العدد 19 - أردني | ||||||||||||||
منصور المعلا لم يجد الشاب الأردني جميل، 24 عاماً، سوى بيع كليته للخروج من مأزق مالي ألم به بعد تعطله عن العمل لسنوات. جميل، الذي باع كليته قبل خمس سنوات لقاء ثمن تبين فيما بعد أنه بخس، واحد من 100 شاب أردني أوقعهم فقرهم وعوزهم ضحايا لعمليات تحايل في سوق آخذة بالتوسع. ظاهرة انتشار «سماسرة الكلى» تدفع رئيس الجمعية الأردنية لأمراض الكلى محمد غنيمات، للتنبيه إلى خطورة أن «يصبح فقراء الأردن بكلية واحدة خلال السنوات العشرين المقبلة». بدأت قضية جميل، الذي لم يتلق أي تعليم بعد الثانوية العامة، حين أقنعه أحد سماسرة بيع الأعضاء البشرية ببيع كليته لسيدة في العقد الرابع من العمر، مقابل 3 آلاف دينار ووعد بالعمل في إحدى الدوائر الحكومية. السمسار وزوج السيدة، الذي قال جميل إنه شاعر وأديب أردني، أجريا فحوصات مطولة للاطمئنان على مدى تطابق كلية جميل مع جسم المريضة. وبعد عدة فحوصات تم التأكد من ذلك وحصل جميل على مبلغ 1500 دينار دفعة أولى. يقول جميل «سافرت إلى مصر. وحين وصلت إلى المستشفى شعرت بالندم وطلبت إعادتي إلى الأردن، إلا أنني فوجئت بأن جواز سفري وأوراقي الثبوتية كانت بحوزتهم، فأجريت العملية مرغماً، وبقيت أسبوعين داخل المستشفى إلى أن تماثلت للشفاء». «ثم حصلت على بقية المبلغ بعد أن خصم منه السمسار وزوج السيدة ثمن التذكرة إلى مصر ومصاريف الإقامة فيها»، بحسب ما يضيف صاحب الكلية المنزوعة. وحين طالبهما بتأمين عمل له في دائرة حكومية «كما وعداني، قالا إن علي ألا أضايقهما بمثل هذا الطلب لأنهما لم يتمكنا من إيجاد أي عمل لي». يقول جميل إنه حين شعر بالغبن بادر إلى رفع دعوى قضائية ضد السمسار، إذ إن قانون العقوبات الأردني وقانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان 1972 وتعديلاته، يحرم التبرع بالأعضاء التي تؤدي إلى هلاك الإنسان، ولكنه يستثني «التبرع بالأعضاء المكررة وهي الكلية والقرنية، وترقيع الجلد»، بحسب أستاذ القانون رفعت شحادة. ويبين شحادة أن القانون سمح بالتبرع بين الأقارب، في الحالات المستعصية، بشرط عدم الربحية. في العام 2007 صدر الحكم على جميل والسمسار بالسجن عاماً مع وقف التنفيذ، فنجا من السجن، ولكنه بقي بكلية واحدة. فشل كلوي رئيس الجمعية الأردنية لأمراض الكلى، محمد غنيمات، أوضح أن عدد حالات بيع الكلى في الأردن في العام 2006 بلغ 82 حالة. وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن العدد تجاوز 100 حالة في العام 2007. ويحذر غنيمات من أنه «خلال العشرين سنة المقبلة سيكون كل فقير في الأردن بكلية واحدة فقط،» عازياً ذلك لحالة الفقر التي تشهدها البلاد. بحسب قوله فإن حالات بيع الكلى، ازدادت بسبب ارتفاع عدد المصابين بمرض الفشل الكلوي «ارتفع العدد من 900 مريض في العام 1996 إلى 2600 في 2007.» علماً بأن تكلفة علاج المصابين بهذا المرض تصل إلى 38 مليون دينار، أي بواقع 15 ألف دينار للمريض الواحد تتحمل وزارة الصحة ما نسبته 80 بالمائة منها، وفق أرقام الوزارة. ويضيف: «هناك ما بين 60 و70 مريضاً يسافرون إلى الخارج سنوياً لشراء كلى وزراعتها في دول تسمح بذلك مثل: مصر، وباكستان»، مقدراً نسبة نجاح العمليات في الخارج بما يتراوح بين 40 و60 بالمائة، بتكلفة تتراوح بين 15 و20 ألف دينار سواء كانت ناجحة أم فاشلة. وتشير احصاءات وزارة الصحة إلى أن نحو 2200 عملية زراعة كلى ناجحة في المملكة قد تمت منذ العام 1972 وحتى اليوم، منها 1940 حالة تبرع بالكلى من قبل الأقارب و55 عملية نقل كلى من مرضى دخلوا حالات الموت الدماغي. الجمعية الأردنية لأمراض الكلى، تقدر عدد الشباب الذين يغرر بهم ويبيعون كلاهم في الخارج مقابل المال بنحو 40-50 شاباً سنوياً. وتشير احصاءات وزارة الصحة إلى أن النسبة الأكبر من بائعي الكلى هم من الشباب الذكور، ومن بين هؤلاء هنالك 55 بالمائة ممن تقل أعمارهم عن 31 سنة، ونحو 46.9 بالمائة منهم متزوجون، ونحو 60 بالمائة من بائعي الكلى أنهوا المرحلة الإعدادية من التعليم، وأن 43.2 بالمائة منهم ينتمون لأسر تعاني فقراً مدقعاً. حقائق وأرقام يقول غنيمات إن الاتجار بالأعضاء في العالم يعود إلى نهايات القرن الماضي. أما الأردن فلم يشهد مثل هذه الحالات إلا في السنوات الخمس الأخيرة. وهو يقدر الزيادة السنوية في عدد مرضى الفشل الكلوي بنحو 330 مريضاً. ويرى أن التبرع بالأعضاء يجب أن يكون من الأقارب بحسب القوانين والأنظمة، لوقف عمليات تجارة الأعضاء التي لا تجوز شرعاً، ولا تصح حتى من الناحية الأخلاقية الصحية، ويقترح حلا يقوم على «تشجيع التبرع من حالات الوفاة الناتجة عن حوادث السير» الذين تقدر مديرية الأمن العام عددهم بنحو 906 سنوياً. وأخيراً، فقد طالب غنيمات، الحكومة «بمنح ذوي المتبرع مكافأة مالية من أجل تشجيعهم على التبرع، ما يمكن الأردن في حال تنفيذ هذا المشروع من الحد من مرضى الفشل الكلوي إلى أدنى مستوى خلال عشر سنوات». |
|
|||||||||||||