العدد 19 - اقليمي
 

منصور المعلا

بين أذرع الجامعة العربية شبه المعطلة، ينفرد "مجلس وزراء الداخلية العرب" بديمومة انعقاد وآليات تنفيذ فعّالة، إذ لم تنقطع اجتماعاته السنوية منذ تأسيسه في قمّة عمان الاقتصادية عام 1980، حتى في ذروة حرب الخليج الأولى 1990-1991 والثانية قبل خمس سنوات.

بدأ المجلس لقاءاته بالتركيز على الأمن القطري والعربي المشترك، وتبادل المطلوبين والمحكومين. ثم أضيفت إلى جدول أعماله وسائل مكافحة الإرهاب في منتصف العقد الماضي. حسب سجلات الأمانة العامة للمجلس ، وتضيف تلك السجلات أن هذا البند يتصدر أجندة «الداخلية العرب» منذ شنّت الولايات المتحدة حربا على الإرهاب عقب الزلزال الجوي الذي ضرب نيويورك وواشنطن في 11 /9 /2001.

ثمّة مشاركة قياسية لوزراء الداخلية في الاجتماعات الدورية؛ إذ إن متوسط المشاركة يراوح حول 16 من بين 22 وزيرا مع غياب شبه دائم لدول غير محورية مثل: الصومال، جيبوتي، جزر القمر، بحسب المصدر السابق.

للمفارقة ، شهد اجتماع مشترك لوزراء الدفاع والخارجية العرب- قبل نشوء مجلس الداخلية- ذي الطابع الأمني - استشهاد رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل. رغم التهديدات باحتمال تعرضة للاغتيال، وحينما سُئل التل عشية سفره، فيما إذا كان مطمئناً في ضوء التحذيرات الأمنية الأردنية، أجاب الراحل: « مصر دولة بوليسية. لا يمكن أن تخل بأمن أراضيها أو تسمح بأي تجاوز على ضيوفها».

حضر التل الاجتماع الصباحي بصفته رئيساً للوزراء ووزير دفاع إلى جانب وزير الخارجية عبد الله صلاح الذي أصيب في عملية الاغتيال . لكنّه قتل بعد الظهر. الحسين بن طلال كلّف أحمد اللوزي بتشكيل حكومة جديدة، وتوجّه إلى القاهرة فوراً لمتابعة أعمال وزراء الدفاع والخارجية العرب.

تقاليد المجلس لا تقبل باستبدال وزير مُعتذر بنائب وزير أو «مسؤول رفيع» لرئاسة وفد بلاده، مثلما يحدث في المجالس الوزارية الأخرى، بل يُعوَّض بوزير في مرتبته.

وزير الداخلية السابق سمير حباشنة يرفض وصف مهام وزراء الداخلية العرب بأنها «قمعية»، ويجادل بأن «دوره يكمن في الحفاظ على الأمن الاجتماعي والاقتصادي العربي». ولا يؤيد حباشنة ما يعتبره رأياً سائداً تتداوله أوساط سياسية ونخب عربية في منتدياتها الفكرية عن دور سياسي للمجلس. ويردف: «في الحقيقة هذا البعد لا يمثل إلا جزءاً بسيطاً من عمل المجلس.»

كذلك لا يتفق حباشنة مع الرأي القائل إن «الأنظمة العربية تختلف في كل شيء باستثناء القضايا الأمنية»، معتبراً أن «دور المجلس ليس الأمن السياسي؛ اعتقالات أو تحقيق مع معارضين، وإنما الأمن باعتباره محط إجماع عربي وحماية له من المخدرات، الجريمة وغسيل الأموال.»

بخلاف سائر أجنحة الجامعة العربية، تنفرد العربية السعودية بدور بارز في مجلس وزراء الداخلية العرب، كونها الأكثر تمويلاً لأذرع الجامعة العربية قبل ارتحالها إلى تونس عام 1979 وبعد عودتها إلى دولة المقر مصر عام 1984، بحسب سجلات الجامعة العربية.

موازين القوى

كان المجلس يشكّل «مرآة لموازين القِـوى لدى تأسيسه في الثمانينيات، إذ أسندت قيادته للعراقي أكرم نشأت إبراهيم. لكن بعد الاجتياح العراقي للكويت، اختير السعودي أحمد بن محمد السالم «وكيل وزارة الداخلية السعودية حالياً» بدلاً منه.

كان العراق آنذاك في أوج ثقله العربي والدولي إبّان انشغاله بالحرب مع إيران (1980 - 1988)، بعد عامين من استضافة بغداد لقمة الصمود والتصدي التي شهدت خروج مصر من هيكلية الجامعة العربية لخمس سنوات امتدت من عام 1979 إلى 1984.

السالم أكمل أربع ولايات (12 عاماً)، قبل أن يخلفه السعودي محمد بن علي كومان، الذي اختير لدورة ثانية لثلاث سنوات، العام الماضي فيما يتولى الرئاسة الفخرية الأمير السعودي نايف بن عبد العزيز.

امين عام وزارة الداخلية في عام 1991 سلامة حماد يستذكر « أنه رغم الاحتقان السياسي في أعقاب الغزو العراقي للكويت الا انها لم تنعكس على أجواء وزراء الداخلية العرب».

ويشير حماد إلى أن مهام المجلس في حينه « تنحصر في مكافحة الجريمة ودور الأجهزة الأمنية دون الخوض في الأمور السياسية».

في خطٍّ مُوازٍ أنشأ المجلس أكاديمية للعلوم الأمنية في الرياض العام 1972 لتعطي دورات تدريبية "للضبّـاط وقادة الشرطة العرب". وسرعان ما حملت الأكاديمية اسم رئيس مجلس إدارتها وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز، فسميت "أكاديمية نايف للعلوم الأمنية". وفي العام 2004 تحولت إلى "جامعة نايف للعلوم الأمنية"، وأضحت أنشطتها وتمويلها بنداً ثابتاً في اجتماعات وزراء الداخلية العرب.

يحمل «المجلس» طابعاً مختلفاً عن سائر المجالس الوزارية العربية، لكونه يشكل مظلّـة لاجتماعات أمنية فرعية، على مدار السنة من بينها اجتماعات: قادة الشرطة والأمن العام، قادة أجهزة مكافحة المخدرات والإرهاب، رؤساء أجهزة المباحث الجنائية ومديري معاهد الشرطة وكُليّاتها ومراكِز تدريبها.

يناقش وزراء الداخلية العرب في اجتماعاتهم مشاريع اتفاقات وخُـطط عمل، لا يبتّ فيها إلا بعد عرِضها على الأمانة العامة للمجلس الوزاري الذي يُصادق عليها.

رغم توحد الهاجس الأمني، تشهد اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب تباعداً في الرؤى والمقاربات لا سيما بعد «غزوات» نيويورك وواشنطن الجوية عام 2001. فقبل ذلك التاريخ المفصلي، تبلور محور مصري – جزائري – تونسي ينتقد الدول التي تُقدّم دعماً مادياً للحركات الإسلامية أو تستقبل قادتها. تلك الدول اكتوت قبل غيرها بنار الحركات الإسلامية الأصولية التي عاثت فيها قتلاً وتدميراً.

في المُـقابل كان هناك اتجاه خليجي – سوري وإلى حد ما أردني، يُلجم أي دعوة لجرّ المجلس نحو إعلان الحرب على الحركات الأصولية، بحسب سجلات الأمانة العامة، فيما يبرر وزير داخلية أردني أسبق فضل عدم ذكر اسمه الموقف الاردني «أن الأردن في حينها لم يكتو بنار تلك الحركات».

إلا أنه يضيف "في أعقاب تفجيرات 9/11 في عدد من فنادق عمان في عام 2005 بدأ الأردن أكثر تشدداً في تعقب مثل هذه التيارات".

خلال عقد الثمانينيات، نشأ تحالف غير معلن بين دول عربية قريبة من الولايات المتحدة وحركات إسلامية أصولية قاتلت ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان بدعم أميركي وتمويل عربي.

لكن الوضع تغيّـر بعد ضرب بُـرجي مركز التجارة الدولية وتداعياته على العرب، فقد تعرّضت السعودية نفسها لضربات إرهابية. وبات موضوع مكافحة الإرهاب، وتحديدا شبكة «القاعدة» قطب الرّحى في عمل المجلس.

ابحث عن الإرهاب

بعد أن كانت مقاومة الجريمة المنظمة ومكافحة المخدرات العنوانين الرئيسيين للاتفاقات الأمنية العربية، وضع المجلس «استراتيجيه أمنية عربية» بين عامي 1995 و 2010، وذلك في ختام اجتماع في القاهرة، أقرت خلاله «الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب»، في محاولة لحصار تيار الإسلام الأصولي بعد عودة المجاهدين من أفغانستان، ونقلهم البندقية إلى الكتف الأخرى مما كبد دولاً عربية خسائر جسيمة وخصوصاً مصر.

وفي دورة عام 2007، أقر المجلس إدخال تعديل على «الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب»، اعتبر بموجبها التحريض على الجرائم الإرهابية أو «الإشادة بها ونشر محررات أو مطبوعات أو تسجيلات، أيا كان نوعها أو طابعها، أو إعدادها للتوزيع أو لاطلاع الآخرين عليها»، جرائم إرهابية.

كما أدخل الوزراء تعديلا آخر على الاتفاقية وُضع بموجبه في خانة الجرائم «جمع الأموال أيا كان نوعها لتمويل الجرائم الإرهابية».

من بين آليات التنسيق الأمني، ما كشف عنه عيد الفائز، وزير الداخلية الأردني في تصريحات أدلى بها لـ«سويس إنفو» على هامش الاجتماعات الأخيرة لوزراء الداخلية في تونس ، إذ أفاد أن البلدان العربية اتّفقت على تفعيل التعاون بينها «في إجراءات البحث والتقصّي والقبض على المُـشتبه بهم في قضايا إرهابية»، بما في ذلك إدخال تعديلات مستمرّة على «اللائحة السوداء» لمدبّـري عمليات إرهابية ومنفّـذيها. واعتبر الفايز أن الإرهاب «هو أخطر المشاكل التي يواجهها العالم، وليس العالم العربي فحسب».

في الإجمال، فتح المجلس مجالات جديدة للتعاون الأمني في دورة العام الماضي وتوسَـع في التعريفات. فصادق على مشاريع اتفاقيات جديدة تخُـص مكافحة تبييض الأموال، تجارة المخدّرات والأسلحة واستخدامهما في تمويل عمليات إرهابية، بالإضافة للحؤول، دون «حصول الجماعات الإرهابية على أي نوع من أنواع الأسلحة الكيميائية».

الأمن العربي، وعلى الرغم من التنسيق بين وزراء الداخلية يواجه جملة من التحديات المصيرية تتمثل في الحضور الأميركي عسكرياً بشكل احتلال مباشر في العراق ، والنفوذ الإيراني المتعاظم ودوره الفاعل على الأرض.

ويضاف الى لائحة التحديات رزوح عدد من الدول العربية تحت ضغط أوضاع اقتصادية صعبة يرافقها تراجع في الحريات العامة، ما يجد معه مفكرون عرب أن هذا التنسيق الأمني دليل على عدم جدية الأنظمة العربية في التصدي لقضايا الإصلاح أو التضامن في الجوانب الاقتصادية.

“الداخلية العرب”.. من مكافحة “الجريمة” إلى الحرب على “الإرهاب”
 
27-Mar-2008
 
العدد 19