العدد 20 - أردني | ||||||||||||||
باتر ووردم
قفز ملف البيئة إلى دائرة اهتمام صناع القرار في السنوات الخمس الماضية، وتحوّلت المعركة ضد التلوث من شعار كان يعد ترفاً معرفياً غربي الطابع إلى محور في السياسة التنموية، في بلد يخسر سنوياً 205 ملايين دينار - 3.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي- نتيجة تدهور البيئة. وتشير دراسة، لما تنشر بعد للبنك الدولي، على أن الأردن ينفق 1.2 بالمئة فقط من الناتج القومي الإجمالي على مشاريع تتعلق بحماية البيئة ومكافحة التلوث. لكن مع أن الأردن صادق على سلسلة معاهدات دولية متصلة بحماية البيئة، إلا أن أيّاً منها غير ملزمة دستورياً، لأنها لم تنشر في الجريدة الرسمية. خلال العقود الماضية، غاب عن ذهن صاحب القرار أهمية تضمين الكلفة البيئية للتنمية في تقييم الاقتصاد الوطني، وهي لازمة في تحديد المخصصات المالية الواجب توافرها لمواجهة آثار التلوث البيئي. تقديرات خسارة الأردن نتيجة تراجع حالة البيئة وردت في دراسة للبنك الدولي العام 2004. لكن في السنوات الثلاث الأخيرة، تحولت إدارة قطاع البيئة من مؤسسة عامة تتبع وزارة البلديات بميزانية "رواتب" متواضعة لا تصل إلى مليون دينار سنوياً إلى وزارة تنفّذ مشاريع بمخصصات مالية محلية وخارجية، بموازنة ثمانية ملايين دينار العام 2008. أسلحة الأردن في معركة الحفاظ على البيئة، ترتكز إلى سن تشريعات وسياسات بيئية فضلاً عن تعظيم قدرات المؤسسات المعنية بجهود حماية البيئة. ولكن القيمة الأهم لقطاع البيئة تكمن في ارتباطه المباشر بنوعية حياة الإنسان وحقوقه الأساسية وكذلك بجوهر التنمية الاقتصادية المستدامة. تطور التشريعات والمؤسسات منذ استقلال المملكة العام 1946، ظلّت السياسة البيئية عشوائية، وأحياناً متناقضة بين عشرات القوانين والتعليمات والأنظمة الخاصة بعدة قطاعات، وزارات ومؤسسات كقوانين المياه، الصحّة العامة، الإسكان وإدارة الأراضي، الدفاع المدني، البلديات، المدن الصناعية، التعدين، والزراعة. مطلع العام 2003 أصدرت الحكومة قانوناً مؤقتاً (رقم 1 لعام 2003) والمسمى قانون حماية البيئة، وذلك من ضمن 142 قانوناً مؤقتاً أقرت خلال فترة حل مجلس النواب وقبيل إجراء الانتخابات النيابية في حزيران/يونيو 2003. وفي العام 2006، تم إقرار القانون الجديد لحماية البيئة، مدشناً نضوج التشريعات البيئية في الأردن. هذا القانون يحمل الكثير من عناصر القوة التي تفيد وزارة البيئة - التي استحدثت العام 2003 - في عملها بما في ذلك رسم السياسات لحماية البيئة، تحديد المواصفات والمعايير القياسية لعناصر البيئة وإجراء البحوث والدراسات المتعلقة بهذا الشأن. ثمّة مادتان رئيسيتان في قانون حماية البيئة تزودان الوزارة بالذخيرة التشريعية اللازمة لحماية البيئة والمواطن من التلوث الصناعي بشكل رئيسي. إحدى هذه المواد تمنح وزارة البيئة صلاحية الضابطة العدلية لتفتيش أي منشأة، والحق في إغلاق المنشأة بهدف تطبيق إجراءات تصحيحية، وإيقاف المخالفات البيئية. هذا النظام من التفتيش تم تقويته بإنشاء الشرطة البيئية العام 2007، إذ أضحت ذراعاً أمنية وتنفيذية لتطبيق التشريعات المختلفة بكامل الصلاحيات الممنوحة وفق قانون البيئة. وبما أن درهم وقاية خير من قنطار علاج، فإن قانون البيئة أدخل نظام التقييم المسبق للأثر البيئي لكل النشاطات الاقتصادية والتنموية ذات التأثير المحتمل على البيئة. بموجب هذا النظام، على المشاريع ذات التأثير المحتمل على البيئة - مصانع، طرقات، سياحة، ومحطات التنقية مثلاً- إجراء دراسة علمية تفصيلية تحدد التأثيرات المحتملة للمشروع وكيفية التعاطي معها، من إجراءات وقائية وتصحيحية على المستويين الفني والإداري. هذا النظام أثبت كفاءة جيدة مع المنشآت والمشاريع الجديدة. لكن ما تزال هناك حاجة إلى إدارة المنشآت القديمة، التي حازت على الموافقة سابقاً قبل الأخذ بالاعتبارات البيئية. هذه المنشآت هي، في العادة، صغيرة أو متوسطة الحجم، وتواجه الكثير من المشاكل الفنية والتسويقية، وتحارب من أجل البقاء في سوق عالية التنافس. معظم هذه المنشآت غير مهتمة بالإجراءات البيئية وتعتبرها منهكة مالياً وبدون عائد سريع لهذا الاستثمار في الإجراءات البيئية. توجه لوزارة الجديد يكمن في توفير أدوات فنية ومالية مناسبة للصناعات والاستثمارات لتحسين أنظمة الإدارة البيئية لديها. يمكن إيجاد الأدوات الفنية من خلال البرنامج الوطني للإنتاج الأنظف المكون من شبكة من المؤسسات العامة والخاصة والأكاديمية والمدنية المعنية بحماية البيئة. مهام هذه الشبكة تقديم استشارات في تقنيات الإنتاج الأنظف والإدارة البيئية الملائمة. ولكن تكمن المشكلة في عدم توافر موارد مالية مستدامة لهذه الاستشارات. معاهدات .. لكن غير ملزمة وقّع الأردن وصادق على جميع المعاهدات والاتفاقيات البيئية الدولية تقريباً. وكان في طليعة الدول العربية التي انضمت إلى هذه المعاهدات لعدة أسباب؛ منها ما يتعلق بالوعي البيئي، ومنها ما يرتبط صراحة بالرغبة في الاستفادة من فرص المشاريع والدعم الدولي الذي تقدمه المعاهدات. إلا أن تلك المعاهدات ليست فعّالة ضمن الحزمة التشريعية الوطنية، لأن أيّاً منها لم ينشر في الجريدة الرسمية، وبالتالي فهي ليست ملزمة للحكومة. بالتتابع، تبقى الحكومة خارج دائرة المساءلة أو تقييم أدائها بناء على بنود تلك المعاهدات، لأنها "لا تمثل نصوصاً تشريعية معمولاً بها في المحاكم. وهي نقطة ضعف خطيرة موجودة لدى معظم الدول العربية الموقعة على المعاهدات الدولية". صندوق حماية البيئة لم ينتبه صانع القرار في الأردن إلى أهمية تضمين الكلفة البيئية للتنمية في تقييم الاقتصاد الوطني، وهي خطوة هامة في مجال تحديد المخصصات المالية الواجب توافرها لمواجهة آثار التلوث البيئي. يقدر التدهور البيئي في الأردن بحوالي 205 ملايين دينار أو 3.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب دراسة أعدها البنك الدولي العام 2004. مخصصات الموازنة العامة لا تكاد تكفي النفقات الجارية لوزارة البيئة. كما أن التراجع المستمر في المساعدات الخارجية وتغيّر الأولويات يجعل من الصعب الاعتماد على هذه المساعدات في إدارة الموارد الطبيعية وحماية البيئة. حقوق الإنسان والبيئة: كان الجزء الخاص ب«الحق في بيئة نظيفة» من الأجزاء القليلة التي طغى فيها العنصر الإيجابي في تقرير حالة حقوق الإنسان في الأردن الذي أصدره المركز الوطني لحقوق الإنسان قبل أسبوعين. إلا أن التقرير طالب بنشر جميع المعلومات البيئية استناداً إلى قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، واستكمال الإجراءات الدستورية فيما يتعلق بالاتفاقيات البيئية الدولية عبر عرضها على مجلس الأمة ونشرها في الجريدة الرسمية واعتماد أسلوب مشاركة الجمهور في جميع حلقات النقاش الخاصة بتقييم الأثر البيئي للمشاريع. المركز الوطني دعا الحكومة أيضاً إلى دراسة مدى خطورة مادة MTBE البديلة للرصاص - في تكرير البنزين - على البيئة وصحة الإنسان، وإعادة تأهيل محطات الوقود لتصبح قادرة على تخزين هذه المادة دون أن تشكل خطورة على المياه الجوفية وصحة الإنسان. ومؤشر الأداء البيئي العالمي: لا يوجد في الأردن مؤشر موحد لقياس الأداء البيئي، لكن يمكن الاستدلال بمؤشر الاستدامة البيئية العالمي، الذي تصدره جامعتا ييل وكولومبيا الأميركيتان، وينشر عادة في اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي. في المؤشر العام 2006، جاء الأردن في في المرتبة 64 من أصل 133، وذلك بتحسن مقداره 20 عن سلم العام 2001. التقرير يعتمد على رصد وتحليل مجموعة من المؤشرات والإحصائيات البيئية الرئيسية من دول مختلفة والدمج بينها من خلال معادلة إحصائية تتيح الحصول على «مؤشر الأداء البيئي». ويتم تجميع الإحصائيات في ستة قطاعات رئيسية؛ الصحة، والتنوع الحيوي، والطاقة والمياه والهواء والموارد الطبيعية من خلال 16 مؤشراً إحصائياً. بحسب مستوى الأداء في القطاعات الستة، جاء الأردن ضمن مجموعة الدول التي تتميز «بحسن إدارة التنوع الحيوي والمصاعب في إدارة الموارد الطبيعية الأخرى، وهي تضم: فرنسا، والولايات المتحدة، وايطاليا، واليابان، ونيوزيلندا، والنرويج، وسلوفاكيا، وإسبانيا، وكوريا الجنوبية، وفنزويلا». هذا التصنيف يضع الأردن في مقدمة الدول العربية في سياق إدارة التنوع الحيوي والحفاظ على الأنظمة البيئية الطبيعية. |
|
|||||||||||||