العدد 19 - حريات
 

سلّط التقرير السنوي للمركز الوطني لحقوق الإنسان، الضوء على ما اعتبره سلبيات وإيجابيات، في حالة حقوق الإنسان في الأردن خلال العام الماضي، وقد بدت الإيجابيات تتفوق على السلبيات، لدى الإشارة لنشاطات المجتمع المدني، لكن السلبيات كانت لها «الغلبة» حين الإشارة لقضايا تعلّقت بممارسات حكومية وتنفيذية، رغم أهمية بعض الإيجابيات على هذا الصعيد، مثل التي أشار لها رئيس مجلس أمناء المركز، رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، في مقدمة التقرير، ومنها: تعديل المادة 208 من قانون العقوبات، المتصلة بموضوع التعذيب، إقرار قانون الحصول على المعلومات، سحب مشروع قانون الجمعيات، وتعديل قانون البلديات لينص على انتخاب رؤساء البلديات بدلاً من تعيينهم.

تميّز تقرير هذا العام، بالتركيز على حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إذ خصصت لها مساحة أكبر من تلك التي خصصت لحالة الحقوق المدنية والسياسية. وقد أوضحت أرقام التقرير أن المركز الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة شبه رسمية تأسست في أواخر العام 2002، وتراقب أوضاع حقوق الإنسان في الأردن، تلقى خلال العام 2007، ما مجموعه 288 شكوى من مواطنين، تتعلق بقضايا حول مختلف الحقوق، حُلّ منها 62 قضية فقط «بطريقة مُرضية»، بحسب التقرير.

تطرق التقرير في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لحالة «الحق في العمل»، فأشار إلى أنه ورد للمركز خلال العام الماضي 220 شكوى ذات صلة بهذا الحق، توزعت على: عدم الحصول على بدل الفصل التعسفي، عدم الحصول على بدل الإجازات وساعات العمل الإضافية، عدم تمتع العمال بالتأمين الصحي، تعرض العمال للإيذاء والعنف والشتم، مخالفة الكفلاء لبنود عقد العمل، حجز جوازات السفر العائدة للعمال والعاملات، فضلاً عن ممارسات تتعلق بالعمل الجبري، ولا سيّما من قبل مكاتب التشغيل الخاصة والسماسرة، وصل بعضها شكلاً من أشكال الاتجار بالبشر. وقال التقرير إن حق العمل غير متوافر لجميع الأردنيين، إذ تبلغ نسبة البطالة 17 بالمئة.

وعلى صعيد «الحق في التعليم»، ثمّن المركز تراجع الحكومة عن «شروط تمييزية» كانت فرضتها على الطلبة غير الأردنيين الراغبين في الالتحاق بالمدارس الحكومية، هي: الحصول على الإقامة، ودفع رسوم مدرسية أعلى، ومدى إمكانية توافر المقعد الدراسي، إذ قال المركز إنها حرمت عدداً من الطلبة من الحصول على حق التعليم، وبخاصة طلبة عراقيين. لكن المركز قال في تقريره، إنه ينظر بعين القلق إلى ارتفاع الرسوم في معظم المدارس الخاصة، مطالباً بالإسراع في تطبيق نظام تصنيف المدارس الخاصة الذي عكفت وزارة التربية والتعليم على إعداده، والذي يصنفها لعدة مستويات وفقاً لإمكانياتها والبرامج والأنشطة والتسهيلات والمرافق التربوية المتوافرة فيها، بحيث يتم ربط الرسوم التي تتقاضاها المدرسة بالمستوى الذي تم تصنيفها ضمنه. وأشار التقرير إلى عدد من الإيجابيات في مجال «الحق في التعليم»، منها: انخفاض نسبة أميّة الكبار إلى 8.3 بالمئة، تنفيذ وزراة التربية والتعليم مشاريع تغذية الطلبة وتنمية العادات الغذائية والصحية السليمة لديهم، تصميمها برامج خاصة بالطلبة المتسربين، وتنفيذها برامج تهدف إلى حماية حق الطفل في التعبير عن رأيه، في المسائل والإجراءات التي تمسه.

في مجال «الحق في الصحة»، لاحظ التقرير نقص الكوادر الطبية والتمريضية في المراكز الصحية التابعة لوزارة الصحة، وكذلك «النقص الحاد» في بعض الأدوية الضرورية، وبخاصة أدوية الأمراض المزمنة، ما يضطر المرضى لشرائها على نفقتهم الخاصة من الصيدليات، إضافة للنقص في عدد كراسي طب الأسنان. وورد في التقرير أيضاً أن هناك ضعفاً واضحاً في نوعية خدمات الإسعاف والطوارئ في المملكة، بسبب محدودية الموارد البشرية المؤهلة، وعدم القدرة على تغطية هذه الخدمة لمناطق المملكة كافة، وعدم وجود نظام اتصال فعال مع المستشفيات. وأشار التقرير إلى أن المركز تلقى خلال العام 2007 ثلاث شكاوى ذات صلة بالحق في الصحة، تتعلق أساساً بأخطاء طبية، أو بعدم تعاون الجهاز الطبي مع المرضى، بشكل أفضى إلى وفاة أو عاهة مستديمة. وتطرق التقرير لمسألة بيع الأعضاء البشرية، فذكر أن لجنة حكومية متخصصة، رصدت 81 حالة بيع كلى في المملكة حتى شهر حزيران الماضي، تركزت معظمها في مخيم البقعة. وقال التقرير إن عمليات استئصال الأعضاء لغايات بيعها، تتم غالباً خارج الأردن، إذ تمت 67.9 بالمئة منها في العراق، و13.5 بالمئة في مصر. وأكد التقرير أن معظم بائعي كلاهم هم من الأسر الفقيرة فقراً مدقعاً. أما عن حالات التسمم الغذائي، فذكر التقرير أن العام 2007 شهد ارتفاعاً ملحوظاً في هذه الحالات، إذ بلغت 2608 حالة، مقارنة بـ 881 حالة في العام 2006.

في مجال «الحق في بيئة سليمة»، أشار التقرير إلى قيام مؤسسة المواصفات والمقاييس بتعديل المواصفات القياسية الأردنية في مجال البيئة، وإلزام المركبات باستخدام جهاز «المحول التحفيزي» الذي يعمل على تنقية عوادم السيارات منذ بداية العام 2007، لكنه قال إن هذه التعديلات لم يتم تفعيلها بعد. وفيما يتعلق بالتحول نحو البنزين الخالي من الرصاص، أوصى التقرير بإعداد دراسات علمية تحدد مدى خطورة مادة «MTBE» على البيئة وصحة الإنسان، لأنها تتسبب في زيادة كميات المواد الهيدروكربونية المسببة لأمراض السرطان، وأوصى كذلك بإعادة تأهيل خزانات محطات الوقود، لتصبح صالحة للتخزين، مبدياً تخوفه من سهولة انتقال المحروقات إلى مصادر مياه الشرب، ومحذراً من أن مركب مادة MTBE سهل الذوبان في الماء، ما يعني أن كميات قليلة منه، من شأنها تلويث كميات كبيرة من مصادر مياه الشرب.

على صعيد حقوق المرأة، لاحظ التقرير ارتفاع مشاركة المرأة في المؤسسات العامة للدولة خلال العام 2007، مشيراً إلى عدد من الأمثلة، منها: تعيين رئيسة لمحكمة بداية غرب عمان بتاريخ في الأول من حزيران/ يونيو، وارتفاع عدد الدارسات في المعهد القضائي، بما يتجاوز نسبة 15 بالمئة المخصصة للنساء وفقاً لنظام المعهد القضائي الأردني، إضافة لارتفاع عدد النساء العاملات في الجهاز القضائي من 33 قاضية في العام 2006 إلى 37 قاضية في العام 2007. أما حول العنف ضد المرأة، فقال التقرير إن العام 2007 شهد تزايداً في تسجيل حالات العنف ضد المرأة مقارنة مع السنوات الماضية، لكنه يعزو السبب في ذلك إلى زيادة وعي المجتمع الأردني بأهمية معالجة قضايا العنف وعدم السكوت عنها، وليس لارتفاع عدد حالات العنف، رقمياً.

على صعيد حقوق الطفل، قال المركز في تقريره إنه ينظر بقلق بالغ إلى ازدياد ظاهرة إلقاء الأطفال في الشوارع، مؤكداً أن هناك مشكلة حقيقية تستوجب المعالجة، قبل أن تمتلئ مؤسسات رعاية الطفولة بهؤلاء الأطفال في السنوات القادمة. وذكر التقرير أنه تم احتضان 42 طفلاً خلال العام 2007، من قبل أسر أردنية، بعد حصولها على موافقة وزير التنمية الاجتماعية، مقارنة باحتضان 21 طفلاً في العام 2006، مشيراً إلى أن هناك أسراً أردنية تنتظر دورها في الاحتضان، الأمر الذي يعكس، بحسب التقرير، تغيراً إيجابياً في نمط التفكير تجاه الاحتضان في المجتمع الأردني.

في الحقوق المدنية والسياسية، تعرض التقرير لـ «الحق في الحياة والسلامة الجسدية»، مركّزاً على موضوع حوادث السير، التي أشار إلى أنها أدت خلال العقد الماضي، إلى وقوع 7084 حالة وفاة، وأكثر من 175 ألف جريح. واستنتج التقرير أن حوادث السير تشكل، في ضوء هذه الأرقام، السبب الثاني للوفيات بعد الأمراض القلبية. ودعا التقرير إلى تعديل أنظمة التأمين الصحي الرسمية والخاصة، كونها لا تقدم الرعاية الصحية لمتضرري حوادث السير في الوقت الحالي، وهو ما دفع بعض المستشفيات إلى عدم تقديم الإسعافات والعلاجات اللازمة لهؤلاء المتضررين. وأشار التقرير إلى إن «الصلح العشائري» قد يتسبب بفقدان ضحايا حوادث السير لحقوقهم، بسبب إحراج ذوي الضحايا ودفعهم للتنازل عن حقوقهم القانونية، والاكتفاء بالتعويض الذي تقدمه شركات التأمين، وهو لا يغطي أصلاً احتياجات الضحايا المادية. على صعيد «الحق في الحرية والأمان الشخصي»، قال التقرير إنه على الرغم من قيام مديرية الأمن العام خلال العام 2007، بإنشاء أماكن حجز مؤقتة نموذجية، مثل: مركز أمن طارق، ومركز أمن صويلح، ومركز أمن رحاب، وفقاً للمعايير الدولية والوطنية ذات العلاقة، إلا أن معظم مراكز الاحتجاز المؤقتة ما تزال غير مناسبة، وقد تؤدي إلى انتهاك حقوق الأشخاص المحتجزين. في الإطار نفسه، أشار التقرير إلى أن فرق الزيارة التابعة له، لاحظت «تحسناً على أوضاع مراكز الإصلاح والتأهيل التابعة لمديرية الأمن العام من حيث معاملة النزلاء»، وعزا المركز هذا التحسن إلى تعيين مديرين مؤهلين لتلك المراكز.

في مجال «الحق في الجنسية»، لاحظ التقرير أن هناك العديد من العوامل التي تشكل مساساً به، منها قرارات الإدارة الحكومية المتعلقة بسحب الوثائق الثبوتية، بصورة تمس هذا الحق وتحول دون التمتع به. وأكد المركز أن سحب هذه الوثائق، وما يترتب عليها من تجريد المواطن من جنسيته، من دون صدور حكم قضائي ابتداءً، يعتبر تعسفاً وانتهاكاً أساسياً لحق هو الأساس للتمتع بالحقوق الأخرى في البلاد. ومن تلك العوامل أيضاً، أن محكمة العدل العليا ما تزال تعتبر قرار سحب الأوراق الثبوتية الرسمية المتعلقة بالحق في الجنسية، استناداً إلى قرار فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، عملاً من أعمال السيادة للدولة، الأمر الذي لا يشجع المواطنين على رفع الدعاوى المتعلقة بالحرمان من الجنسية أمامها، إذ بلغ عدد الدعاوى المرفوعة أمامها خلال العام 2007، بحسب التقرير، تسع دعاوى فقط. وقال التقرير إن قانون الجنسية المعمول به، لا يتواءم والاتفاقيات والمعايير الدولية التي صادق عليها الأردن، إذ مضى على صدور هذا القانون أكثر من خمسين عاماً، ولهذا، طالب التقرير بتعديل القانون ليتواءم مع تلك المعايير. وكانت «ے» قد نشرت في الأسبوع الماضي، تحقيقاً مفصلاً حول موضوع سحب الجنسية. تناول التقرير أوضاع حقوق سياسية ومدنية أخرى، منها «الحق في تأسيس الأحزاب»، قائلاً إن القانون الجديد للأحزاب السياسية، رقم 19 لسنة 2007، يفرض قيوداً على الحق الدستوري للمواطنين الأردنيين في تأليف الأحزاب السياسية، ويتضمن عقبات تحول دون ممارسة هذا الحق على الوجه الصحيح، منها إخضاع تأسيس الحزب لموافقة وزير الداخلية، وهو ما اعتبره التقرير مخالفة صريحة لأحكام الاتفاقيات والمعايير الدولية التي انضم لها الأردن وصادق عليها. وكذلك «المبالغة في اشتراط عدد كبير من المؤسسين»، إذ إن اشتراط ذلك العدد سيؤدي إلى وجود أعضاء لا أثر لهم في رفد أنشطة الحزب أو إثراء الحياة السياسية، الأمر الذي يؤدي ببعض القوى السياسية غير القادرة على امتلاك مثل هذا العدد إلى الانكفاء أو اللجوء للعمل السري.

وتعرض التقرير للانتخابات البلدية والنيابية التي جرت في العام الماضي باقتضاب، كون المركز أصدر بخصوصهما تقريرين مستقلين في حينه، بحسب معلومات نشرها المركز عشية إصداره التقرير.

يُذكر أن هذا التقرير، يُعد الرابع ضمن سلسلة تقارير المركز السنوية، بعد التقارير التي تناولت أوضاع حقوق الإنسان خلال الأعوام: 2004، 2005، و2006.

تحسن أوضاع السجون، ارتفاع حالات التسمم الغذائي، وانخفاض أميّة الكبار.. تقرير “الوطني لحقوق الإنسان”:
 
27-Mar-2008
 
العدد 19