العدد 19 - استهلاكي | ||||||||||||||
مثّلت «وثيقة مسيرة التطوير والتحديث والإصلاح» المنبثقة عن قمة تونس في أيار/مايو 2004، انعطافة مهمة في الخطاب العربي حول الإصلاح السياسي، وأنعشت الآمال بالسير على خطى التحولات الديمقراطية. غير أن هذا التطور جاء منذ البداية ملتبساً، إذ طرح في سياق المبادرة التي كانت تعدها الولايات المتحدة للمنطقة في ما عرف بمشروع «الشرق الأوسط الكبير»، لكن القمة سعت آنذاك لتمييز «مشروعها» الإصلاحي عن التوجهات الأميركية، بالتشديد على أن التقدم المنشود للمجتمعات العربية إنما ينبع من «إرادتها الحرة». وبدا ذلك كما لو أنه محاولة لدفع «تهمة» التناغم مع المخططات الأميركية. أستاذ العلوم السياسية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة آركنسو بالولايات المتحدة، نجيب الغضبان، اعتبر في تحليل له لهذه المبادرة أنها لا تعدو ان تكون رد فعل على المبادرات الأميركية والأوروبية. الغضبان يستبعد أن تكون الحكومات العربية فكرت في «طرح مبادرة إصلاح لاقتناعها بأن مجمل الأوضاع العربية قد وصل إلى حالة مزرية من الركود السياسي والاقتصادي»، معتبراً أن دوافع الحكومات تكمن في «تخوفها من الطروحات الأميركية والأوروبية الداعية لنشر الديمقراطية في المنطقة». ووصف الغضبان المبادرة بأنها خطوط عريضة معوقات، أكثر منها برامج عملية محددة. واعتبر أن من محدداتها ربط اكتمال فرص نجاح عملية الإصلاح السياسي بإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي. وزير الخارجية الأردني آنذاك مروان المعشر، قدّم مقاربته الخاصة لهذه الإشكاليات المطروحة في مقابلة صحفية، مستنداً إلى كونه يتحدث من داخل مطبخ «القمة» ومصنع القرار. المعشر يرى أن الإصلاح كان مطروحاً دائماً في المنطقة، لكنه بات مطروحاً بشكل جديد على الساحة العربية. ويعتبر أن الموضوع «بدأ منذ قمة برشلونة عام 1995، أي أنه بدأ أوروبياً وليس أميركياً». الأوروبيون كانوا يشعرون بأن هذه المنطقة، وبخاصة شمال إفريقيا تفرز أعداداً كبيرة من المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي بدأ الحديث عن ضرورة تنمية المنطقة اقتصادياً وسياسياً من أجل السيطرة على موضوع الهجرة وأبعادها المختلفة، بحسب المعشر. ويرى المعشر أن أحداث 11 سبتمبر، أضافت بعداً جديداً هو البعد الاميركي، وبالتالي بدأ الحديث عما يسمى بـ «الشرق الاوسط الكبير». ويؤكد أن الإصلاح والتنمية السياسية ضروريان لتنمية المجتمع بغض النظر إن طالبت بهما الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، فالإصلاح يجب ألا يصبح "تهمة" لأنهما يطالبان به، و"من الضروري أن ينبع من المنطقة". ويضيف أنه إذا قدمت لنا مبادرة من الخارج حتي لو تضمنت الأفكار نفسها التي لدينا، فسيتهم دعاة الإصلاح بأنهم "عملاء أميركيون"، وهذا يلحق الضرر بعملية الإصلاح. فضلاً عن "أننا سندخل بعدها في عملية نقاش لتحسين وتعديل ما يأتينا من الخارج بدل أن يصدر الإصلاح بمبادئه ومكوناته وعناصره من الداخل". ويوضح المعشر أن مشروع "الشرق الأوسط الكبير" جاء في ورقة ليست رسمية، ولم تعرض على أي من الدول. لكنها "مسودة تمثل وجهة نظر بعض المتشددين في الإدارة الأميركية". هذه الورقة تجاهلت النزاع العربي الاسرائيلي تماماً، وكأنها تنفي وجود علاقة بين الإصلاح السياسي وموضوع النزاع العربي الإسرائيلي. وبحسب المعشر، فإن "هنالك العديد من الإصلاحات الاجتماعية التي لا تحتاج لحل النزاع العربي الإسرائيلي، لكن لا أستطيع القول إن الإصلاح السياسي يمكن أن يتم بعزل تام عن النزاع العربي الإسرائيلي". العرب اعتمدوا رؤيتهم للإصلاح، وأغلقوا البوابة مؤقتاً أمام أن تفرض عليهم وثيقة أميركية بثوب مبادرة دولية. لكنهم تركوا رؤيتهم بدون آليات متابعة وتنفيذ. بعد شهر من قمة تونس، أطلقت الدول الثماني الكبرى (G8) في اجتماعها مع دول الشرق الأوسط (الموسع) وشمال إفريقيا في مدينة سي آيلاند بولاية جورجيا الأميركية "منتدى المستقبل" لدعم مبادرات الإصلاح العربية. يعقد منتدى المستقبل في اجتماع وزاري للدول المعنية، يسبقه منتدى لمنظمات المجتمع المدني في تلك البلدان (البلدان العربية، تركيا، أفغانستان، إيران). وقد عقد المنتدى الأول في المغرب (2004)، والثاني في البحرين (2005)، والثالث في الأردن (2006)، وتعثر انعقاد الرابع في اليمن، إذ عقد المنتدى المدني في صنعاء في تشرين الثـــاني/نوفمبـــر 2007، وأجــــل الاجتمـــاع الــــوزاري الــذي ما لبث أن اعتذرت صنعاء عن استضــافته لخلافات بشأنه مع واشنطن. مبادرات الإصلاح العربية حركت مياهاً راكدة كثيرة، لكنها دخلت في نهاية المطاف في "نفق" منتدى المستقبل الذي بات في كل دولة عربية تستضيفه عنواناً لانقسام منظمات المجتمع المدني بين فريق مناهض للمنتدى وآليات عمله، وفريق آخر يتولى الإعداد للمنتدى المدني ويدخل في اللعبة على أمل أن يسهم في جهود مراكمة الإنجازات. |
|
|||||||||||||