العدد 18 - اقليمي
 

محجوب الزويري *

انتهت الدورة الأولى من الانتخابات البرلمانية الإيرانية لمجلس الشورى الإسلامي الثامن. وكانت النتيجة فوزا كبيرا للمحافظين بشقيهم التقليدي والمعتدل، والذين تمكنوا من السيطرة على نحو 170 مقعدا من أصل 290 في حين حصل الإصلاحيون، الذين نافسوا أساسا على 100 مقعد فقط في الجولة الأولى، على نحو 44 مقعدا، آملين في أن يحصل مرشحوهم في الجولة الثانية على نحو 20 مقعدا. نتائج هذه الانتخابات تتضمن خمس رسائل سياسية مهمة :

الأولى: أن التغير الذي حصل في الانتخابات البرلمانية للمجلس السابع عام2004 والانتخابات الرئاسية للانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2005 يشير إلى تشكل طبقة اجتماعية سياسية تجمع خليطا من سكان المدن الصغيرة والأرياف والمؤسسة العسكرية، وأن الفوز في الانتخابات الحالية ما هو إلا تأكيد إضافي للحضور السياسي لهذه الطبقة الاجتماعية الناشئة التي تؤمن بسيطرة الدولة على الاقتصاد والسياسة، ولا ترى في فكرة الإصلاح السياسي إلا محاولة لتغيير طبيعة النظام في إيران من دولة ثورية دينية إلى دولة اقرب إلى العلمانية. هذه الطبقة الاجتماعية لا تعدم وجود تناقضات داخلية بين أعضائها، لكن هذه التناقضات المتعلقة بطريقة الحكم وتنفيذ السياسات مرشحة للبقاء وربما الانتقال إلى مرحلة الاختلاف الجدي.

ثانيا: هناك قوى وشخصيات ضمن التيار المحافظ، مثل علي لاريجانى، محمد باقر قاليباف، ومحسن رضائي، من شأنها أن تخلق أزمة سياسية كبيرة للرئيس أحمدي نجاد وحكومته خلال الشهور الثماني عشرة المتبقية من عمرها، فهؤلاء يعارضون سياسات الرئيس الاقتصادية، وربما يحملونه مسؤولية إقرار العقوبات الدولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1803. وسوف يزداد الوضع تعقيد إذا ما ترشح علي لاريجاني لرئاسة المجلس، ما سيضعه وجها لوجه مع الرئيس أحمدي نجاد الذي دفع لاريجاني للاستقالة من منصبه كبيرا للمفاوضين في الملف النووي الإيراني أواخر العام المنصرم.

ثالثا: بعد نحو أربع جولات انتخابية هي: الانتخابات البلدية 2003، والانتخابات البرلمانية 2004، والانتخابات الرئاسية 2005 والانتخابات المحلية2006، والطريقة التي تعامل فيها "مجلس صيانة الدستور" مع مرشحي التيار الإصلاحي في عدم تأييد صلاحياتهم، بات في حكم المؤكد أن نظرية ذلك التيار التي تقول إن الإصلاح يتم من خلال صناديق الاقتراع والانتخابات قد أثبتت فشلها، وألا أمل لهم بالعودة بالقوة التي كانوا عليها 1997 - 2005 على الأقل خلال العقد المقبل. ما يزيد من صحة هذا الاعتقاد هو النفوذ العسكري الثوري في النخبة المحافظة الجديدة والتي كانت على الدوام ضد مقولات الإصلاحيين، بل ومشككة في مدى إسلاميتها وولائها لمبادئ الثورة الإيرانية. وقد عزز من النظرة العدائية للتيار الإصلاحي اعتراض نحو 160 نائباً من المجلس السادس وتحصنهم أمام مجلس الشورى 2004 احتجاجا على عدم تأييد صلاحيات كثير من المرشحين الإصلاحيين للمشاركة في انتخابات المجلس السابع.

رابعا: هناك تعاظم لقوة قائد الثورة الإيرانية المرشد آية الله علي خامنئي الذي أبقي نفسه بعيدا في الفترة الماضية (قبل 2005) من أن يحسب على تيار معين. لكن هذه الانتخابات شهدت حضور شخصيات جديدة ومؤثرة قريبة من خامنئي مثل علي لاريجاني، ومحسن رضائي. وهناك أسماء أخرى هي ضمن دائرة نفوذ خامنئي، ما جعله أكثر سيطرة على البرلمان وكذلك على الحكومة التي لم تكن بعيدة عن تأثيره المباشر طوال السنوات القليلة الماضية.

خامسا: لا يبدو أن تغييرات جوهرية سترى النور بما يتعلق بالسياسة الخارجية لإيران، وخاصة بالنظر إلى المنافع التي جنتها في كل من العراق وأفغانستان، وكذلك الحضور الإقليمي لها فيما يتعلق بالوضع في لبنان وفلسطين. هناك احتمال لأن يضغط المجلس الجديد على الحكومة لالتزام الاستراتيجية التي اقترحها مجمع تشخيص مصلحة النظام حول إيران خلال 20 سنة المقبلة، ولا سيما في المجال الاقتصادي من حيث تشجيع الاستثمارات الأجنبية والخصخصة. إلى ذلك، فقد يدفع المجلس الحكومة للمضي بالتفاوض مع الأوروبيين حول البرنامج النووي باعتبار أن هذه المفاوضات تشكل النافذة الأهم فيما يتعلق بالبحث عن حل سلمي لهذا الملف.

باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية

رسائل سياسية أطلقتها الانتخابات الإيرانية: تعاظم نفوذ المرشد وتعدد مراكز المحافظين
 
20-Mar-2008
 
العدد 18