يقوله عنه الأردنيون. لكن لمناوئيه رأي مختلف: فهو رئيس الوزراء الذي أوصى بحل البرلمان الحادي عشر وسن قانون الصوت الواحد، وهو الذي وقع معاهدة وادي عربة ،وقمع الصحافة عندما أصدر قانونا مؤقتاً أغلق الصحف الأسبوعية، إلى أن الغاه القضاء، وهو من رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية دون حتى أن يقدم دعماً، وأقر أول ضريبة مبيعات».

تلقى عبد السلام علومه الاولى في كتاب الشيخ محمد في الكرك، ثم انتقل لمدرسة التجهيز حتى الصف الثامن، ليشد الرحال بعدها الى مدرسة السلط الثانوية، وكان من اساتذته وصفي التل وخليل السالم. اول عمل بعد انهائه الثانوي كان في مديرية الخزينة بالكرك حيث اصبح مسؤولا عن عمل والده وبقية الجباة. غير ان حدوث صدام بينه وبين والده بسبب زميل له، كان السبب المباشر في قراره ترك الوظيفة والسفر الى دمشق لاكمال حلمه بدراسة الطب في جامعتها.

في دمشق كان الجو العام مشحونا بالغضب العارم على الاستعمار الفرنسي والاحزاب والتنظيمات تنشط في تعبئة الطلاب، وقد تأثر بخطاب لميشيل عفلق بمناسبة المولد النبوي فالتحق بصفوف البعث. مقامه في البعث لم يطل فسرعان ما اختلف معهم، عندما رفض التوقيع على برقية تشجب زيارة قام بها الملك عبد الله الى تركيا.

حين لاحت بوادر النكبة بعد إعلان دولة اسرائيل انخرط في العمل من أجل فلسطين وحاول التطوع في جيش الانقاذ إلا إن طلبه رفض، لسبب لا يعرفه، فالتحق بالجيش العربي كطبيب برتبة ملازم في الكتيبة الخامسة بقيادة علي الحياري، وشارك في المعارك التي خاضها الجيش في فلسطين.

في العام 1950 اوفد في بعثة دراسية إلى لندن لدراسة تخصص الأنف والإذن والحنجرة. وفي لندن التقى للمرة الأولى الأمير آنذاك الملك الراحل الحسين « شدني إليه أدبه الجم وحديثه العذب ورؤيته التي تستشرف المستقبل».

.. في إحدى مستشفيات عاصمة الضباب تعرف على الممرضة جون ماري التي صارت شريكة حياته، فابدلت عن طيب خاطر رحلة كانت رتبتها مع صديقاتها الى النمسا، بسفر الى الكرك. شكل تعيينه مديرا للخدمات الطبية تحولا مهما في حياته، ويعتبر الكثيرون ممن عاصروه أنه كان مميزا في عمله وارتقى بالخدمات الطبية ، خصوصا عندما استن موضوع معالجة عائلات الجنود. شغل منصب وزير الصحة مرتين نهاية الستينات في حكومتي بهجت التلهوني وعبد المنعم الرفاعي.

بعد تعرضه لعمليتي اختطاف في عمان وبيروت على خلفية أحداث 1970، فكر بالهجرة من البلد، وأقام فعلا في بريطانيا، لكن لقاء قصيرا بينه وبين وصفي التل غداة عودته القصيرة إلى عمان دفعه لتغيير رأيه «فالبلد بحاجة إلى أبنائها» على حد تعبير وصفي. عاد وزيرا في الحقيبة نفسها في حكومة وصفي التل التي تشكلت عام 1970 بعيد احداث ايلول.

تأثر بمنع زوجته «أم سامر» من تلقي العلاج في مستشفى ماركا العسكري، لسبب بيروقراطي. فقدم استقالته من الحكومة وحلف ان لا يدخل أية مؤسسة للخدمات الطبية. وهكذا كان. سافر بعد ذلك لنيل شهادة الزمالة الأميركية، وتنقل بين عدة بلدان طالبا للعلم. لكن زعله لم يطل، فقد تسلم رئاسة الجامعة الأردنية عام 1971، ويعزى له انشاء الكليات الطبية.

لم يترك الجامعة إلا غداة تعيينه وزيرا للتربية والتعليم عام 1976 . بعد احداث 1989 كان من ضمن اللجنة الملكية التي صاغت الميثاق الوطني.

حين لاحت نذر مؤتمر مدريد، اختاره الملك الحسين لترؤس الوفد الاردني الفلسطيني المشترك. يعلق المجالي على مؤتمر مدريد بأنه «حقق اختراقا انسانيا وثقافيا ونشأت بين رؤساء الوفود الثلاثة «الاردني والفلسطيني والاسرائيلي» علاقة تتميز بالانسجام اكثر مما تتميز بالعنف والعصبية».

ويصف اتفاقية اوسلو بانها «أول هزة ضخمة في العقل الاسرائيلي، فهي اول مرة يعترف فيها الاسرائيليون بالشعب الفلسطيني ووحدته في الداخل والخارج»

يوم 29 /5 /1993 كلف المجالي بتشكيل حكومته الأولى التي حلت المجلس النيابي واصدرت قانون الصوت الواحد الذي أجريت انتخابات 1993بموجبه، ويراه قد «حقق المساواة بين الاردنيين» ويصفه معارضوه بانه «خرب» العملية الانتخابية.

مهر توقيعه في العام 1994 على معاهدة السلام مع اسرائيل «التي تتفق تماما مع المسلمات والثوابت الاردنية»، بحسب رأيه، ونال قانون المعاهدة 55 صوتا في المجلس النيابي. يجادل المجالي بأن الاردن « اعاد ارضه المحتلة واخذ حقه في المياه، ورسم الحدود لاول مرة مع اسرائيل ، وانتعش الاقتصاد الذي مر في ظروف صعبة بعد حرب الخليج الثانية، والاهم من ذلك، الدور الذي لعبه ويلعبه الاردن، بسبب المعاهدة، في دعم الفلسطينيين». إلا ان المجالي لم يلبث أن أقر نهايات العام 1994 بأن المعاهدة لم تحمل معها الانفتاح الاقتصادي والتجاري المنشود فتحولت عبئا على حكومته، فضلا عن عوامل اقتصادية اخرى، فقرر الاستقالة، التي وافق عليها الملك مع تأكيده انه لن يوافق على غيابه طويلا عن الحكومة.

شكل المجالي حكومته الثانية يوم 19/اذار /مارس 1997 التي تفجرت في عهدها قضية تلوث مياه الشرب وبدأت الحملة الصحفية ضده التي يعتبرها «كلها كذب» فلم يحدث ان دخل مواطن واحد المستشفى بسببها. التي كان من نتائجها استقالة وزير المياه منذر حدادين. وفضل حين فاتحه الامير حسن بتعديل الحكومة التغيير على التعديل.

ينحو للرومانسية حين يتذكر سنوات طفولته: عيشة صعبة وبرد قارص، ومساحات السنابل في الحصاد، وبيوت الشعر وعادات البداوة. ولفرط تعلقه بالبدايات بنى بيته في الياروت على شكل بيت شعر، حيث آن للمجالي أن يستريح.

عبد السلام المجالي: الرئيس الذي لم يحرد بعد خروجه
 
03-Apr-2008
 
العدد 20