العدد 18 - بورتريه | ||||||||||||||
محمود الريماوي
بين قلة نادرة من السياسيين والمسؤولين الأردنيين، لا يحمل اسم إبراهيم عز الدين لقب عائلة.ذلك أحد عناصر الجذب نحو شخصيته، في مجتمع يدعو أفراده بكل أشكال الإلحاح للتعريف باسم العائلة، وأحياناً قبل الإسم الأول. غير أن المتهمين يعرفون أن إبراهيم عز الدين من أصول حجازية. بينما قلّة تعرف أن جذوره الأبعد مصرية لعائلة العدوي التي تنسب لقبيلة بن عدي العربية. والده يوسف عز الدين، تلقى تعليمه في استانبول، ثم بيروت (الجامعة اليسوعية) وعاد ناظراً (وزيراً ) للصحة في الحجاز، ونسج قبل ذلك علاقات مع الهاشميين في العراق والأمير عبدالله (الملك المؤسس في ما بعد) ثم أكمل الأب تعليمه في فرنسا ليعود الى الحجاز حتى العام 1932 لينتقل بعدها الى لبنان ويتزوج من سيدة لبنانية. وهناك في بيروت بعد عامين ينجبان ابنهما إبراهيم، وتنتقل العائلة الى عمان ليتزوج الشاب إبراهيم لاحقاً بفتاة شركسية (نور جان بك). هذه النشأة والتكوين الثقافي الاجتماعي، تفسر المزاج العروبي للرجل. ولمن يبخسون مدلولات كلمة مزاج بما تحمل من ايحاءات وظلال، فإن رؤيته العربية تجد جذورها في تلك النشأة.وهو ما أفضى به للانضمام الى "حركة القوميين العرب" في عمان في الحادية والعشرين من عمره إثر تخرجه من دراسة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بيروت وكان الطالب الجامعي هناك مجرد صديق للحركة من رفاق الحركة في عمان آنذاك : علي منكو، وجورج حبش، ونزار جردانة، ونايف حواتمة. فيما عمل في الفنرة نفسها في إدارة الشؤون الخارجية في وزارة المواصلات ثم مسؤولاً عن "الجريدة الرسمية" في العام 1958 ثم رئيساً لقسم المطبوعات الأجنبية في وزارة الخارجية. انتماؤه الحزبي انعكس على حياته المهنية والشخصية. غادر الأردن في ذلك العام الذي كان يموج بالانفعالات السياسية، ويمم شطر بيروت لينخرط في سلك التعليم والنشر ويحافظ لعامين آخرين على انتمائه الحركي، قبل أن تتوقف حياته الحزبية بعدما أدرك كما يقول إن العمل الحزبي لا يناسب شخصيته المتحررة ذهنياً. يمكث في بيروت ثماني سنوات يدرس خلالها مساقات في دراسات عليا في الجامعة الأميركية ويقرر العودة الى عمان مطلع العام 1966 في أجواء عفو عن ناشطين حزبيين سابقين. يعود الى عمله في قسم الصحافة الخارجية في وزارة الإعلام ذلك العام، حتى يصبح بعد عامين رئيساً للدائرة الأجنبية في الوزارة. من يعرف أبو يوسف يدرك مدى تصالحه مع نفسه، ولدرجة التمتع بسلام داخلي واضح الأثر على إيقاع شخصيته. ينقل عنه عارفوه ترديده لعبارة أنه لا يعمل إلا بقناعاته. ويسهل عليه الخروج من أي موقع.ومن ذلك خروجه من وزارة صديقه المرحوم الشريف زيد بن شاكر في العام 1995 وكان وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء. والسبب ليس خلافات مع رئيس الحكومة بل لأن المجلس العالي التشريع أفتى بعدم تفويض رئيس الوزراء صلاحياته لوزير الدولة، فلما بدت الوزارة بغير صلاحيات، آثر أبو يوسف الخروج بغير ضجيج. لم يكن للأمر علاقة بالمعاهدة مع إسرائيل الموقعة قبل عام من ذلك التاريخ، وإن كان إبراهيم عز الدين، لم يقترب من ذلك الملف أبداً : ملف التفاوض وما بعده،على أي وجه من الوجوه وهو ما يحرص أبو يوسف على إيضاحه للمهتمين. مع الإعراب عن رضاه على الدور الذي أداه في تقنين التحول الديمقراطي بالتعاون مع رئاسة الوزراء والكتل النيابية، خلال حكومة الشريف زيد بن شاكر الثالثة. ما لا يتطرق اليه تواضعاً أنه كان في مقدم المطالبين بإلغاء وزارة الإعلام في الفترة نفسها وخلال توليه الوزارة في حكومة مضر بدران الرابعة. وهو ما تحقق لاحقاً رغم خدمته في هذه الوزارة العزيزة على قلبه، والتي ترتبط بمرحلة أساسية من شبابه وخدمته المبكرة في القطاع العام. مزاجه الهادىء وتواضعه الجم ينأى به عن الاستعراض والإعلاء من شأن الذات. غير أن آخرين بعضهم ممن يعرفونه، يأخذون عليه تفاديه اتخاذ مواقف معلنة أو حاسمة في "الظروف الصعبة".وهو ما ينفيه، مبيناً أن لكل مسؤول بل لكل شخص أسلوبه. يستطرد بأن هذا الانطباع لدى البعض ناجم عن انهماكه في مسعى تقريبي قام به الى جانب آخرين على مدى سنوات طويلة، بين الحكم والأحزاب والنقابات.تقريب لا بد منه ولا غنى عنه يراه بعضهم توفيقاً أو حتى تلفيقاً، رغم أنه على ما يقول ما كان ممكناً المضي في العملية الديمقراطية دون بناء عقد سياسي جديد (الميثاق الوطني) وإرساء علاقات جديدة قائمة على الثقة المتبادلة. في هذا الإطار ترى الحركة الإسلامية أكبر قوى المعارضة في إبراهيم عز الدين محاوراً صالحاً وموثوقاً يسعه التجسير بينها وين الحكومات، وقد لعب هو مثل هذا الدور في العام 1997،عن قناعة،مع تلويح الحركة بمقاطعة الانتخابات، لكن ربما دون الأخذ في الاعتبار بداية التباعد السياسي ذي الأبعاد الاستراتيجية بين الدولة والحركة الإسلامية بعد المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، وبعد التناغم المتزايد بين جماعة الإخوان ـ جبهة العمل من جهة، والمحور الإقليمي الإيراني السوري الناشىء في المنطقة من جهة ثانية. بهذا المنظور يرى البعض في عز الدين رجلاً إدارياً ممتازاً،وقائماً بعلاقات سياسية عامة بدرجة عالية من الكفاءة، بما يطغى في النتيجة على شخصية السياسي فيه الذي يلحظ ما هو خلف السطور.. ويستشعر التوجهات السياسية الفعلية،التي قد لا تعبر عنها بالضرورة ودائما المواقف والأدبيات المعلنة. لعل الطموح السياسي لم يكن في صلب تطلعات عز الدين،الذي عمل سفيراً في سويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لأكثر من عشر سنوات ابتداء من مطلع العام 1975. وكان عمل في وزارة الإعلام في مقتبل خدمته ثم بلغ محطته الأخيرة رئيساً لمجلس الإعلام وبينهما عمل في قطاع النشر في بيروت قبل أربعة عقود. بما يدلل على نوازعه الإعلامية (يأسف في هذا المجال على أن الأردن لم يشهد تسويق شخصية إعلامية ذات إشعاع عربي كمحمد حسنين هيكل وغسان تويني،وكان الراحل محمود الشريف مهيئا في رأيه لهذا الدور). لم يخل موقعه في المجلس الأعلى بعد ثلاث سنوات ونصف السنة نتيجة خلاف مع رئيس الحكومة السابق معروف البخيت، كما يقول عز الدين، بل لتباين في الرؤى حول دور المجلس، حيث كانت الحكومة تتجه لإضفاء صفات تنفيذية على المجلس، فيما رأى من جانبه ضرورة اكتفاء المجلس بدور المرجعية والمرشد. هكذا يشخص عز الدين الخلافات. عمله مديراً لمؤسسة شومان الثقافية منذ مطلع العام 1997 ولمدة تزيد عن خمسة أعوام (ما زال نائباً لرئيس مجلس إدارة المؤسسة) ينسجم مع انشغالاته الإعلامية الثقافية،ولم يكن بمثابة "نفي " عن العمل في القطاع العام كما يقول. لم يضع عزالدين، القومي المنفتح كتباً كحال غالبية المسؤولين الأردنيين، وبعضهم وهو منهم مؤهل لذلك. تشهد عليه سيرته المهنية الغنية وعلاقاته الواسعة أردنياً وعربياً وعالمياً. لكن كيف السبيل للأجيال الجديدة أن تتعرف على أفكاره ورؤاه معرفة وثيقة وموضوعية ؟. |
|
|||||||||||||