العدد 18 - أردني | ||||||||||||||
سعد حتر كما كان متوقعا، اجتازت حكومة نادر الذهبي بنجاح استطلاع الـ 100 يوم بعد أن انتزعت «كرتا أبيض» من مجلس الأمة وأبحرت بسلاسة بعد تحييد مضادات الإعلام المتقدمة التي تنشط عادة في مواجهة الحكومات الجديدة. المفارقة، أن مركز الدراسات الإستراتيجية رفض الاستجابة لمناشدات وضغوط استهدفت ثنيه عن إجراء استطلاع هذا العام، امتدادا لعرف سنوي سنّه قبل 12 عاما. بخلاف حكومات سابقة انحدرت شعبيتها في «استطلاع الـ 100»، حافظ فريق الذهبي على مستويات قريبة من توقعات المستجيبين الأولية لدى تشكيله. المعدل العام جيد. لكن توزيع العلامات بين المساقات يستدعي البحث والتقصي. فشهادة أي حكومة تنقسم إلى محاور تقييم وبالتالي تتوزع نسب الإيجابيات والسلبيات بين بنودها. جاء «المعدل العام» إيجابيا. فبينما حصد الذهبي وفريقه علامات عالية في مسائل ذات أبعاد خارجية، سجلّ تراجعاً في قضايا محورية داخلية تقع في صلب أولويات المواطن المعيشية. فالحكومة قيّمت سلبيا في خمسة موضوعات رئيسة؛ ربط الرواتب بمعدلات التضخم، العمل على حماية ذوي الدخل المحدود والمتدني، تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وتوفير شواغر ومحاربة الفساد. هذه النتائج تعكس عدم رضا الرأي العام في الإجمال عن جهد الحكومة في معالجة قضايا تمس حياته اليومية. في موازاة ذلك، ظهر انقسام لدى المستجيبين مناصفة حيال ثلاث قضايا محلية؛ توسيع مظلة الـتأمين الصحي، معالجة أزمة المياه وتعزيز المشاركة السياسية. أما نجاحات الحكومة، في نظر عينة الاستطلاع، فكانت في مساندة الشعب الفلسطيني، دعم استقلال القضاء، تنفيذ مشاريع إسكانية وتطوير التعليم والتعليم العالي. إذن، باستثناء المشاريع الإسكانية، جاء تقييم الرأي العام إيجابيا في قضايا غير حياتية لا تتصدر جدول اهتمام المواطن على الصعيد المحلي. من هنا يغيب التناغم بين معدل التقييم بالإجمال ودرجات المحاور الأساسية. كذلك ثمة ضعف في العلاقة بين مؤشر الاستطلاع العام وجرعة تذمر الشارع من متوالية ارتفاع الأسعار. في المحاور الفرعية، يتجلى عدم رضا الرأي العام عن ارتفاع الأسعار؛ إذ أن 64 بالمئة من المستجيبين أكدوا أنهم لا يتفقون مع الحكومة في طريقة معالجة ارتفاع الأسعار. في السياق نفسه، يعتقد 62 بالمئة أن وسائل مكافحة الفقر لم تكن ناجحة فيما كان ل 61 بالمئة المقاربة السلبية نفسها من طرق الحد من البطالة. الغائب - الحاضر في الاستطلاع كان السؤال المفتوح عن أهم مشكلة تواجه الأردن. جاء جواب نصف المستطلعة آراؤهم: ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ثم البطالة فالفقر. مع ذلك، لم ينعكس رأي المواطنين في هذه القضايا على المؤشر الكلي. هنا يثور تساؤل حول آلية انتقاء الأسئلة في استطلاعات الرأي؟ وهل يجب أن تتمحور حول قضايا محلية لها تماس مباشر بحياة المواطن؟ درجت العادة، على ما يبدو، أن تبنى أسئلة الاستطلاعات على النقاط الواردة في كتاب التكليف. هذا الواقع يفتح الباب أمام الاجتهاد والتحليل. هل المئة يوم كافية لتقييم أداء أي حكومة، وما مدى نجاعة الاستطلاعات؟ استطلاع «الـ 100» ليس اختراعا أردنيا، بل نقل بتصرف عن ديمقراطيات غربية ذات حكومات منتخبة. وهو يفترض أن يقيس نبض الشارع لجهة رضا الناخب أو المواطن فيما إذا كانت الحكومة قادرة على قراءة خريطة الطريق ورصد المشاكل الأساسية في أي بلد. العمر الافتراضي لحكومات الأردن، المعينة، لا يتجاوز تسعة أشهر. قد لا يكون معيار «الـ 100 يوم» كافيا لقياس قدرة الحكومة على حل مشاكل مستعصية-مزمنة مثل البطالة والفقر. لكنها كافية لرصد انطباع الشارع فيما إذا كانت تتقدم في الاتجاه الصحيح. فضلا عن البنود الخارجية، يبدو أن مجموعة عوامل أثّرت في تغليب البعد الإيجابي للحكومة. فهي لم تخض مواجهات جانبية أو تقع في غمرة توترات سياسية واستقطابات مع أي من أطراف اللعبة السياسية مثل السلطة التشريعية، الصحافة، الأحزاب أو النقابات. بل أن المواجهات السابقة مع الحركة الإسلامية اتجهت للانفراج، وصدرت موافقات سريعة لمسيرات احتجاجية على خلفية الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية لقطاع غزّة. وصل ذوبان الجليد إلى حد السماح بتنظيم تأبين للراحل يوسف العظم،الناشط الإسلامي والوزير الأسبق، بعد أن منعته الحكومة السابقة. تلك اللفتات الاستباقية ساهمت في تطويق أي انطباعات سلبية حيال الحكومة في وقت كانت الأسعار تغلي على النار، فمر الاستطلاع بسلام. في موازاة ذلك، قايضت الحكومة رفع الأسعار بزيادة الرواتب، في سابقة، لكن على حساب عجز الموازنة والتضخم. سبقت ورافقت رفع الأسعار أيضا حملة علاقات عامة أقنعت المواطن دون مواربة بأن هذا «الكي» هو آخر العلاج في ضوء جنون برميل النفط والأسعار العالمية. واستفادت أيضا من تمهيد سابق لهذا الأجراء غير الشعبي، إذ وضع ملف الأسعار على نار هادئة في حكومة معروف البخيت، وتفاقم الجدال آنذاك لدرجة استقالة وزير المالية السابق زياد فريز في منتصف العام الماضي. لذلك كانت تجربة المكاشفة «الغلاسنوست» في المخططات والإجراءات الحكومية مفيدة، رغم أن الأهداف النهائية جدلية وتثير حنق الشارع. لكن من المفيد أيضا الإدراك أن ثبات التقييم في استطلاع ال «100 يوم» لا يعكس بالضرورة رضى أو قبول العينة للسياسات الاقتصادية. في الاستطلاع، يجيب 54 بالمئة بأن أحوالهم الاقتصادية ساءت مقارنة بثلاث سنوات مضت. السيناريو المستقبلي ليس مبشرا. فغالبية المواطنين يرون في ثالوث الأسعار، البطالة والفقر معايير أساسية لإداء الحكومة. لذلك تبقى احتمالات تراجع التقييم قائمة إذا شعر المواطن بعدم جدّية الحكومة في معالجة تلك القضايا الأساسية. المفارقة في اختلاف قراءة الاستطلاع. ثمّة كتاب اجتزأوا رقما أو رقمين بعيدا عن التحليل المعمق وصولا إلى إظهار مدى خطورة المرحلة المقبلة للحكومة ومؤسسات الدولة. |
|
|||||||||||||