العدد 18 - كتاب
 

يقال إن هناك العديد من حوادث الاغتصاب التي يرتكبها الجنود الأميركيون في العراق، ولكن لأسباب تتعلق بمفهوم الشرف، فإن عائلات العراقيات المغتصبات يخفين الوقائع ويؤثرن الكتمان.

لكن الواقعة الوحشية التي أعاد هذا الفيلم تمثيلها هي واقعة معروفة جرت في بلدة المحمودية قرب سامراء بتاريخ 12 /3 /2005 حيث قام جنديان مخموران بقتل أفراد عائلة عراقية وأيضاً باغتصاب فتاة في الخامسة عشرة وقتلها بعد أن فرغا من اغتصابها - وكان قد اقتحما منزل العائلة بالقوة وقاما بفعلتهما الوحشية قبل أن يكتشفهما زميل ثالث لهما هو الجندي سالازار الذي لم يحتمل ضميره البقاء ساكتاً.

فيلم REDACTED للمخرج الأميركي المعروف بريان دي بالما، يعيد تمثيل هذه الواقعة بمقاربة شديدة الدقة بحيث يبدو الفيلم وكأنه فيلم تسجيلي. أما عنوان الفيلم فلم نجد له ترجمة في القاموس، فآثرنا استخدام العنوان كما ورد في النشرات والمعلومات المتعلقة بالفيلم، مع أن أقرب مصطلح عربي لهذا الاسم هو (تحريف النص).

المخرج دي بالما، لا يدخل في تفاصيل واقعة الاغتصاب رأساً وإنما يمهد بتصوير «الجحيم» العراقي الذي يشمل العراقيين والجنود أيضاً .. المخرج ينقل لنا أكثر من حوار مع عدد من الجنود أثناء استراحتهم حيث يعلنون بدون مواربة أنهم لا يعرفون بالضبط لماذا هم موجودون هنا، ويكتفون، في النهاية بالقول بأنها الأوامر، لكنهم جميعاً يتطلعون إلى اليوم الذي يخرجون فيه من هذا الجحيم ليعودوا إلى منازلهم.

ونلاحظ أن التوتر يسيطر على حركاتهم، كما أنهم يكثرون من استخدام التعبيرات البذيئة بين كلمة وأخرى. كما نلاحظ أن معظمهم يطالع كتباً جنسية أو يلصق قربه صوراً عارية لفتيات. الجو متوتر جداً وأوامر دائمة تصدر للجنود: «لا تتحدثوا مع أحد، لا تثقوا بأحد».

يأخذنا المخرج بعد ذلك إلى أحد الحواجز المحصنة حيث نجد حاجزاً مركباً على شكل حلزوني يضطر فيه سائق السيارة أن يقف عدة مرات حتى لا يعطي الفرصة للاندفاع بسيارته إذا كان انتحارياً.. ولكن بسبب التوتر وربما بسبب اللغة، فإن حوادث مأساوية تحدث في هذه الحواجز حيث نرى رجلاً عراقياً يصطحب شقيقته الحامل لينقلها إلى المستشفى لتضع مولودها، وهناك مترجم عراقي، ولكنه يفشل في إفهام هذا الرجل بالوقوف في لحظة معينة، ولكن الجندي الرابض وراء رشاشه يفتح النار ويصيب المرأة الحامل إصابات بالغة حيث يتم نقلها إلى المستشفى ولكنها سرعان ما تفارق الحياة.

الموت في كل مكان، هكذا يقول أحد الجنود الذي يكتب رسائل إلى أهله يصف العراق بأنه الجحيم. بعد ذلك نرى عدداً من الجنود يقودهم شاويش أسود البشرة يوبّخهم طوال الوقت لأنهم لا يفتشون ما حولهم بدقة - حاويات القمامة، مثلاً، ولكن ما يكاد ينتهي من التوبيخ والتوجيه حتى ينفجر لغم تحت قدميه فيطيح به وبمن معه من الجنود...

أما واقعة الاغتصاب والقتل والتي هي موضوع الفيلم، فقد حدثت حسب ما صار معروفاً بعد، في بلدة المحموديـــة، قريبـــاً من ســـامراء بتاريــخ 12 /3 /2005 حيث اقتحم جنديان بيت أسرة عراقية وقاما بقتل الأب والأم واغتصاب طفلة عمرها 15 سنة ثم قتلها بعد ذلك..

وصل الأمر إلى سلطات الاحتلال عن طريق جندي ثالث رفض المشاركة في الجريمة وقد صدر الحكم بالسجن عدداً من السنوات على الجنديين.

المخرج دي بالما، يحرص على وضع الجملة التالية في مكان بارزة من «أفيش» الفيلم: «الحقيقة هي أولى ضحايا الحروب». والحقيقة أن الضحايا هم الشعب العراقي الذي بلغ عدد ضحاياه حتى الآن حوالي المليون، إضافة إلى التدمير الشامل لهذا البلد العريق.. ولا يبدو ان نهاية المأساة باتت وشيكة، إذ أن العصابة الدموية الحاكمة في البيت الأبيض ما تزال تضع الخطط للبقاء طويلاً في العراق، كما ورد في الأخبار في الأيام الأخيرة.

أما الفيلم الذي عرفناه باختصار، فهو، رغم كل شيء، يترك غُصّة من «نوع ما» تتعلق بالجندي سالازار الذي أبلغ المسؤولين عن الجريمة بعدما رفض الانضمام إلى الجنديين المغتصبين.. هذا الجندي الذي ببدو لطيفاً، مرحاً، و«بريئاً» حيث يقول لطاقم الفيلم بأنه جاء لتوفير مبلغ يكمل به دراسته ولا هدف آخر له.. (يبدو أنه من أصول لاتينية جنوبية).

هذا الجندي بالذات تختطفه مجموعة مسلحة وتوقع حكم الإعدام به بقطع الرأس حيث نشاهد شريط الفيديو الخاص بذلك والذي عُرض في حينه.. طبعاً - ما كان لهذا الجندي أن يوافق على المجيء أصلاً - ولكن الأمور نسبية.

على كل حال، فإن هذا الفيلم يأتي ضمن الحملة الإعلامية التي تتصاعد وبرز فيها المخرج الجريء «مايكل مور» والذي عمل عدة أفلام مندداً بجورج بوش وجماعته من المحافظين الجدد..

عرض هذا الفيلم مؤخراً في مهرجان أبو ظبي للأفلام وتتوافر نسخ منه «دي.في. دي» في محلات البيع بالعاصمة عمان لمن يرغب في مشاهدته.

رسمي ابو علي: الحقيقة أولى ضحايا الحرب
 
20-Mar-2008
 
العدد 18