العدد 19 - كتاب
 

يشوب السياسات النقدية والمصرفية الحالية للبنك المركزي العديد من الثغرات والسلبيات التي كان وسيكون لها، ما لم يتم مواجهتها وتغييرها في الوقت الصحيح، تداعيات صعبة متزايدة على الاستقرار النقدي والمصرفي في الأردن والمس بالثقة العامة، وعلى مجمل النشاط الاقتصادي واتجاهات الأسعار في معدلات تضخم متصاعدة.

يأتي في مقدمة الاختلالات في مرتكزات السياسة النقدية مواصلة البنك المركزي في تبني وتطبيق نهج ربط قيمة أو سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي الذي يتواصل تراجعه وهبوطه منذ عدة سنوات مقابل اليورو والعملات الرئيسية الأخرى، وبنسبة قاربت 50 بالمئة في المتوسط، وبالتالي تحقق نفس الاتجاه الهبوطي في سعر صرف الدينار المرتبط به، مما احدث قفزات في معدلات التضخم (الغلاء) في الأردن من 1.8بالمئة في عام 2001 إلى 3.5 بالمئة في 2005، وصولا إلى 6.3 بالمئة في 2006، وأكثر من 9 بالمئة في 2008.

ليس خفياً أن مكافحة تفاقم التضخم يشكل مرتكزاً وهدفاً أساسياً في السياسات النقدية والمالية في معظم الأقطار المتطورة والنامية لما يشكله من مخاطر على النشاط الاقتصادي، والنمو المتوازن لفروع الاقتصاد، وتأثيراته السلبية على تراجع المستويات المعيشية للمستهلكين وقدراتهم الشرائية.

صحيح أن قرار ربط سعر صرف الدينار بالدولار في أواسط تسعينات القرن الماضي، كان إيجابياًً في ظروف الأزمة الاقتصادية وضعف الثقة العامة بالدينار وقتها إلاّ أن ذلك لا يبرر التمسك بنفس النهج والمسار الآن في أجواء وظروف مختلفة تماماً تدعو إلى خيار آخر مثل ربط سعر صرف الدينار بسلة من العملات الرئيسة وبنسب تتوازى مع حجوم التجارة الخارجية مع أقطارها.

إذا كان مفيداً، بل ومطلوبا في وقت من الأوقات، السماح أحياناً لوحدات الجهاز المصرفي الأردني التوسع في نشاطها الاقراضي الائتماني لتسريع وتعزيز التنمية وإنعاش النشاط الاقتصادي المتراجع إلاّ أن الاستمرار في ذلك يؤدي إلى نتائج سلبية معاكسة عندما تتوسع البنوك في بمعدلات زيادة عالية بلغت 32 بالمئة في 2005، 27 بالمئة في 2006، وما يقارب ذلك في 2007 لتصل نسبة الإقراض بالدينار إلى ودائع البنوك بالدينار إلى (95 بالمئة وهي معدلات خطرة ائتمانياً من جهة، ومن جهة أخرى في تداعياتها الصعبة على موجات متتابعة من التضخم.

المفارقة أن بعض إدارات البنوك لم تكتف بتوسعها الكبير في الإقراض بل طالبت المركزي بالسماح لها بميزة من الإقراض عندما بدأ البنك المركزي بالتفكير مؤخراً بوضع قيد متواضع على منح القروض بسقف أعلى 90 بالمئة.

مخاطر الإقراض المصرفي مؤخراً، لم تقتصر على حجمه أو قيمته الإجمالية بل في تركزه في نشاطات اقتصادية عقارية، تجارية، استهلاكية، لا تمثل درجة متقدمة في متطلبات التنمية الاقتصادية المتوازنة والمستدامة، إذ يلاحظ تركز 37 بالمئة من الإقراض الكلي في سوق الأسهم.

كذلك، استمرت معظم وحدات الجهاز المصرفي في التوسع في الإقراض العقاري وقروض تجزئة ولم تستفد من تجربة انفجار أزمة (إفراط البنوك الأميركية) في منح القروض العقارية عالية المخاطر وما نجم عن ذلك من تداعيات قاسية في شرايين الاقتصاد الأميركي والاقتصاديات الأخرى المرتبطة به.

أخيراً، لجأ المركزي منذ أواسط التسعينات إلى التوسع في نهج إصدار شهادات الإيداع بالدينار، وبيعها للبنوك مقابل فائدة يدفعها لها، وهي أداة نقدية غير مباشرة ضعيفة التأثير على البنوك في اتخاذ قراراتها الائتمانية، فيما أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً على القوائم المالية السنوية للمركزي.

أحمد النمري: رأي في الساسة النقدية للمركزي
 
27-Mar-2008
 
العدد 19