العدد 18 - دولي
 

معركة انتخابية استثنائية بكل المقاييس تلك التي تجري في الولايات المتحدة بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري في السباق نحو البيت الأبيض.

في الماضي، كان عنصر الإثارة يأتي من خلال التنافس بين الحزبين العريقين، أما السباق الراهن فإنه يستمد إثارته من خلال التنافس بين المرشحين الديمقراطيين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، فيما أمن المرشح الجمهوري جون ماكين ترشيح الحزب له ليخوض السباق إلى البيت الأبيض في مواجهة الفائز من المرشحين الديمقراطيين.

ويأخذ السباق المحموم في الترشح للرئاسة طابعه الاستثنائي من خلال حقيقة مباشرة هي أن السباق يتم بين "أوّلين" يسعيان نحو البيت الأبيض، فإن فاز أوباما في الترشيح فإنه سيكون أول اميركي من اصول افريقية يدخل البيت الأبيض، وإن فازت هيلاري كلينتون فإنها ستكون أول امرأة تحتل مقعد الرئاسة في الدولة الأعظم في العالم.

ولكن استثنائية السباق تأتي أيضا من حقيقة غير مباشرة هي أن تنافس هذين الأولين إنما يعكس عمق التطورات التي شهدها المجمتع الأميركي خلال العقود الخمسة الماضية. وإن كان الفوز المحتمل للسيدة الأولى لا يعني أكثر من صعود سيدة لأول مرة إلى سدة الرئاسة، على أهميته، فإن فوز أوباما يبدو أقرب إلى نبوءة بعيدة تحققت في شكل صارخ، فأوباما ابن مباشر لمهاجر إفريقي، وليس سليل أفارقة وصلوا الولايات المتحدة على ظهر سفينة للعبيد قبل قرون. وفي صورة ما فإن فوز أوباما في السباق يحقق نبوءة بدت أقرب إلى الأحلام حين نطق بها روبرت كينيدي في أثناء حملته الانتخابية للترشح عن الحزب الديمقراطي عام 1968، حين قال إن أميركا قد تشهد خوض مرشح أسود الانتخابات الرئاسية خلال خمسين عاما. وكان ذلك بعد شهور قليلة من اغتيال مارتن لوثر كينغ على يد عنصري أميركي لم يحتمل مطالبة كينغ في أن يكون له الحق في أن "يحلم" بموقع له في بلده.

وبقدر ما يشير احتدام المنافسة بين "الأوّلين" إلى عمق التحولات في المجتمع الأميركي، فإنه يشير في الوقت نفسه إلى وعورة الطريق الذي قطعه أنصار حركة الحقوق المدنية في أميركا، بتجلياتها المختلفة، قبل اقتراب أول أفرو أميركي من الوصول إلى كرسي الرئاسة في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن العامل العنصري، إن جاز التعبير، كان يحضر حينا، فإن من الصعب القول إن هذا العامل كان حاسما في السباق المحموم بين المرشحين الديمقراطيين.

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة إثارة لعنصر اللون والأصول الإفريقية لباراك أوباما كان أبرزها وأكثرها وضوحا التصريحات التي أدلت بها جيرالدين فيريرو، أحد أركان حملة هيلاري كلينتون، التي قالت "لو كان أوباما رجلا أبيض لما كان في هذا الموقع في السباق إلى البيت الأبيض." وقد سارعت هيلاري إلى التنصل من هذه التصريحات، خاصة وأن فيريرو رفضت الاعتذار عن تصريحها مكتفية بالقول إنها انتزعت من سياقها، فاضطرت إلى الاستقالة من منصبها في الحملة.

عامل "اللون" بدا واضحا في انتخابات اللجان الحزبية التي جرت في ولاية مسيسيبي التي فاز فيها أوباما، والتي يشكل الأفرو أميركيين ما نسبته 36 في المئة من سكانها، وهي أكبر كثافة سكانية لهم في أميركا، فقد أعطى تسعة من كل عشرة منهم أصواتهم لأوباما، وأعطى سبعة من كل عشرة من البيض أصواتهم لهيلاري.

غير أن هذا العامل يكاد لا يذكر عند الحديث عن السباق على مستوى الولايات المتحدة عموما، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيوزويك أن حظوظ "الأولين" متساوية تقريبا في الترشح للرئاسة، إذ أشار الاستطلاع إلى أن 45 في المئة من المصوتين الديمقراطيين يؤيدون أوباما، فيما حصلت هيلاري على 44 في المئة.

عنصر قديم جديد من عناصر الإثارة شهدته الأسابيع الأخيرة مع العودة إلى إثارة موضوع دين أوباما، وذلك حين أعادت شبكة (أيه بي سي) الأميركية بث مقاطع مصورة لعظات للقس جيريمايا رايت، الذي كان يقدم بوصفه أبا روحيا لأوباما، أدلى فيها بتصريحات هاجم فيها السياسة الأميركية بعد أحداث 11 أيلول 2001، وقال إن ذلك حدث بسبب السياسة الأميركية تجاه جنوب إفريقيا وفلسطين، ما جعل أوباما يتنصل من هذه التصريحات، واضطر رايت إلى الاستقالة من منصبه في حملة أوباما.

لكن الحديث عن علاقة بين أوباما و"إرهابي فلسطيني" مثل البروفيسور رشيد الخالدي، وهو أكاديمي محترم، كما وصفته مجلة "ذا نيشن" الرصينة، وجدت لها طريقا على شبكة الإنترنت إلى جانب عشرات المقالات التي تتهمه بأنه معاد للسامية ولإسرائيل، وبأنه مسلم يقسم بالقرآن وبأنه صديق للإرهابيين، وهي تهم رد عليها الكاتب آري بيرمان، وهو يهودي، في مقال مطول له في صحيفة "ذا نيشن" تتبع فيه أصول هذه الاتهامات ليجد أن بعضها صادر عن أوساط أقصى اليمين الأميركي أو المستوطنين الإسرائيليين، في حين أبرز حقائق عن دعم أوساط يهودية متنفذه لأوباما. لكن هذا المقال وغيره لم يخففا درجة الإثارة في الانتخابات الأكثر استثنائية التي تشهدها أميركا في تاريخها.

المعركة بين أول امرأة وأول أفرو أميركي طغى على تنافس الحزبين الأميركيين
 
20-Mar-2008
 
العدد 18