العدد 18 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات جمانة غنيمات ذهبت ملايين الدنانير التي أنفقتها إدارات مصانع محلية حتى تكون منشآتها صالحة للإنتاج باستخدام الغاز الطبيعي، أدراج الرياح بعد أن فشلت حكومات متعاقبة في إيصال الغاز القادم من مصر إليها، لعدة أسباب من بينها تحديد الكميات والخلاف على تسعير هذه السلعة الاستراتيجية. لكن الإيجابية الأولية وإلحاح المسؤولين على أصحاب المصانع لسرعة تنفيذ المشروع خبا فجأة بعد أن توقف المشروع وتأجلت المفاوضات. مذ ذاك تعيش إدارات المصانع حالة من الغموض حول مستقبل وصول الغاز من عدمه وسط شائعات تؤكد أن الغاز غير متوفر مقابل تطمينات حكومية بأن الإشكال سيحل خلال فترة محدودة. الغاز الذي يجري الحديث عنه يتوافر بموجب اتفاقية خط الغاز العربي الذي يبدأ من مصر وصولاً إلى الأردن، سورية ثم لبنان فتركيا على أن يمتد لاحقاً إلى أوروبا. وكانت الحكومة وقعّت عام 2004 اتفاقية خط الغاز العربي الذي يوفر للأردن الغاز المصري. وتم الاتفاق في حينه على أن تصل كميات الغاز المستورد إلى 6ر2 مليار متر مكعّب من الغاز بحلول 2011. واعتمدت التقديرات في حينه على رؤية المسؤولين الذين توقعوا أن لا تزيد حاجة المملكة عن هذا الحد. إلا أن تدفق عشرات آلاف العراقيين إلى الأردن عقب الحرب الأخيرة عام 2003 دفعه إلى استيراد 700 مليون متر مكعب إضافية حتى عام 2008، بحسب عضو هيئة تنظيم الكهرباء غالب معابرة. بسبب هذه المتغيرات، تدفع الحكومة- بحسب المسؤول- إلى السعي لزيادة كميات الغاز المستوردة هذا العام لتصل الى 3 مليارات متر مكعب سنوياً. ضرر هذا التأخير لا يقتصر على المصانع التي أنفقت عشرات الملايين من غير فائدة بل تطال القطاع الصناعي، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الوطني- إذ باتت كثير من الشركات تفكر بفكفكة مصانعها والرحيل إلى مصر أو دول خليجية لا سيما، وأن تأخر توصيل الغاز إلى مصانعهم يضعف تنافسيتهم ويزيد التكلفة عليهم، كما يقول الرئيس التنفيذي في مجموعة نقل سليم كرادشة. يسترسل كرادشة راوياً وقائع الحالة منذ البداية. ويقول عقب توقيع اتفاقية توريد الغاز المصري بأسعار تفضيلية للمملكة لمدة عشر سنوات، اتصلت وزارة الطاقة بكبريات المصانع المحلية لحثها على الاستفادة من الكمية المحدودة من الغاز المخصصة للصناعات. استجابت مجموعة نقل، كغيرها من المصانع، وطلبت من شركة الفجر- مزود الغاز المصري- لرفد مصانعها الأربعة، التي يعمل بها قرابة ألف عامل، بالغاز. إلا أن استهلاكها لا يرتقي إلى حجم الكوتا المقترنة بالسعر التفضيلي، وبالتالي رفضت الاستثمار في شبكة التوزيع وصولا إلى المصانع. وتصر الفجر على تحديد سعر وحدة الغاز بدولارين مضافا إليه كلفة التشغيل وبناء الشبكة مع هامش ربحي للشركة الناقلة، بمعنى أن إجمالي كلفة الوحدة سيصل إلى 35ر2 دولار. ويضيف كرادشة، أنشأت الشركة مصنعاً خامساً جديداً في موقع المصانع بكلفة 100 مليون دينار مخصصة للتصدير. وتم تبادل العقود وتوقيع الاتفاقيات برعاية وزير الصناعة والتجارة آنذاك شريف الزعبي. يشمل استثمار المجموعة الجديد شراء محطة طاقة بقيمة 10 ملايين دولار صممت خصيصا للعملية التصنيعية التي تعمل بكفاءة 80 بالمئة مقارنة ب 30 بالمئة لدى محطات الطاقة الأخرى. مجموعة نقل، وكسباً للوقت، جهزّت أيضاً المصنع الجديد بوحدة تعمل على الغاز البترولي LPG بدلاً من الغاز الطبيعي LNG للحد من الخسائر التي تتكبدها في حال لم يصل الغاز المصري. وتتالت الخسائر، بحسب كرادشة، رغم أن المصنع الجديد باشر العمل باستخدام الغاز البترولي، وذلك نتيجة ضياع الوفر في المصانع الأربعة الذي كان مقدرا في حال استعمال الغاز المصري. ما زاد الوضع تعقيداً قرار الحكومة برفع الدعم عن المشتقات النفطية بداية 2008، إذ ساهم برفع التكلفة وتراكم الخسائر. وتبع ذلك رفع سعر الغاز البترولي بمعدل 240 بالمئة ليصل الى 850 ديناراً للطن صعوداً من 350 دينارا. تلا ذلك رفع تعرفة الكهرباء على شريحة استهلاك القطاع الصناعي بمعدل 50 بالمئة، الأمر الذي زاد التكلفة على مصانع المجموعة 14 مليون دولار سنويا، حسبما يؤكد كرادشة. بلغ إجمالي أرباح المجموعة خلال 2007 مليون دولار، فيما حقق مصنع في مصر يماثل المصنع الخامس، ربحا نسبته 13 بالمئة خلال أول شهرين من العام الحالي، مقابل خسائر نسبتها 20 بالمئة للمصنع الأردني. بشكل عام منيت مصانع المجموعة الخمسة المحلية بخسائر قيمتها 55ر1 مليون دولار في الفترة نفسها. حالة مجموعة نقل تنطبق على العديد من المصانع المحلية التي تعاني من ارتفاع كلف الطاقة، وضعف بدائل الطاقة المتاحة لا سيما إن الطاقة تشكل نسبة مرتفعة من مدخلات الإنتاج، ومن هذه الصناعات: الحديد، الألمنيوم، الورق والكرتون، والصناعات التعدينية (فوسفات، اسمنت، وبوتاس) وغيرها. كرادشة يرى أن القطاع الصناعي هو استثمار خاص، في نهاية المطاف، واستمراره يعتمد على تحقيق الأرباح. كذلك يؤكد أن العديد من المصانع المحلية المتوسطة والكبيرة تعتمد على التصدير لبقائها. لكنه يرى أن ارتفاع الكلف على المصدر المحلي يضعف تنافسية قطاع- يوفر معيشة لـ250 ألف شخص مباشرة ومثلها وظائف غير مباشرة- مقارنة بدول المنطقة (سورية، مصر، السعودية) التي لم تحمّل صناعاتها فوارق ارتفاع أسعار النفط العالمية. ويحذر كرادشة من أن هروب المصانع إلى الخارج سيدمر قطاعاً مهماً، ويقعد الكثيرين عن العمل، ويزيد معدلات البطالة المقدرة رسميا الآن ب 1ر14 بالمئة. كذلك يضعف دوران عجلة الاقتصاد، بخاصة أن نشاط قطاعات مختلفة منها النقل، التجارة، التخليص، الصيانة، والخدمات يرتبط بالصناعة. يقول كرادشة إن القرارات الحكومية ترهق القطاع، وعلى الحكومة الإعلان بصراحة نيتها رفع يدها عن هذا القطاع ليتسنى للمستثمرين فيه وضع خطط مدروسة لنقل استثماراتهم للخارج. كما أن تراجع القطاع يؤثر على عوائد الخزينة من ضريبتي الدخل والمبيعات التي قاربت خلال عام 2007 ملياري دينار، بحسب خبراء اقتصاد، إلى جانب انعكاسه السلبي على جاذبية الأردن الاستثمارية وأثر ذلك على عجز ميزان المدفوعات. رئيس غرفة صناعة عمان ثابت الور يعلل تأخر وصول الغاز المصري إلى أن الاتفاق التفضيلي الذي وقعه الأردن أحدث إرباكا لدى الجانب المصري، إذ حصلت المملكة على أسعار جيدة ثابتة لمدة 15 سنة. وكان من المقدر أن يشكل حلاً استراتيجياً لأزمة الطاقة التي تعيشها المملكة. الور يقول إن الحكومة نقضت اتفاقاتها مع الصناعيين بعد أن وعدتهم بتخصيص حصة من الغاز لقطاعهم الذي تأهب لاستقبال الغاز، لكنه لم يصل لغاية الآن. الغاز وجّه لقطاع الكهرباء الذي تمت خصخصته خلال السنوات الماضية. يأمل الور من الحكومة أن تفي بوعودها وتوصل الغاز للمصانع لدعم تنافسية القطاع التي تتراجع في ظل ارتفاع أسعار النفط عالميا التي تجاوزت 110 دولارات للبرميل وارتفاع أسعار المواد الخام. ويرى أيضاً أن استعمال الغاز يقلل من التكلفة على المصانع بمعدل 5 بالمئة، مطالباً الحكومة ببذل مزيد من الجهود لتوفير الغاز ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق المفترض أن توصل الغاز بأسعار تفضيلية وليس الكميات التي ستصل خارج اتفاق هذه المرحلة. ويتحدث أيضا عن الأثر الإيجابي لاستخدام الغاز على البيئة. يشاطره في الرأي وزير البيئة خالد الإيراني الذي يؤكد أن استخدام الغاز سواء في إنتاج الكهرباء أو الصناعة ينعكس ايجابياً على البيئة، ويخفف نسب الانبعاث لا سيما أن استخدامه يقلص استخدام الفيول الثقيل . إلا أن الإيراني يشرح بأن الحكومة "تهتم بإيصال الغاز للمصانع لكن حجم الكميات المتاحة هي من يحدّد حصص القطاعات من الغاز". يضيف الإيراني أن الاعتماد على إنتاج الكهرباء بالغاز وفر موارد مالية للخزينة ستتراوح قيمتها خلال الخمس سنوات المقبلة بين 50 و100 مليون يورو من خلال بيع الكربون، بفضل آلية التنمية النظيفة ضمن بروتوكول كيوتو- الذي وقّع عليه الأردن عام 2003. بموجب تلك الآلية تشتري دول غنية ذوات انبعاث غازات مرتفعة من حصص دول لديها انخفاض في الانبعاث. ويقر الخبير الاقتصادي طلال الحلواني بالأثر السلبي لتأخير وصول الغاز، لافتاً إلى أنه "يربك عملية التسعير ويقلص حجم الصادرات الوطنية". ويرجع "الحلواني التلكؤ الحكومي إلى سياسة الفزعات التي تتبعها الحكومات في إدارة شؤونها". ويقول إن المفاوضات "أحيطت بسرية غير مبررة ولم تكن شفافة، إذ إن عدم وصول الغاز إلى المصانع غير مبرر ولا يقوم على أسباب معروفة". الحلواني يؤكد أن الصناعة هي عصب الاقتصاد ومصدر العملات الصعبة، كما أنها تغني الاقتصاد في مرحلة من المراحل عن المساعدات في حال نمت بالشكل المطلوب وتوازن. |
|
|||||||||||||