العدد 18 - كتاب
 

تحرص معظم التشريعات المدنية والتجارية في دول رأسمالية متقدمة وأخرى نامية على توفير الكثير من التسهيلات للمواطن لتملك عقار، لما لذلك من حساسية وخصوصية. وقد كانت هذه التشريعات تنص بصراحة على توفير «حماية قانونية» لحق مستأجر العقار السكني والتجاري في الاستمرار في إشغال «المأجور»، وعدم إخضاعه لمقولة «العقد شريعة المتعاقدين»، وذلك حفاظاً على الاستقرار الاجتماعي.

في الأردن، تأكدت الحماية القانونية لحق مستأجر العقد السكني في استمرار إشغاله بغض النظر عن أي شرط بخلاف ذلك المنصوص عليه في عقد الإيجار، أو انتهاء مدته بنص صريح في قانون المالكين والمستأجرين رقم (62) لسنة 1953، والذي استمر العمل بموجب أحكامه مدة طويلة، مع إقرار تعديل محدود أجاز زيادة قيمة الإيجار بنسب توازن ما حدث ويحدث من تضخم عام (غلاء) في الأسعار.

في أوائل التسعينات، ومع حدوث تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية واسعة، وبعد مناقشات وحوارات موسعة داخل البرلمان أقر قانون جديد للمالكين والمستأجرين هو القانون رقم (11) لسنة 1994، ليحل محل القانون رقم (62) والذي كان من أبرز ملامحه ومرتكزاته المحافظة على حق «الحماية القانونية» في استمرار المستأجر في إشغال المأجور، إذ نص في الفقرة (أ) من المادة (5) منه على أن «للمستأجر أن يستمر في إشغال المأجور بعد انتهاء مدة الإجارة العقدية بالرغم من كل اتفاق مخالف».

وفي المقابل، تضمن القانون الجديد أكثر من ميزة للمالك، ومنها توسيع الفقرة (ج) من المادة (5) في بيان الحالات التي تجيز له طلب إخلاء المأجور لتصل إلى 10 أسباب ومبررات. كما نصت المادة (9) منه على شروط الإباحة للمالك بهدم المأجور لإعادة بنائه، وحددت المادة (14) معدلات وشروط زيادة «بدلات الإجارة» بتفصيلات أدرجت في فقراتها.

ولكن التوازن السابق النسبي، اختل واهتز إلى درجة كبيرة عندما جرى، وبعد مناقشات ضيقة، إصدار القانون المعدل رقم (30) لسنة 2000 الذي شطب بجرة قلم «حق الحماية القانونية للمستأجر في استمرارية إشغال المأجور»، استناداً إلى مزاعم الارتكاز إلى تشجيع الاستثمار في العقار، وإعمالاً لمقولة «العقد شريعة المتعاقدين»، وذلك من خلال التعديل الآتي على نص الفقرة أ من المادة (5) من القانون:

"على الرغم من أي اتفاق مخالف، يحق للمستأجر الاستمرار في إشغال المأجور بعد انتهاء مدة إجارته العقدية وفقاً لأحكام العقد وشروطه، وذلك فيما يتعلق بعقود الإيجار السارية المفعول قبل نفاذ التعديل، على أن تنتهي هذه العقود كلياً في 31 / 12 / 2010."

ونصت الفقرة ب من المادة نفسها على أن "عقود الإيجار التي تعقد بعد نفاذ هذا القانون في (2000) تحكمها شروط العقد المتفق عليه سواء كان العقار للسكن أو لغيره وينقضي عقد الإيجار بانتهاء المدة المتفق عليها."

ومع اقتراب موعد 31 / 12 / 2010 الخطر في مضمونه ونتائجه الاقتصادية، والاجتماعية، فإن تصويب ما جرى من اختلال في التوازن في هذا القانون، وفي فقرته الخامسة تحديدا، يتطلب بالتأكيد، تسريع إجراء تعديل جديد في القانون يعيد نص المادة (5) في فقرتيها (أ)، و(ب) إلى ما كان عليه في القانون الأصلي رقم (11) لسنة 1994، وتقييد أو تشديد حالات وشروط حق هدم العقار وإخلائه لإعادة بنائه، وبخاصة بالنسبة للأبنية التراثية، وإلغاء الفقرة (هـ) من المادة (3) التي استثنت «البيوت والطوابق والشقق التي تؤجر مفروشة» من انطباق القانون عليها نظراً لشذوذ وسلبيات هذا الاستثناء.

تصويب قانون المالكين والمستأجرين، يجب أن يتضمن حقاً للمالك في زيادة قيمة «الإجارة» سنوياً، وذلك بربط هذه الزيادة بمعدلات التضخم المعلنة من قبل دائرة الإحصاءات العامة والتي يرافقها ضمان تطبيق هذه المعادلة أيضاً على رواتب وأجور العاملين بمختلف شرائحهم في القطاعين العام والخاص، وهذا التعديل يمكن أن يكون بديلاً لنص المادة (17) التي أعطت لمجلس الوزراء صلاحية النظر في زيادة أو تخفيض بدلات الإجارة مرة أو أكثر كل خمس سنوات.

احمد النمري: إعادة التوازن إلى قانون المالكين والمستأجرين
 
20-Mar-2008
 
العدد 18