العدد 18 - أردني
 

حسين أبورمان

تتكرر حالات تعطل جلسات المجلس النيابي إما بسبب عدم اكتمال النصاب وتغيّب عدد كبير من الأعضاء أو نتيجة عدم تجهيز مشاريع قوانين قيد الدراسة لدى اللجان المختلفة.

قبل أسبوعين، غاب النصاب القانوني بفارق تسعة أعضاء إذ حضر الجلسة 65 نائباً فقط من بين 110، وبالتالي ألغيت الجلسة.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يخفق فيها مجلس النواب في عقد جلسة عامة. إذ كان أخفق قبل شهر في عقد جلسة له بسبب عدم وجود مشاريع قوانين جاهزة لبحثها في تلك الجلسة، بينما تقترب الدورة العادية من نهايتها في الثاني من الشهر المقبل.

يضم جدول أعمال مجلس الأمة أكثر من 60 تشريعاً بين قانون مؤقت ومشروع قانون ورثهم هذا المجلس عن سلفه.

من الواضح أن إخفاقات عقد الجلسات استرعى انتباه الملك عبد الله الثاني الذي انتقد مجلس النواب السابق في خطاب العرش في 2 كانون الأول/ديسمبر الماضي، بقوله "وكان مجلس النواب يعوق عمل الـحكومة بسبب التأخير في إنجاز القوانين والتشريعات الضرورية لتنفيذ خطط الحكومة ومشروعاتها".

ومن المعروف أن جلسة مجلس النواب لا تعتبر قانونية «إلا إذا حضرها ثلثا أعضاء المجلس وتستمر الجلسة قانونية ما دامت أغلبية أعضاء المجلس المطلقة (النصف + 1) حاضرة فيها»، بحسب اشتراط الدستور في المادة 84. وعلى الرغم من أن مجلس النواب يوثق أسماء من يتغيبون بعذر، فإن أسماء هؤلاء تسجل في محاضر الجلسات وعلى الموقع الإلكتروني للمجلس. أما الغائبون بدون عذر، فيكاد لا يدري بهم أحد. ومن بين هؤلاء نواب يحضرون في بداية الجلسات لكنهم يغادرون قبل انتهائها. بعضهم يستأذن، وبعضهم الآخر لا يستأذن.

يقول النائب المخضرم سعد هايل سرور: «واجب كل نائب أن يتابع أعمال الجلسات العامة.» ويضيف «النائب اختار بنفسه أن يخوض معركة لتمثيل دائرته الانتخابية تحت القبة، هذا الجمهور والوطن بعامة يستحقان أن يلتزم عضو مجلس النواب بالمواظبة على حضور جلسات المجلس».

على البعد نفسه، شددت عضو مجلس النواب فلك الجمعاني، التي اعتبرت أن «التزام النائب بحضور الجلسات العامة، يجب أن ينبثق من ذاته، ويكون تعبيراً عن حماسته لخوض الانتخابات والفوز بثقة ناخبيه».

الجمعاني التي تعود تحت القبة للمرة الثانية، لا ترى أن أعضاء مجلس النواب الحالي ينفردون بمستوى غياب أكثر من المجلس السابق. ولكنها بذهنيتها كطبيبة تحاول أن تشخص أسباب الغيابات التي تعزوها إلى نقص في «الدافعية»، وهي تعتقد أن العمل البرلماني لا يستقيم دون وجود الدافع الذاتي والتحدي لدى النائب.

حديث الجمعاني عن أوضاع المجلس، ينطوي على مرارة من «أجواء محبطة» لا تحفز على العمل، ومن مناخ يولد الانطباع بـ «محدودية القدرة على تغيير مجريات أمور مآلها واضح»، بدءاً بالتشريع وانتهاء بأمور أخرى. هذا الحديث نفسه، يكشف ضمناً عن أن المراهنات على دور الكتل النيابية في تفعيل العمل النيابي لم تكن في محلها. فلا الكتل تراقب أعضاءها، ولا هي وفرت أرضية لعمل مؤسسي أو أكثر تنطيماً. وينطبق الأمر بصفة خاصة على كتلة التيار الوطني، أو ما يمكن تسميته بـ «الأغلبية»، التي يعوزها أن تثبت فائدتها لعمل المجلس.

النائب سرور الذي يحتفظ بمقعده في مجلس النواب منذ المجلس المنتخب عام 1989، يرى أن الغياب «قد يحصل لأسباب عديدة، منها أن نواباً يكونون في زيارة إلى بعض الدول ولا يكون المراقب على علم بذلك، وبخاصة أن هذا المجلس يمتاز بكثرة الوفود». لكن المهندس سرور يتخذ موقفاً حاداً من نائب يغيب بدون عذر قائلاً «هذا أمر غير مقبول». ويشدد على أن «النائب يمارس بحكم وظيفته الرقابة على أداء الحكومة، والأولى أن يبدأ بالرقابة على سلوكه».

وإذا تكررت ظاهرة غياب بعض النواب، لا يرى سرور مانعاً من أن يقوم مجلس النواب بنشر أسماء من يغيب من أعضائه دون عذر. لكنه يعتقد، في الوقت نفسه، أن «الإعلام يستطيع أن يلعب هذا الدور بفعالية»، وذلك بإسهامه في تقديم معطيات دقيقة للرأي العام حول الأداء النيابي، يحسب لها النائب ألف حساب بعد أربع سنوات.

نظام عمل اللجان الدائمة في مجلس النواب ينص على أنه «يعتبر مستقيلاً حكماً عضو اللجنة الذي يتغيب عن حضور ثلاث جلسات دون عذر». لكن المجلس لا يتخذ أي تدابير إزاء غياب أعضائه عن الجلسات العامة. وبالتالي فمن الزاوية النظرية، يمكن للنائب أن يحلف اليمين بعد انتخابه ولا يعود إلى المجلس، دون أن يسائله أحد.

جدير بالذكر أن المواد الدستورية الناظمة لعمل مجلس النواب، تشتمل على المادة 90 التي تحدد شروط فصل النائب من عضوية المجلس بأغلبية الثلثين، لكن هذه المواد لا تذكر شيئاً عن الأسباب الموجبة للفصل. لذلك يستطيع مجلس النواب أن يعدّل نظامه الأساسي لينص مثلاً على أنه إذا تغيب أي عضو من أعضاء المجلس عن حضور الجلسات العامة ثلاث مرات بدون عذر خلال الدورة البرلمانية، يعرض أمره على المجلس لاتخاذ قرار بفصله.

وفي شتى الأحوال، فإن المجلس معني بمراقبة نفسه فيما يخص التزام أعضائه بحضور الجلسات العامة، سواء من خلال نشر أسماء الغائبين بدون عذر أو بالمعاقبة على الغياب المتكرر بدون عذر، وذلك إلى أن تصبح لدينا كتل حزبية، وانتخابات على أساس حزبي، عندها لكل حادث حديث.

الدستور الأردني كان عّدل في نيسان/أبريل 1954، أي بعد سنتين من صدوره، لإضافة فقرة تعتبر أن الجلسة تستمر قانونية بحضور أغلبية «النصف +1»، لأنه بغياب تلك الفقرة، كان يتعين على ثلثي أعضاء المجلس أن يستمروا في الحضور للحفاظ على نصاب الجلسة. هذا التعديل أجري حينما كان عدد أعضاء مجلس النواب 40 نائباً. بين أغلبية الثلثين وأغلبية النصف+1، وكان الفرق آنذاك 6 أعضاء فقط. أما وقد أصبح عدد أعضاء المجلس 110، فقد بات الفرق 18 نائباً.

ويمكن لجلسات المجلس أن تستمر قانونية برغم غياب 54 نائباً، أو حضور 56 عضواً مع أن العدد ينقص عن ذلك أحياناً في أثناء الجلسات.

تغيّب أعضاء “النيابي” يعوق إنجاز التشريعات
 
20-Mar-2008
 
العدد 18