العدد 19 - اقليمي
 

وليد شنيكات

يبتعد وزراء الإعلام العرب عن تناول قضايا عربية ملحة، بل يعيش غالبيتهم في زمن «المذياع»، وسيلة مخاطبة الشارع منذ نصف قرن، مقابل فضاء رحب من الخيارات الإعلامية تساهم في تشكيل الرأي العام في العصر الرقمي.

في غمرة التحولات الإعلامية، لم يعد للوسائل الرسمية مجال للتنافس على جمهور اعتاد في السابق على تلقي الرواية الرسمية.

ازدحام الميكروفونات

تخصص الدول العربية عشرات الملايين سنوياً لإدامة النبض في 22 محطة تلفزيونية رسمية وعشرات الإذاعات التي تترنح بدون جماهير عبر العالم العربي.

في المقابل تزدهر فضائيات خاصة من فاس وحتى المنامة.

مصادر رسمية تقول ان ما بين 40 و60 مليون دينار (58 و84 مليون دولار) انفقت على الاستثمار في مجال الإعلام المرئي والمسموع في الأردن منذ عام 2003. الآن هنالك 21 محطة إذاعية و18 تلفزيونية فضائية وأرضية واحدة مرخصة رسميا في الأردن. في المقابل تبلغ موازنة قناة «العربية» السنوية 140مليون دولار، فيما تؤكد مصادر إعلامية أن مصاريف تأسيس «العربية» وصلت إلى 500 مليون دولار. أما «الجزيرة» القطرية فأنفقت حتى الآن ما يفوق المليار دولار.

قناة «الحرة» الأميركية كلفت، إلى جانب راديو «سوا»، حوالي 72 مليون دولار في عام 2004، و62 مليون دولار عام 2005، حسبما تضيف تلك المصادر.

خصص لموازنة الإذاعة والتلفزيون في الأردن موازنة لا تزيد، في أحسن الأحوال، على 10ملايين دينار، في حين خصص مبلغ عشرة ملايين دولار لإقامة فضائية فلسطينية تعنى بالشأن المحلي بأمل إزاحة عيون الفلسطينيين بعيداً عن شاشة الجزيرة وقنوات أخرى.

مدير مكتب الجزيرة في عمان ياسر أبو هلالة يقول: «حتى الآن لا يجرؤ الإعلام العربي على التعاطي مع القضايا المفصلية التي تهم الناس. فهو يغيّب مصطلح صراع عربي-إسرائيلي على الرغم من مساحة الكراهية الواسعة لهذا الكيان في أوساط المجتمعات العربية. كما «أننا لم نعد نسمع رائعة فيروز، أجراس العودة فلتقرع أو مرحى لمدرعاتنا على شاشة التلفزيون الأردني مثلا».

ويرى أيضا «أن الإعلام العربي انعكاس لمواقف الدول العربية إجمالا». إلى ذلك يتوقع أن يغيب الإعلام «السعودي والمصري، مثلا، عن التغطية المباشرة لقمة دمشق، وسيكتفي بالتغطية الإخبارية المقتضبة». فالاهتمام الإعلامي القُطري، برأي مسؤول الجزيرة، «يعكس حجم التمثيل في القمّة. والخلافات دائماً تطغى على السياسات الإعلامية. وهذا يجعل الاعلام الرسمي في تراجع مستمر، بعيداً عن جوهر القضايا العربية».

«تشظّي الإعلام الرسمي بفعل السياسات القائمة، لافتقاره إلى مقومات الرأي والرأي الآخر والشفافية في الطرح»، بحسب توصيف وزير الإعلام الأسبق إبراهيم عز الدين. ويرى عز الدين، المدير السابق للمجلس الأعلى للإعلام، أن «الحكومات العربية ستخسر إذا واصلت رفض فتح قنوات الحوار أمام الناس، ما يجعلها غير مقبوله على الإطلاق».

الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان يقول من جانبه إن «وضع الإعلام العربي الرسمي لا يختلف كثيراً عن واقع العمل العربي الرسمي، إذ إن الإعلام يفتقر للمصداقية لدى الشعوب تماماً كما هو العمل العربي».

ويرى الخيطان «أن الإعلام اليوم يواجه تحدي العولمة والإعلام الخاص من فضائيات وإنترنت في الوقت الذي يصرف عليه ملايين الدولارات، لكنه ما يزال يراوح مكانه». لكن الخيطان على قناعة بأن هذا النوع من الإعلام إلى «أفول» لافتاً إلى أن «تأثيره على الرأي العام ودوره في تحقيق التضامن العربي يتلاشى».

ويتساءل أستاذ الإعلام في جامعة البتراء تيسير أبو عرجة: «كيف للإعلام الرسمي أن يواجه تحديات تكاد تنال من كيان الأمّة، فيكتفي بوصف الحال وينقل جانباً من المأساة التي تفرزها التجزئة والمصالح القطرية».

ويطالب أبو عرجة «القمة العربية بإتاحة الفرصة لسماع الإعلام الجاد الحريص على وحدة الأمة وتجاوز آلامها».

القمة العربية المقبلة في دمشق تعتبر، بحسب وجهة نظر أبو هلالة، فرصة «للتكفير عن الخطيئة»، التي اقترفها وزراء الإعلام»، داعياً إلى «استبدال اجتماع وزراء الإعلام بآخر لرؤساء الجامعات العربية بهدف تطوير كليات الإعلام، وتخريج جيل قوي بالمعرفة بعيدا عن الإقصاء والتهميش».

«الارتقاء إلى مستوى مشاكل الناس»، مطلب أبو هلالة من الإعلام الرسمي العربي كبديل عن «حملات العلاقات العامة لمصلحة حكومات لا تصمد أمام عولمة لا ترحم».

تشريح القمم في زمن العولمة: “المايكروفون” الرسمي لم يعد سيّد الساحة
 
27-Mar-2008
 
العدد 19