العدد 19 - ثقافي | ||||||||||||||
عدنان مدانات في الأردن حراك سينمائي، لكن لا توجد سينما أردنية. أخشى ما نخشاه أن يكون هذا الحراك، مع استثناء حالة ولادة وحيدة حديثة العهد (2007)، نتج عنها فيلم روائي طويل هو "الكابتن أبو رائد"، أشبه ما يكون بمخاض حمل كاذب، طالما أن الحراك قد لا يثمر أفلاماً أردنية روائية طويلة وذات قيمة. ماذا يميز هذا الحراك؟ هناك أولاً "الهيئة الملكية للأفلام"، وهي مؤسسة رسمية جرى تأسيسها قبل بضع سنوات من خلال قانون بشّر بصناعة سينمائية وسمعية بصرية وإلكترونية في الأردن، لكن الهيئة التي نأمل أن تؤسس لقاعدة سليمة للإنتاج السينمائي الأردني، ما زالت تعلن عن نفسها باعتبارها هيئة خدمات تقدم مساعدات إدارية تنظيمية «لوجستية» لمبادرات متواضعة ،يقوم بها بضع طامحين وطامحات هواة من جيل الشباب الأردني لصنع أفلام قصيرة، إضافة إلى تقديم الخدمات اللوجستية لمن يرغب من المنتجين الأجانب في تصوير أفلامهم في ربوع الأردن. تنظّم الهيئة أيضاً ورشات تدريبية لمن يرغب في تعلم بعض فروع العمل السينمائي، مثل: كتابة السيناريو، أو المونتاج، أو الرسوم المتحركة، كما تدعم الهيئة وتشرف على تعميم عروض أفلام الشباب. وضمن مخططات الهيئة القريبة الأمد تجهيز مبنى خاص يضم غرفاً فيها أجهزة للمونتاج، وقاعات للورش التدريبية ومكتبة للأفلام. يضاف إلى هذا الحراك الرسمي من خلال الهيئة الملكية للأفلام، إعلانها عن تأسيس كلية لتدريس تقنيات السينما في مدينة العقبة لطلاب من دول المنطقة المختلفة. ... كل هذا حسن، مع ذلك تبقى حاجة ملحة لتمويل ودعم إنتاج أفلام أردنية روائية طويلة، وهذه مهمة نفترض أنها يجب أن تكون من صلب عمل وأهداف المؤسسة السينمائية الرسمية، كي يمكن القول، في حال تحققها، إنه توجد عندنا سينما أردنية، بل وتحديداً، سينما أردنية وطنية. إضافة إلى المعهد الذي أسسته الهيئة الملكية للأفلام بالشراكة مع جامعة كاليفورنيا للفنون السينمائية، أعلنت مؤسسة تعليمية سينمائية أسترالية عن إنشاء معهد لتدريس السينما في عمان، وقبل ذلك افتتحت الدنمارك معهداً للسينما في عمان استمر نحو عامين ثم أغلقته، وقد نسمع في القريب العاجل عن دول أجنبية أخرى تريد تعليم الأردنيين السينما، وبالطبع فمن المحتمل أن تنتشر عدوى تدريس السينما في الكليات المتوسطة الأردنية، وربما أيضاً في المدارس الخاصة والجامعات بعد أن كان تدريس السينما، أو بالأحرى، التلفزيون، محصوراً في إحدى الجامعات الرسمية وفي كلية متوسطة. كل هذا من حيث المبدأ، حسن أيضاً، على أن لا يحرّف البوصلة عن الاتجاه الصحيح المطلوب وهو خلق أساس مادي لإنتاج أفلام أردنية، وتحديداً، أفلام روائية أردنية طويلة وطنية. وطنية بكل معاني الكلمة، وبخاصة وطنية الإنتاج والهوية والمضمون. من البديهي أنه من دون وجود أية إمكانية لإنتاج أفلام أردنية روائية طويلة تنتفي كل المبررات لإنتاج سينمائيين أردنيين، ولا سيما من ذوي الشهادات الأكاديمية. من البديهي أيضا أن الأفلام القصيرة، الروائية أو التسجيلية، التي يجري إنتاجها في الأردن حالياً، وبغض النظر عن مستواها، مرتفعاً كان أم منخفضاً، لا يحتاج إعداد صانعيها، وبخاصة أن تصنيعها يجري بوساطة التقنيات الرقمية التي يسهل تعلم استخدامها والتعامل معها، لكل هذه الجهود التدريسية التي تتوجها الشهادات العالية التي لن يكون لها معنى، إن لم ترتبط بها وتتبعها الممارسة والخبرة العملية. ما يجري حالياً هو إنتاج جيل شاب من صانعي الأفلام، الذين يمكن ضخهم في القنوات الفضائية التلفزيونية لتحقيق برامجها التي لا يحتاج صنعها إلى سينمائيين فنانين ومبدعين موهوبين، بل إلى مجرد حرفيين منفذين يستطيعون العمل بوتائر سريعة تتطلبها آليات الإنتاج التلفزيوني. يطيب لبعض المراقبين المتابعين بجدية لمنتجات هذا الجيل الفيلمية وصف صانعي هذه المنتجات الفيلمية، وعلى سبيل السخرية غالباً، بالسينمائيين الرقميين. في واقع الحال، فإن هؤلاء السينمائيين الرقميين المجندين في خدمة الفضائيات، باتوا يحلون محل عدد كبير من سينمائيين سابقين درسوا السينما في معاهد أكاديمية خارج الأردن، واكتسب بعضهم الخبرة العملية من خلال عملهم في إخراج المسلسلات التلفزيونية، لكن معظمهم بات بلا عمل، أو على الأقل ، بلا فاعلية سينمائية. لماذا نؤكد على وطنية الأفلام الأردنية المرجوة والمتحققة بوساطة الإنتاج الوطني؟ الجواب: لأن وطنية الأفلام السينمائية الأردنية الإنتاج تفيد في تحقيق هدفين: أحدهما اقتصادي، والثاني فكري، فالسينما، كما هو معروف، صناعة وفن وفكر. بدون تحقيق هذين الهدفين لن يجد "السينمائيون" الأردنيون المصممون على صنع أفلامهم السينمائية الروائية الخاصة، أو حتى التسجيلية الطويلة، وسيلة لتحقيق أفلامهم سوى اللجوء إلى التمويل الأجنبي. يفيد التمويل الأجنبي، حتى في حال حسن النوايا وصفائها، فقط في مساعدة سينمائي فرد على تنفيذ مشروعه الخاص، لكن التمويل الأجنبي لا يساعد على وجود، بل ربما قد يعرقل وجود، صناعة سينما وطنية ذات قابلية للاستمرار. يفيد التمويل الأجنبي في صنع أفلام يتلاءم اختيار مواضيعها والطرح الفكري فيها مع رغبات الممول الأجنبي كونه شريكاً مهيمناً، لكنه لا يفيد في صنع أفلام ذات هوية وطنية من ناحيتي الموضوع والمضمون. من بين السينمات العربية الفاعلة في زمننا الحاضر التي تشهد صحوة لافتة، نشير إلى السينما المغربية. لسنوات طويلة كان الإنتاج السينمائي الوطني للأفلام المغربية متعثراً ودون المستوى المطلوب في غالبية الأحيان. وكثيراً ما كان السينمائيون المغاربة يلجأون إلى التمويل الأجنبي، أو الدعم الأجنبي تحت مسمى الإنتاج المشترك. لكن هذا كله لم يحل مشكلة السينما المغربية، على الرغم من أنه بالمقابل، كان المغرب،وما زال، يشهد حراكاً سينمائياً على شكل خدمات للأفلام الأجنبية التي يجري تصوير العديد منها في ربوع المغرب المتعدد والمتنوع المشاهد الطبيعية.خدمات متكاملة متعددة المستويات والمجالات تتحقق بوساطة مغاربة من ذوي الخبرات في فروع الإنتاج السينمائي كافة. من أبسط الأمثلة على تلك الخدمات وجود مصانع خاصة لتفصيل ثياب الممثلين في أفلام رعاة البقر، التي غالباً ما يجري تصويرها في ربوع المغرب. من الأمثلة أيضاً وجود أعداد كبيرة من الخيول المدربة والخيالة ،المؤهلين للعمل في الأفلام التاريخية التي تحتاج إلى قدرات فروسية عالية. أما الصحوة الحالية التي أنعشت الإنتاج السينمائي المغربي للأفلام الروائية الطويلة وحتى القصيرة، كماً ومستوى، ووضعت السينما المغربية في المرتبة الأولى بين السينمات العربية المعاصرة، فكانت بفضل تدخل الدولة التي هبّت عبر مؤسسة السينما الرسمية، لمساندة صناعة السينما المغربية. |
|
|||||||||||||