العدد 19 - ثقافي | ||||||||||||||
حسين نشوان يستمد الخزاف حازم الزعبي مفردات أعماله السيراميكية من الرموز القديمة، غير أنه لا يكتفي بالنقل الحرفي، وإنما يضيف إليها من مخيلته البصرية لإشباع النص البصري بالألوان والتشكيلات المتنوعة. في معرضه الأخير، الذي يقام في غاليري رؤى للفنون، يقدم الخزاف الحائز على جائزة اليونسكو للإبداع الفني 1994 جملة من التجارب التي تتصل بالموضوع والشكل والتقنية، فهو على صعيد الموضوع يحاول من خلال اختياره للتجريد الربط بين الطبيعة والكائن في تجلياتهما من خلال تضاريس المكان وخطوطه، وهو ما يبرز في تلافيف أجساد الكائنات التي تعيد المادة إلى أصلها الأول، وهو التراب والطين، وهو أمر يتصل بالمادة التي يشتغل عليها الفنان في تطويعه للفخار بلغة الصمت وقصائد الشعر والموسيقى. غير أن الفنان، الذي تخرج من أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد العام 1982 وترأس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين لدورتين، يعود في أعمال أخرى إلى فك ارتباط الموضوعات من خلال الأعمال الخزفية/النحتية التي يشتغل فيها على الإنسان أو الموضوع المجرد، وفي اختياره للأشكال الآدمية. فهو يعيد أو يستعيد وجوهاً غائبة منذ زمن بعيد تشبه وجوه عين غزال التي ظهرت قبل نحو 8 آلاف سنة. لكن هذه الوجوه تعود وهي تجلس على مقاعد في فضاء واسع، وكأنها تنتظر العودة، وهي أجساد تلتصق معا كأنها في بدن واحد، وتستطيل وجوهها بما يشير إلى حيرتها، وبالمقابل هناك كائنات على شكل دائري تشبه الأواني أو زجاجات العطر، وأخرى على مقعد يكاد أن يهوى أو يحلق وراء طير على فخذ الكائنات المصابة بالحيرة. أما أعمال الزعبي النحتية فيغلب عليها اللون الواحد أو اللونان، وثمة فكرة تحيط بالعمل تتصل بالفراغ والحيرة التي تسيطر على الوجوه الصلدة. قارب الفنان في الأعمال المسطحة التي تشبه اللوحة المسندية بين العمل الخزفي والرسم في الاشتغال على الإطار وتقطيعات العمل إلى عدد من الأشكال المربعة. وفي كل مربع لوحة تشكيلية تجريدية مشبعة بالألوان التي تعود بأصولها إلى النار أو الماء وتدرجات الأحمر والأزرق كألوان تتصل بالعلبة التلوينية للتزجيج الإسلامي. ولم تبتعد الأشكال المرنة والحادة في الأقواس والمثلثات من المقترحات الجمالية الإسلامية نفسها. وفي تقطيعاته للعمل الذي يقع بين أربع وخمس عشرة قطعة، ظل الفنان قريبا من الأرابيسك والموتيفات لجهة الشكل. وخرج أحياناً من محيط الشكل المربع إلى الدائري لإرباك لحظة التلقي بين المركز والمحيط. وقد ظل الفنان، الذي أقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في كل من الأردن، الكويت، اسبانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، تونس، سورية، مصر،لبنان، الإمارات، اليابان، وايطاليا، مخلصاً في اشتغاله على الصلصال لتفسير الحياة من خلال اللون والشكل والمحتوى والمادة. فهو يمزج بين صلابة الفخار وشفافية الماء وسطوة النار وملاسة السطح باقتراحات لا تتوقف عند المشاهدة ،وإنما تتأكد بالملمس والصوت الذي يتركه النقر على سطح العمل. وتتأكد مثل هذه الفكرة في عدد من الأعمال التي تظهر فيها تموجات تنطلق من المركز وتنتشر على مساحة اللوحة, وكأنها تمثل نوعاً من الانفجار الكوني. وفي سياق التجربة، يقدم الفنان، الذي يعمل مدرسا في كلية الفنون الجميلة بالجامعة الأردنية، نماذج من الأواني التي تتخذ أشكالاً مستطيلة، وهي أوان لا تتوقف عند وظيفتها التزيينية، وإنما هي مجموعة من الفازات والأباريق التي يمكن استعمالها في غير مناسبة. ويمثل المعرض في تجربة الفنان محطة مهمة في تجربة الفنان لجهتين: الأولى تنوعها وشمولها وتعدد أشكالها وتقنياتها وموضوعاتها بين الكائن والكون. والثانية لما تنطوي عليه من سردية تمثل نشأة الكون وتعقيدات الحياة وتفكيك عناصرها ،وإعادة ترتيب مفرداته جمالياً من خلال شعرنة المشاهدة وموسقتها. |
|
|||||||||||||