العدد 3 - ثقافي
 

الذي قُيّض له أن يشاهد وزير الثقافة مغادراً المركز الثقافي الملكي ظهر يوم الخميس 2007/11/8، بابتسامةٍ راضية تعلو وجهه، وروح متّقدة بالحماسة، يدرك أيَّ قلقٍ كان ينتاب «معاليه» صبيحةَ ذلك اليوم، وفي الأيام التي سبقته أيضاً، أو على الأقل يستنتج أن «النجاح» الذي تحقّق كان أكبر مما هو متوقَّع، ربما بكثير، وأن الرهان كان صائباً. والحديث هنا يجري تحديداً عن «مكتبة الأسرة الأردنية»، التي انطلقت برعاية من الملكة رانيا، ووصلت إلى جميع محافظات المملكة في وقت واحد في ما سُمّي «مهرجان القراءة للجميع».

فالمشروع، وهو الأول أردنياً والثاني عربياً، لم يكن يُراد منه أن يظل مجرد مشروع كبقية المشاريع، كما أكد الوزير عادل الطويسي في تصريحات صحفية، وإنما كانت الغاية أن يمثّل انطلاقة حقيقية في عمل وزارة الثقافة، لخدمة شرائح المجتمع كافة، وعدم اقتصار اهتمامها على فئة المثقفين، أو «الأُدُباتيّة» إن جاز التعبير. لذا، كانت بشرى نفاد عدد كبير من العناوين التي اشتملت عليها الدفعة الأولى من المشروع، بمثابة مقياس جديد يَجُبُّ كل ما سبقه من تقييمات ومعطيات ترى في الشعب الأردني شعباً غير قارئ، مكرِّسةً القطيعةَ بالإكراه بين الكاتب –بمعناه الشمولي- وبين المتلقّي/القارئ -بمعناه الشمولي أيضاً-.

فإن يتهافت الناس –عامّة الشعب- على رواية «شجرة الفهود» لسميحة خريس، أو على ديوان «عباءات الفرح الأخضر» لحيدر محمود، أو على «حديث عيسى بن هشام» للمويلحي، بل أن يبادر شخص عادي إلى دفع ثمن 6 نسخ من كتاب واحد ليوزعها كهدايا على أصدقائه، ليس بالأمر الذي يمكن المرور عنه مرور الكرام. إنه بحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة.. وإليكم النتيجة: شعبُنا قارئ، نعم.. إنها الحقيقة. قارئ، وما كان يَحُول بينه وبين الكتاب هو الظروف الاقتصادية القاسية لا أكثر. وهذا ما استنتجته وزارة الثقافة أيضاً في تصريحات لوزيرها وأمينها العام ومساعده.. فهل أجمل من أن نتيح الكتاب للقارئ في مكان سُكناه، وهل أجمل من أن نقدّمه له بسعر رمزي يكون حافزاً له (أو طُعماً، بالمعنى الإيجابي) لاقتنائه. لِمَ لا، ما دام هناك موارد تغطّي النفقات، وما دامت خطة التنمية الثقافية تواصل تحوُّلَها إلى حقيقة على أرض الواقع؟

كان الأردنّ على موعد مع الكتاب، موعد أُعدّ له جيداً عبر وسائل الإعلام، وجلسات العصف الذهني التي سبقته، موعد استوجب إعادة النظر في كثير من المسلَّمات والقناعات الراسخة، وربما –أو بالتأكيد- أنه سيدفع وزارة الثقافة إلى استثماره بما يحقق رؤاها ورسالتها التي بدأ الوسط الثقافي يتلمّس آثارها عبر منجزات لا يفتأ الثناء موصولاً عليها: مشروع الذخيرة العربية، مشروع التفرغ الإبداعي، إعادة مديريات الثقافة في المحافظات، جوائز الدولة التقديرية التي كان منحها للراحل الكبير غالب هلسا «ضربة معلّم»، ومفصلاً رئيسياً في أداء وزارة الثقافة وفي النظرة إليها أيضاً.. نظرة محفوفة بالتقدير، لما اشتملت عليه من دلالات موحية.

وبانتهاء الأيام الأربعة التي عُرضت فيها عناوين الوجبة الأولى من مكتبة الأسرة (زهاء 50 عنواناً تتوزع على 13 سلسلة فرعية تستهدف جميع شرائح المجتمع، وتناسب أفراد الأسرة بمختلف مستوياتهم العمرية والذوقية)، وبنفاد عدد كبير من العناوين المطروحة للبيع بسعرٍ مغرٍ (لا أود القول إنه رمزي)، وبمشارفة العناوين المتبقية على النفاد، نظراً للتهافت المتواصل عليها.. بعد كل ذلك وبيع ربع مليون نسخة (باعتبار أن كل عنوان طُبع منه 5 آلاف نسخة).. هل أدى المشروع رسالته، وهل استنفد غاياته؟

بالتأكيد لا. لقد كانت هذه هي البداية، وهي بداية محمّلة بالبشائر والوعود. وكي يستمر هذا الذي أدعوه «نجاحاً» لافتاً، لا بد من الوقفة مع الذات لمراجعة ما تم إنجازه، وإعادة النظر في تفاصيل المشروع كي يظل دفقه دون انقطاع.

وأول ما يمكن اقتراحه هنا أن تتشكل مديرية (أو وحدة أو قسم؛ ليس مهماً الاسم) في وزارة الثقافة توضَع لها هيكلية إدارية تشرف على إدارة المشروع وتنظيمه ومتابعة مسيرته. وهو ما يقود إلى التفكير بشكلٍ جدّي في تشكيل هيئات استشارية متخصصة في كلٍّ من السلاسل الفرعية للمشروع لاختيار العناوين الأنسب وفق أسس ومعايير من بينها الجدّة والنوعية، وقوانين العرض والطلب أيضاً..

وربما على الوزارة أن تفكّر بنجاعة في فتح مراكز بيع دائمة لكتب هذه السلسلة ولغيرها من إصدارات الوزارة (نذكر هنا أن الوزارة أفادت من المهرجان في عرض إصداراتها التي لا تقع ضمن سلسلة كتب الأسرة، وبيعها بأسعار مخفَّضة هي الأخرى)، في محافظات المملكة المختلفة، ويمكن في هذا السياق استثمار مرافق مديريات الثقافة أو أقسام اللوازم فيها، أو الهيئات الثقافية والاجتماعية والتطوعية فيها، أو المراكز التجارية الكبيرة لفتح نوافذ بيع متاحة للجمهور بشكل يومي، لا بشكل موسمي.. ورفد هذه النوافذ بسلسلة كتب «الأسرة» وبقية إصدارات الوزارة إلى جانبها بأسعار تراعي ظروف المواطن الأردني. ومن جانب آخر، يبدو الحديث عن 5 آلاف نسخة للعنوان الواحد مفتقراً إلى بُعد النظر إذا ظل الأمر على ما هو عليه، وفقاً لمعطيات أرقام المبيعات التي أوردتها وسائل الإعلام أثناء متابعتها المهرجان. فما الذي يَحُول دون مضاعفة عدد النسخ، وأنا على يقين أنها ستُباع جميعاً، ولو بعد حين!

ومن المفيد في هذا السياق أن تدعو وزارة الثقافة إلى ورشة عصف ذهني وتقييم للمشروع، وبحث إمكانية تأسيس دار نشر وطنية، أو شبكة توزيع خاصة بها، أو كادر فني متخصص يريحها من العطاءات وإرباكات التعاطي مع الجهات الأخرى في الإخراج الفني لكتب السلسلة. وأذكر أن الوزارة وزعت استمارات على عينات عشوائية من المواطنين الذين ارتادوا مراكز البيع، لمعرفة توجهاتهم وميولهم على صعيد القراءة، فماذا عن نتائجها؟

مكتبة الأسرة، مشروع كبير، نجحت وزارة الثقافة في تخطّي امتحانه الأول بامتياز، رغم ما يُقال هنا وهناك عن عدم مناسبة بعض العناوين للأسرة، وهي ملاحظة لا تستحق التوقف عندها كما أرى، لأن أي كتاب لا بد أن يكون مفيداً في أسوأ الاحتمالات لشريحة معينة دون غيرها.. ويقيني أن الوزارة –بجهود الطويسي وطاقمه الذي حوّل الوزارة في الفترة الأخيرة إلى خلية نحل حقيقية بعمله الدؤوب- قادرة على اجتياز الامتحانات الأخرى.. نحو تأسيس مكتبة لكل بيت، ونحو إعادة اللحمة بين القارئ والكتاب الورقي، وهو ما أشار إليه الطويسي في المؤتمر الصحفي للإعلان عن المشروع، في هذا الزمن الذي تنسج خيوطه الشبكة العنكبوتية.. غير آبهةٍ بالحبر والورق!

* كاتب اردنية

مكتبة الأسرة: المشروع والهيكلة – هيا صالح
 
22-Nov-2007
 
العدد 3