العدد 19 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: ليكسي هانسن*
ليس مستغربا أن يسخر المرء من عنوان كتاب ماري كالدور المجتمع المدني العالمي: حل للحروب (2003) عند تناوله للوهلة الأولى. إذ قد يبدو مصطلح المجتمع المدني العالمي في الوقت الراهن الذي تتزايد فيه الاضطرابات مصطلحا فارغا. إلا أن الاستعراض المفصل الذي قامت به كالدور للطبيعة المتغيرة للدولة والحرب والمجتمع المدني يسوق حجة ملزمة تقول بأن للمجتمع المدني دورا حاسما أكثر من أي وقت مضى يلعبه في صياغة ردودنا الفردية والجماعية على أعمال العنف والحروب. تقول كالدور بأن عولمة المجتمع المدني تتيح للأفراد والجماعات مساءلة الدول أمام الهيئات الدولية والضغوط الخارجية. فالمجتمع المدني بالنسبة لها هو "الوسيلة التي يتم من خلالها التفاوض والتباحث والتوسط بشأن التعاقدات أو المساومات الاجتماعية بين الفرد ومراكز السلطة السياسية والاقتصادية" (12). ويشمل المجتمع المدني المعولم هذا جميع المنظمات الرسمية وغير الرسمية والتي يمكن للفرد عن طريقها أن يسمع صوته لصناع القرار على جميع المستويات. وفي سياق تدليلها على ذلك تشير إلى أن هدف الحركات المدنية في الشرق (الكتلة السوفياتية) والغرب (أوروبا الغربية وأمريكا الجنوبية) لم يكن لكسب السلطة السياسية وإنما لإعادة رسم العلاقات بين الدولة والمجتمع كما وقد وظفت هذه الحركات التكنولوجيات الحديثة والأفكار الجديدة للتواصل عبر الأمم. وتُبرز كالدور الفعالية العابرة للحدود مؤخرا حيث يتواصل الناشطون في بلد ما مع أولئك القادرين على ممارسة الضغط على حكومة تلك البلد من الخارج. وتشير أيضا إلى أن المنظمات غير الحكومية هي حركات اجتماعية إنسانية مؤطرة قانونيا وتنظيميا بالطريقة نفسها التي أُدمجت فيها الحركات الاجتماعية السابقة في العمليات السياسية، كما وتقول المؤلفة بأن حيز المجتمع المدني العالمي يفسح المجال لجعل حركات الاحتجاج حضارية بإدخالها في عملية سياسية تعاونية. والبارز هنا هو قول كالدور بأن المجتمع المدني العالمي يمثل أيضا مسرح الحركات القومية والأصولية الجديدة - وهي الحركات التي تجد نفسها في هؤلاء الذين "تقصيهم العولمة وتحرمهم من حقوقهم" (99) وفي الحركات المناهضة للرأسمالية - وبالتالي فإنها تشتمل على العنف والاحتجاج. وتقول الكاتبة بأن قدرة المجتمع المدني المعولم على الاستجابة لمثل هذا العنف يتطلب "غياب العنف والإكراه في الحياة اليومية بحيث يشعر الناس بالقدرة على التحدث بحرية وأن كلامهم يلقى على آذان صاغية" (109). في الحقب الماضية، كانت الدول هي من تحتكر العنف والإكراه ولكن في عصر العولمة هذا تآكلت حدود الدول هذه. وهو ما أثر في طبيعة الحرب إذ أدى إلى ظهور ثلاثة أنواع جديدة لها أولها هو حرب الشبكات وفيها تشن قوات صغيرة حروب عصابات بهدف نشر نظرة متطرفة أو السيطرة على أراض عن طريق تدمير قدرة المواطن على المشاركة في التنظيمات الاجتماعية الأخرى وإحلال النشاطات الإجرامية محل الأنشطة الاقتصادية المشروعة. وهذه الحروب "يمكن وصفها بأنها مورد رئيسي للاقتصاد المعولم غير الرسمي – وهو الاقتصاد الإجرامي وشبه القانوني العابر للحدود القومية الذي يمثل الوجه الآخر للعولمة" (122). أما النوع الثاني فهو الحرب المشهدية وهي الحرب التي تدار عن بعد وتنطوي على مخاطر ضئيلة تصيب الجنود المشاركين وتعد الولايات المتحدة هي الأكثر انخراطا فيها. وتقول كالدور بأن هذا النوع من الحروب يخدم مصالح عديدة (بما في ذلك وبشكل كبير المجمع العسكري الصناعي)؛ وتنطوي على قدر كبير من الأضرار الجانبية التي تصيب بخاصة البنية التحتية المدنية؛ كما تتسبب في نشوء حروب شبكات جديدة على الأرض لا تستطيع السيطرة عليها. والنوع الثالث هو الحرب الحديثة الجديدة التي يمكن أن تعتمد على "الأيديولوجيات المتطرفة" لحروب الشبكات إلا أنها تشن من قبل القوات العسكرية التي تقودها الدولة (كالشيشان). وهذه حرب محصورة داخل الدولة أو على مكافحة التمرد (فهي إذن حرب "داخل المنزل"). تكون الحكومات المنخرطة بهذا النوع من الحروب على استعداد لتحمل وقوع إصابات. ومن المهم بالنسبة لكالدور إدراك أوجه الشبه بين أنواع الحرب الثلاثة هذه. فهي جميعها تقف غير قادرة على حل الصراعات وتعمل على إفساد التقدم الديمقراطي وتعزيز التطرف وإيجاد اقتصادات إجرامية وإضعاف المجتمع المدني إضافة إلى أنها تؤدي إلى خسائر بين صفوف المدنيين أكثر من الخسائر العسكرية. وفي ظل هذه الأنواع الجديدة من الحرب "لم يعد العالم منقسما إلى مناطق حرب ومناطق سلام. ولا تشكل هذه الأنواع الجديدة نهاية حاسمة للحرب بل هي على العكس من ذلك تولد الأيديولوجيات المتطرفة والخوف والكراهية التي تترعرع عليها هذه الأيديولوجيات، كما تخلق اقتصادا عالميا إجراميا له مصلحة كامنة في التطرف" (147). وباختصار تنشئ هذه الحروب المزيد من العنف والخوف والتطرف وتُربح صناع الحرب بينما تهلك المدنيين. أما القاسم المشترك بين هذه الأنواع فهو بالتأكيد العنف ضد المجتمع المدني الذي يجري تدميره سواء من خلال الحرب المشهدية أم حرب الشبكات أم تلك الحديثة الجديدة. فما هو الحل إذن إذا ما كانت جيوش الدول ليست فعالة ضد هذا العنف الجديد؟ بالنسبة لكالدور: تعزيز القانون الدولي ورفع مستوى تطبيقه من خلال المحاكم الدولية والشرطة الدولية وقوات حفظ السلام مما يخلق بالتالي حيزا لوضع سياسيات سمحة، حيزا يولد فيه مجتمع مدني. وتقترح كالدور أبعادا خمسة لهذا النظام الإنساني الدولي: 1) تعزيز القانون الإنساني الدولي وتطبيقه بتساو؛ 2) ترسيخ إنفاذ حقيقي للقانون الدولي لحماية المواطنين في مناطق الصراع؛ 3) حل أزمات العنف المستمرة عن طريق التطبيق النزيه للقانون الإنساني والدعم للحركات الديمقراطية والسياسية المعتدلة وتأمين إنفاذ للقانون على أرض الواقع؛ 4) استخدام الدوائر السياسية المحلية لحشد الثورات الداخلية ضد القيادات غير الديمقراطية بالاستعانة بالاجراءات الدولية (أي العقوبات) فقط عندما تكون مدعومة من قبل الشركاء المحليين الديمقراطيين؛ و 5) إرساء التزام بالعدالة الاجتماعية العالمية بما في ذلك إعادة توزيع مكاسب العولمة. وفي حين أن البعض قد يدعى بأن كالدور حالمة إلا أن ثمة شيئا من البراغماتية في أفكارها. فهي تقول بأن مستوى التعاون والعزم الدوليين اللذين تتطلبهما هذه الحلول ليسا بالأمر الهين أو المستحيل – فالتعاون المستمر والمتنامي بين جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني العالمي يمكنه تحقيق ذلك. وتقول كالدور "إننا بحاجة لإقناع المسلمين المنجذبين للأصولية بأن اليهود والصليبيين هم من البشر. ونحن بحاجة إلى إقناع الشعب الأمريكي بأن أرواح الأفغانيين والعراقيين مساوية لأرواح الأمريكيين" (159 ). وعلاوة على ذلك، لا تتحدث كالدور عن الاحتجاجات والمسيرات السلمية فحسب (وإن كانت متضمنة بالتأكيد)، فهي تدعو لمجتمع مدني قادر - هيكل قانوني دولي له سلطة التدخل في النزاعات الداخلية لتأمين إنفاذ القانون لإحلال الاستقرار حيث يتم بذلك إيجاد حيز لإرساء العدالة بدلا من المزيد من العنف. وهذا ليس ضربا من الخيال وإنما هي شخص تعلم الكثير من خلال عمله في حركات المجتمع المدني في عقد الثمانينات. وهي تعي التحديات وتقول بأن المجتمع المدني العالمي اليوم تقع على عاتقه مسؤولية العمل من أجل نظام دولي يحمي المدنيين ويقلص من النفوذ الاقتصادي الإجرامي ويخلق مساحات سلمية مفتوحة لانخراط المواطنين في جمعيات والمشاركة في المجتمع. وهذا الهدف ليس مستحيلا مع أنه صعب التحقيق. فهو يبدأ بكل واحد منا فرديا وجماعيا بمناوأة الخوف والعنف والتحرك في اتجاه مغاير. · مرشحة لنيل الدكتوراه في جامعة ولاية ميشيغان – الولايات المتحدة Lexi Hansen, PhD Candidate, Michigan State University |
|
|||||||||||||