العدد 19 - ثقافي | ||||||||||||||
هيا صالح في الوقت الذي تستعد فيه وزارة الثقافة لإطلاق موسمها المسرحي الذي يستمر حتى أواخر العام الحالي، وبالتزامن مع إطلاق فعاليات مهرجان أيام عمان المسرحية، تبقى أبواب الأسئلة مشرعة على واقع المسرح في الأردن، هذا المسرح الذي تخّلق في رحم الجامعة الأردنية في الستينيات من القرن الماضي، ثم احتضنته أسرة المسرح الجامعي حتى أواسط السبعينيات، وهي التي كثفت نشاطها بعد انضمام (الراحل) هاني صنوبر إليها، هو الذي عاد من أميركا حاملاً شهادة في الفن المسرحي، فقدمت الأسرة العديد من المسرحيات المترجمة على مسرح الجامعة، وشكّلَ أعضاؤها نواة مهمة للمسرح في الأردن فيما بعد. وكانت تأسست دائرة الثقافة والفنون في العام 1966، والتي عملت على إنشاء أسرة المسرح الأردني التي ضمت عدداً كبيراً من المشتغلين في مجال الدراما ومنهم: نبيل المشيني، نبيل صوالحة، سهى مناع، قمر الصفدي، مازن قبج، حسن أبو شعيرة، سميرة خوري، رشيدة الدجاني ومحمد العبادي. وفي السبعينيات، مروراً بالثمانينيات، شهد المسرح في الأردن بعض الانتعاش، خصوصاً بعد تأسيس قسم للمسرح في دائرة الثقافة والفنون، وإنشاء مركز تدريب الفنون، وافتتاح قاعة عرض مسرحية في جبل اللويبدة (تُعرف الآن بـاسم "مسرح أسامة المشيني")، ثم إنشاء المركز الثقافي الملكي بمسارحه المجهزة، وكذلك إنشاء قسم الفنون المسرحية في جامعة اليرموك. ويمكن القول إن الحركة المسرحية في الأردن خرجت من مرحلة الجنينية، وهو ما يتفق عليه المشتغلون في المسرح؛ لكنهم يختلفون في تفاصيل أخرى، من بينها حال هذه الحركة وواقعها في الراهن. ففي حين يرى المخرج والممثل حكيم حرب أن المسرح حالياً، كحالة إبداعية، "بخير"، يؤكد المخرج نبيل نجم أن هذا المسرح "لا يلبي الطموح"، وأنه "يعاني من العلل"، مشيراً إلى أن أزمة المسرح تتجلّى على مستويات مختلفة: القطاع الرسمي، والقطاع الخاص، والمعنيين بالمسرح. هذا ما تذهب إليه أيضاً المخرجة والممثلة مجد القصص التي ترى أن أحد مسببات هذه الأزمة، أن المؤسسات الثقافية الرسمية "لم تأخذ المسرح على محمل الجد"، بالإضافة إلى "توزيع الدعم المالي على المسرحيين وفق مبدأ الحصص، لا بناءً على قيمة الإبداع وأهميته"، ودونما مراعاة "لأصحاب الخبرة الذين أثبتوا جدارتهم عبر تراكمية إبداعية متميزة"، إذ يتم التعامل معهم "كما لو أنهم مبتدئين".. وهذه "النقود القليلة" كما تقول القصص، تساهم في "منتج ضعيف" وتفضي بالنهاية إلى "حالة من اللاإبداع". تقصير المؤسسات الثقافية الرسمية، يؤكده حرب أيضاً، الذي يذهب إلى أن تراجعاً في الفعل المسرحي حدثَ في السنتين الأخيرتين خصوصاً، إذ "أصبح هناك توجّه للتركيز على الكَمّ بدلاً من النوع"، وبدأت "محاولات إجهاض المهرجانات المسرحية"، وتعدُّد "الدخلاء على المهنة" كما يصفهم حرب، وهم الذين يحاولون "ركوب الموجة"، بما يستدعي وبشكل ملحّ "دَقّ ناقوس الخطر". الحالة "المرَضية" كما يقول نجم، التي يعاني منها المسرح، تعكس "غياب الاستراتيجية المتكاملة في بعدها الثقافي عموماً"، لذا فإنه يبدي "قلقاً واضحاً" لأن المسؤولين في القطاع الثقافي الرسمي "لا يدركون أهمية المسرح ولا يقدّرون دوره أو رسالته"، وهو ما أدى إلى "خلوّ المؤسسات الثقافية الرسمية من المتخصصين بالمسرح"، وبالتالي تبدو النشاطات المسرحية على اختلافها "مفرقعات تضيء فترة ثم تخبو وتتلاشى". ويرى نجم أن المسؤولية لا تقع على كاهل هذه المؤسسات وحدها، فهناك أيضاً القطاع الخاص، وهو "قطاع ربحي يفكر دائماً بالمردود المادي"، لهذا يبدو غير معنيّ بمسألة خلق تيار إبداعي، لأن ذلك "لا يحقق له الربح المرجو". تتشعب الأزمة كإخطبوط يمد أذرعه في غير اتجاه. هذه الصورة تبدو ملء العين كما تؤكد مجد القصص، التي تضيف سبباً آخر للأزمة هو "المخرجين أنفسهم"، وهؤلاء يبدؤون بالإخراج المسرحي بعد تخرجهم في الجامعة مباشرة، قبل أن تتاح لهم فرصة المثاقفة مع مخرجين سابقين عليهم، عبر عملهم كمساعدي مخرجين أو مخرجين منفذين، حتى لا يقدموا أعمالاً على الخشبة دون دراية وخبرة كافيتين، مما قد يوقعهم، حسب القصص، في "مطب الإنتاج الغضّ". هذا بالنسبة لجيل الشباب من المخرجين، أما المخرجون الذين لهم باع في هذا الميدان، قتؤكد القصص أنهم "يعتمدون على ما حققوه من شهرة"، لذا غاب عنهم "الاجتهاد"، ما أبقى على أدواتهم الفنية كما هي دون تغيير، فأصبح ما يقدمونه، بحسب وصفها، "قديماً، ومكروراً" لا يضيف جديداً أو مهماً للحركة المسرحية. هذا الرأي يتبناه أيضاً نجم الذي يرى أن المشتغلين بالمسرح "تغيب عنهم الرؤية الواضحة والمحفزة للعطاء"، وأصبح عملهم مرتبطاً بـ"المواسم"، فهم يقدمون أنفسهم فيها كمهتمين بالمسرح، وهذا يتم غالباً على حساب قواعد المسرح وأساسياته كفعل ثقافي مستمر. "ما نزال منذ عشرين عاماً ندور في حلقة مفرغة"، يقول نجم. فأجنحة التقصير هذه، وعلى اختلافها، أدت إلى عدم القدرة على إيجاد كاتب مسرحي متطور، وبالتالي غياب الإخراج المتطور، ومن ثم الضعف المتحصل في قطاع الممثلين والمختصين بالمسرح. أما حرب فيحيلنا إلى التسعينيات، حيث شهد المسرح في الأردن نهضة ملحوظة، وبدا حاضراً في المحافل العربية والدولية. ويؤكد حرب أن المسرحَين في تونس والأردن يعدّان من أهم المسارح التي تقدم عروضاً جيدة وتحصد الجوائز العريقة، وأن هناك دراسات ورسائل جامعية تتناول التجربة الأردنية في المسرح "بكثير من الاحترام والتقدير". وكان المسرح في الأردن شهد في التسعينيات ما يمكن وصفه بـ"الازدهار" نتيجة قلة الطلب على الأعمال الدرامية التلفزيونية الأردنية، ما دفع الفنانين باتجاه المسرح "الحضن الأساسي للفن" كما يصفه حرب، فانتشرت الفرق المسرحية، وتم تقديم العديد من المسرحيات التي ساهمت في إنتاجها وزارة الثقافة، والتي قامت أيضاً بتنظيم المهرجانات المسرحية مثل: مهرجان المسرح الأردني، ومهرجان مسرح الشباب، ومهرجان مسرح الأطفال.. وقد ساهمت هذه المرحلة بإفراز ثلة جيدة من المخرجين الشباب أمثال: زياد جلال، حسن سبايلة، حكيم حرب، وعبد الكريم الجراح. هذه الخطوات التي انتهجتها الوزارة لقيت ترحيباً من الفنانين، إذ يبدو حرب متفائلاً بـ"الحالة الجديدة التي يعيشها المسرح"، خصوصاً أن الوزارة تتيح المجال الآن لإطلاق المبدعين الذين شكّلوا علامة بارزة في المسرح في الأردن. ويثمن حرب خطوة الوزارة في إقرار استمرار عروض مهرجان المسرح الأردني التي كان يجري الحديث مؤخراً عن تأجيلها أو إلغائها، مؤكداً أن هذه الخطوة "إعادة هيبة للمهرجان". من جانبها، تنظر المخرجة وفاء القسوس إلى "الوعود بدعم المسرح" بحذر، مؤكدة أن العمل الجاري على إخراج المسرح الأردني من أزمته لن يؤتي ثماره الآن، وإنما يحتاج إلى فترة زمنية تكون بعدها النتائج أكثر وضوحاً. |
|
|||||||||||||