العدد 3 - أردني
 

شكل موضوع الطاقة النووية أحد أهم محاور النقاش في الأردن خلال الأشهر الماضية، وبخاصة بسبب إعلان الملك عبد الله الثاني عن توجه الأردن نحو تطوير الطاقة النووية واستخدامها، لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر كاستخدامات سلمية أساسية. هذا الإعلان تبعته لقاءات تنسيقية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ورئيسها محمد البرادعي، الذي زار عمان وأعطى الأردن الضوء الأخضر لمتابعة الموضوع فنياً ومالياً. الملك اهتم شخصياً، وبتنسيق مع مجموعة من المستشارين الفنيين بإدراج موضوع الطاقة النووية على جدول اجتماعاته في فرنسا وكندا وكازاخستان، وكذلك من خلال توقيع اتفاقية تعاون مع الولايات المتحدة.

ونظراً للاهتمام الملكي الشخصي، فقد تم النأي بموضوع الطاقة النووية من التساؤلات المتعلقة بجدوى هذا المشروع وتأثيراته السلبية المتوقعة، وساهمت وسائل الإعلام المحلية في الترويج للمشروع وعدم التعاطي مع الجوانب السلبية باستثناء بعض المقالات المعزولة، بينما نشرت مجلتا JO وجوردان بيزنس الصادرتان باللغة الإنجليزية، مقالات تحليلية تتضمن تخوفاً من الكلف الرأسمالية العالية ومخاطر إدارة المفاعل النووي وصيانته والمخلفات الناجمة عنه. وقد نشرت المجلتان الكثير من المعلومات الحديثة حول توجه معظم دول العالم إلى إنهاء عمل المحطات النووية، باستثناء فرنسا والولايات المتحدة مع التركيز على الكلفة العالية جدا لتفكيك المحطات بعد نهاية عمرها الافتراضي، وهي تكلفة قد تصل إلى قيمة إنشاء المحطة.

وكان من اللافت للاهتمام أن موضوع الطاقة النووية شكل نقطة إلتقاء نادرة بين الحكومة والمعارضة، حيث أبدت المعارضة السياسية، وبخاصة حزب جبهة العمل الإسلامي الدعم، لحصول الأردن على تكنولوجيا الطاقة النووية وحيازة العلم الحديث.

توجه الدولة المدفوع بمجموعة مستشارين وخبراء بالطاقة النووية نحو توطين هذه الطاقة في الأردن يبدو سائراً دون اعتراض، ولكن هذه التوجهات تشكل مصدراً لقلق مشروع يتعلق بحقيقة الحاجة إلى إخضاع السياسات النووية لرقابة ومراجعة، وحتى إعادة النظر في الخيارات المتخذة في حال كانت مكلفة وغير مجدية اقتصادياً ومؤثرة على البيئة والصحة العامة، وكذلك أهمية عدم تحويل خيار فني يحتمل وجهات نظر عديدة إلى خيار وحيد مطلق الصلاحيات، ولا سيما أن الأردن يبقى قادراً على استثمار مصادر أخرى للطاقة النظيفة والمستدامة مثل الطاقة الشمسية، وتطوير أنظمة تشريعية لترشيد استخدام الطاقة، وهي قد تكون مجدية أكثر من الطاقة النووية.

تطوير أي برنامج للطاقة النووية يحتاج إلى موارد مالية وفنية ذاتية، وبيئة قانونية ومالية دولية تساعد على ذلك. مشكلة الأردن هي في الموارد المالية الذاتية، وإذا ما تم تخطي هذه المشكلة تبقى العوائق الفنية قابلة للتجاوز. إذ من الصعب أن يتمكن الأردن من تخصيص موارد مالية للطاقة النووية وهو الذي يعاني من ميزانية ذات عجز كبير وحاجة ماسة إلى دعم برامج مكافحة الفقر والبطالة. إن كلفة إنشاء محطة للطاقة النووية هي 1500 دولار لكل كيلو واط، وهكذا فإن كلفة إنشاء محطة بقدرة ألف ميغا واط هي 1.5 بليون دولار، وهو مبلغ ضخم.

من المعروف أن الطاقة النووية أرخص من بقية أنواع الوقود في إنتاج الكهرباء، وبخاصة في حال تقليص الكلفة الرأسمالية لبناء المحطة والحصول على الوقود. ولكن مشكلة الطاقة النووية الأساسية هي الحاجة إلى نظام صيانة عالي المستوى، بحيث يتم استخدام أفضل التكنولوجيا المتوافرة في الصيانة واستخدام أفضل الخبراء للعمل في المحطة، وليس بالطبع الأشخاص الذين يتم توظيفهم بناء على أسلوب الواسطة الدارج في الأردن! .

محطات الطاقة النووية إما أن تكون مصدراً أساسياً للتنمية والطاقة النظيفة المعتمدة عليها، أو أن تتسبب في كارثة، والحد الفاصل هو في كفاءة القائمين على إدارتها. إذا ما قررنا بناء محطة طاقة نووية في الأردن، فإن مصلحة 5 ملايين مواطن تقتضي وجود قاعدة في تعيين الأفضل والأكفأ في هذ المحطة، للتعامل مع الصيانة والإدارة وليس الواسطة التي يمكن أن تتسبب في تعيين أشخاص غير أكفاء، وبالتالي حدوث كارثة لا سمح الله في تسرب إشعاع نووي أو حتى انفجار.

المخلفات المشعة

مصدر الخطر الثاني هو في المخلفات المشعة والخطورة الناجمة عن المحطة النووية. إذ لا يمكن إنشاء أو تشغيل محطة نووية بدون بناء نظام إدارة ممتاز للمخلفات المشعة والخطرة يؤدي إلى التخلص من هذه المخلفات بطريقة آمنة بيئياً وصحياً. هذا يتطلب تحسين البنية التحتية في مكب سواقة للنفايات الخطرة ليصبح جاهزاً لاستقبال المخلفات النووية، وهو ليس جاهزاً الآن، كما أن خدمة نقل النفايات الخطرة المولدة ذاتياً في الأردن قد يتم "خصخصتها" في السنوات المقبلة، وهذا ما يترك بعض القلق من كيفية تنظيم هذه الخدمة من قبل الدولة والأجهزة الرسمية.

ولكن الحل الأفضل الذي يمكن أن يكون مسانداً للطاقة النووية أو حتى بديلاً عنها هو الطاقة المتجددة، ولا سيما الطاقة الشمسية. وفي واقع الأمر يتميز الأردن بسطوع ممتاز للشمس لمدة طويلة في السنة، وبخبرة متميزة في مجالات تطوير الطاقة المتجددة من خلال مركز الملك عبد الله للتصميم والتطوير، والمركز الوطني لبحوث الطاقة في الجمعية العلمية الملكية، وهناك العديد من الخبرات الوطنية التي يمكن أن تساهم في مجالات دعم الطاقة المتجدة، ولكن كل هذا الأمر يحتاج إلى تشريعات متطورة تخرج من أسر الذهنية التقليدية في التشريع العقابي والرقابي إلى تشريع الحوافز.

هذا يتطلب تشريعات خاصة لتغيير كودات البناء لإدخال الأنظمة التي تساهم في ترشيد استهلاك الطاقة، مثل العزل الحراري أو تركيب شبكات كهربائية تتميز بأنها تتوقف فور خروج الشخص من الغرفة وغيرها من الإجراءات المعروفة دولياً.

بالإضافة إلى التشريعات ونظام الكودات، من الضروري وضع إعفاءات ضريبية على كل أجهزة وأدوات توفير استهلاك الطاقة من أجل بناء سوق متماسك لهذه الأجهزة يساهم في جعل المستهلك والمقاول قادرين على استخدام هذه الأجهزة بكلفة معقولة، وربما بالكلفة نفسها للأجهزة التقليدية. وقد أثبتت التجارب أن أجهزة ترشيد استهلاك الطاقة يمكن أن توفر ما قيمته 30 % من فاتورة الكهرباء كحد أدنى، وكذلك الاستخدام الكفء للطاقة، لأن مصابيح الإنارة التي توفر الطاقة تستخدم أقل من 60 ٪ من كمية الطاقة اللازمة لإحداث القدر نفسه من الإنارة.

وسائل أخرى

هناك وسائل أخرى يمكن استخدامها مثل تركيب الخزانات الشمسية لإنتاج الطاقة والحرارة والكهرباء، وهي متطورة وفعالة جدا في الأردن، ولكنها تحتاج إلى حوافز ضريبية لجعل أسعارها في متناول الغالبية العظمى من المستهلكين، وهذه الألواح الشمسية قادرة على تأمين احتياجات المياه الساخنة في كل أشهر الصيف إضافة إلى نصف اشهر الشتاء والخريف.

في الكثير من الدول تم تطوير تشريعات وإجراءات لجعل المباني والعقارات أكثر توفيراً للطاقة، وفي دولة الإمارات العربية الغنية بالنفط تجارب ونجاحات هامة يمكن الإقتداء بها، حيث تم تشكيل مجلس وطني للأبنية الموائمة للبيئة، يركز على تطوير تشريعات وإجراءات خاصة لتوفير الطاقة، وهناك شركات تقدم المشورة الفنية، حول كيفية تركيب مثل هذه الأجهزة وتشغيلها. وإذا كانت الإمارات تتعامل بجدية مع هذا الموضوع، فمن المهم للأردن أن يطور الكثير من التشريعات والأنظمة والخبرات الفنية، لدمج تقنيات وإجراءات توفير الطاقة في الاستثمارات العقارية الكبرى، لأن ذلك يعتبر مسألة حياة أو موت في ظل النقص الشديد للموارد في هذا البلد.

أمام وزارة الأشغال العامة وأمانة عمان ونقابة المقاولين ونقابة المهندسين ووزارة الصناعة والتجارة ووزارة الطاقة ووزارة البيئة، فرصة نادرة لإحداث اختراق حقيقي في نوعية البناء ومزاياه في الأردن لتحقيق النقلة النوعية المطلوبة في مجال الطاقة، والتجارب الدولية كثيرة وناجحة، ولا تحتاج إلا إلى إرادة سياسية وسعة أفق لدى صانع القرار الاقتصادي لإعفاء المنتجات الموفرة للطاقة من الضريبة، وعندها سوف يزدهر هذا السوق، ويساهم في إيجاد الحلول المناسبة للدمج ما بين النمو الاقتصادي الاستثماري والحاجة إلى حماية الموارد النادرة واستخدامها بطريقة تضمن استدامتها.

الخيار النووي ممكن للأردن، ولكنه ليس حتمياً، ومن المصلحة العامة أن يكون متاحاً للجميع مناقشته، ولا سيما الخبراء في مجالات الطاقة والمهتمين بحماية البيئة، لأن إخضاع السياسات العامة إلى الحوار الوطني هو عامل قوة وثقة، وإسهام في تطوير الخيارات نحو ما هو أسلم وطنياً بدلا من الندم في المستقبل.

الطاقة الشمسية بديل أفضل لكن استخدامها بحاجة لحوافز ضريبية الأردن: خيار الطاقة النووية يستحق أن يخضع للنقاش – السجل خاص
 
22-Nov-2007
 
العدد 3