العدد 19 - كاتب / قارئ
 

ينطوي الموقف الطريف الذي تعرضت له إحدى الصديقات، قبل سنوات قليلة خلت، على مفارقة مثيرة للضحك أو الأسى أو كليهما معا. ففي رحلة بحثها عن فرصة وظيفية لدى إحدى المؤسسات الإعلامية الحكومية، صدف أن التقت المدير العام لتلك المؤسسة، ودار حديث، كان مؤداه أن المدير عبّر عن رأيه الشخصي في مسألة توظيف المرأة، حيث قال: إنه يفضل تعيين الذكور بدلا من الإناث . بحجة أن الرجل صاحب ولاية وتقع على عاتقه مسؤوليات كبيرة في الحياة كالزواج، وتكوين أسرة، … الخ . وفي ذات السنة ذاتها، أعلنت الأمم المتحدة بأن يتم تكريم المرأة في يومها العالمي في الثامن من آذار، تحت شعار « النساء يصنعن الخبر»، وذلك من خلال تسلّم المرأة في ذلك اليوم تحديدا مركز صنع القرار في المؤسسات الإعلامية لتعويّد المجتمعات على وجود المرأة في مثل هكذا مناصب كانت وما تزال حكرا على الرجال دون النساء . وفي ذلك اليوم تحديدا، تفاجأت صديقتي بخبر نشر في إحدى الصحف اليومية مفاده أن ذلك المدير ( ما غيره ) قد عيّن إحدى الإعلاميات لديه وليوم واحد، وهو الثامن من آذار، كرئيسة تحرير لقسم الأخبار، إيمانا منه بقدرة المرأة على تحمّل المسؤولية الإعلامية كما الرجل.

الموقف الكاريكاتيري أعلاه يعبّر بقوة عن التناقض الواضح بين الخطاب السياسي المعلن تجاه المرأة، والممارسة الفعلية الموجهة نحوها في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية .

اليوم، هناك خطاب سياسي تتبناه عدد من الدول العربية، ومن ضمنها الأردن، يدعو ويسعى إلى تمكين المرأة سياسيا، من خلال وصولها إلى قبة البرلمان والمجالس البلدية عبر ممر الكوتا النسائية وتقليدها عدداً من الحقائب الوزارية وتعيينها في الوظائف الحكومية العليا . البعض يرى أن ضرورات هذا الخطاب، لدى بعض الأنظمة السياسية العربية ومؤسسات المجتمع المدني، تمليه استحقاقات دولية مشروطة بمساعدات مالية مقدمة لتلك الدول، ولتلك المؤسسات.

لسنا بصدد مناقشة تداعيات هذا الخطاب السياسي الدولي في المنطقة . ولكننا بصدد مناقشة نتائج الخطاب الداخلي ، فيما يتعلق بالمرأة الأردنية، على أرض الواقع . فالكوتا النسائية في الأردن على صعيد الانتخابات البلدية التي جرت في العام (2007)، أوصلت امرأة لإحدى المجالس البلدية بالتزكية وحازت على صوت (صفر )، حيث لم تصوّت لنفسها ولم يصوّت حتى زوجها لها. بل التزمت بالتصويت لمرشح الإجماع العشائري . وعلى الضفة الأخرى، أفرزت الانتخابات البرلمانية في الدورة السابقة والدورة الحالية نساء، لم نلمس لغاية الآن دورا بارزا لهن في تشكيل حالة ما من الجلبة المطلبية أو حتى الإعلامية لمطالب الشريحة الواسعة من النساء الأردنيات. بل إن أداءهن لم يتجاوز أداء المجلس النيابي السياسي ككل والذي لا يرقى إلى المستوى المرجو منه شعبيا .

بناء على ما سلف، يبرز السؤال الآتي والذي يطرح نفسه بقوة هنا، وهو: هل الخطاب السياسي الأردني لتمكين المرأة سياسيا نجح في حلحلة الواقع الساكن المعيش لشريحة واسعة من النساء الأردنيات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟

الإجابة عن مثل سؤال كهذا بحاجة إلى دراسات ميدانية وندوات حوارية جادة قادرة على رسم صورة أولية للواقع البياني لمختلف الجوانب الحياتية التي تعيشها المرأة الأردنية. كما أن الإجابة ستحدد بالضرورة ملامح الاستراتيجية المستقبلية لمشروع النهوض بالمرأة. وبانتظار استراتيجية كهذه، هناك بعض الملاحظات الأولية التي ممكن أن ننطلق منها في مناقشة فعاليّة هذا الخطاب وجدواه على أرض الواقع. فعلى صعيد الواقع السياسي، فإن أداء النساء الأردنيات لا يرقى إلى مستوى الطموح . ويقتصر على دورهن الكبير في الاقتراع، والضعيف في الترشح، بما تضمنه الكوتا لهن، في الانتخابات البلدية والبرلمانية .. فبالرغم مما تمثله أصوات النساء من مخزون استراتيجي قوي في الانتخابات، إلاّ أنه ونتيجة لغياب الوعي السياسي لدى غالبيتهن يتم تسخير أصواتهن نحو مرشحي الإجماع العشائري. كما أن هذا الأداء الضعيف يمتد إلى مشاركة النساء في عضوية ورئاسة النقابات المهنية والأحزاب السياسية .

وعلى الصعيد الاقتصادي، هناك دراسة أعدتها دائرة الإحصاءات العامة بعنوان « نظرة جندرية لهيكلية فرص العمل المستحدثة للعام (2006) "منشورة في الصحافة اليومية بتاريخ 29 /11 /2007 تشير إلى أنه بالرغم من ارتفاع نسبة المتعلمات من 52 بالمئة من عام 1979 إلى 86,7 بالمئة عام 2006 وازدياد نسبة التحاق الفتيات في مراحل التعليم الأساسية والثانوية . إلاّ أن المرأة ما تزال تواجه العديد من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات. وما تزال مشاركتها الاقتصادية دون المستوى المطلوب حيث أنها لا تشكل أكثر من 11,9بالمئة في قوة العمل . إن الخطاب السياسي الذي مكّن بعض النساء الأردنيات من الوصول إلى مراكز سياسية وحكومية عليا ، كان فعله كالحجر الذي قذف به إلى بركة ماء راكدة . فأحدث جلبة سياسية وإعلامية لبعض الوقت، وبعد حين استقر الحجر في القاع وعادت المياه إلى سكونها . مقصد الكلام، إننا اليوم كنساء بحاجة، أكثر من أي وقت مضى، لخطاب يلامس بشكل جذري المشاكل التي تترنح شريحة واسعة من النساء تحت وطأتها .

وفاء زيناتي

المرأة بين الخطاب المعلن والواقع المعيش
 
27-Mar-2008
 
العدد 19