العدد 18 - استهلاكي
 

علا الفرواتي

يؤكد مواطنون وتجار جملة وتجزئة واقتصاديون أن عادات الاستهلاك في الأردن تشهد تحولات جذرية، تتمثل في تغير عادات الناس في الإنفاق والاستهلاك بفعل تغير القواعد الأساسية التي حكمت السوق لسنوات.

الشرارة التي أشعلت هذه التحولات كانت الموجة الأخيرة من ارتفاع الأسعار التي تلت رفع الحكومة للدعم عن المشتقات النفطية، والتي شملت جميع أنواع السلع الأساسية والغذائية والكمالية. وكان المواطن محدود الدخل ضحيتها الأولى.

وكان من الطبيعي أن تتفاوت ردود أفعال المواطنين على موجة الغلاء هذه. فالفئة الميسورة لم تتأثر بالارتفاعات المتوالية كليا، والمتوسطة بدأت في عملية ضبط لإنفاقها من خلال التحول من شراء مواد عالية الكلفة جيدة الصناعة إلى مواد اقل جودة وارخص سعرا. أما الفئة الأكثر تضرراً فكانت ذات الدخل المحدود والمتوسط والمتدني، فقد تلقت هذه الفئة صدمة كبيرة جعلتها تضغط نفقاتها إلى حدود قصوى. لكن ما تشترك فيه الفئات الثلاث هو أنها قلصت المبالغ التي تخصصها شهريا لغايات الادخار بمستويات مختلفة، وأحيانا إلى حد الصفر.

وسام عبد العزيز التي تعمل معلمة في إحدى مدارس الكرك قلصت إنفاقها على المواد التموينية في الشتاء بشكل كبير لتتمكن من تأمين ما يكفي للإنفاق على التدفئة. تقول:"لدي ثلاثة أولاد ولكنني أخيرا لم أتمكن من شراء الكميات المعتادة من الحليب المجفف لهم. حتى عاداتي في الطبخ تغيرت، فأنا أطبخ ما يكفي ليومين وبالتالي أقلص من الإنفاق على الطعام، كما أنني توقفت عن شراء التسالي وحلوى الأطفال."

أسعار الحليب المجفف شهدت ارتفاعا كبيرا تجاوزت نسبته 150 بالمائة، ورغم ذلك فإن السوق ما زال يشهد نقصا حادا في هذه المادة مع إحجام التجار عن استيرادها لضعف مبيعاتها من جهة ولارتفاع أسعارها عالميا من جهة ثانية.

الفئات التي توصف بأنها "الأقل حظا" لجأت مع ارتفاع الأسعار إلى الاستدانة ممن يمكن الاستدانة منهم أو من البنوك وترتيب المشاركة في جمعيات. الأرملة أم صقر التي تقطن جبل الأشرفية تستدين أكثر من ضعف راتبها كل شهر، من الأقارب أو "على حساب راتبها"، الذي لا يتجاوز 120 دينارا شهريا.

أم صقر وهي عاملة نظافة في إحدى المدارس الخاصة وتربي خمسة أطفال أكبرهم في الثامنة عشرة تشتكي أنها "تخاف من المستقبل ومن الناس الذين تستدين منهم"، فهي غير متأكدة من قدرتها على سداد تلك الديون.

المحلل الاقتصادي يوسف منصور يشير إلى أن أيام توافر السيولة التي سادت في الأعوام 2004 حتى 2007 انتهت في ظل تغير توقعات الناس بالنسبة للاقتصاد.

يقول منصور:"عندما يكون المواطنون متفائلين بالاقتصاد يكون إنفاقهم أكبر لأنهم يشعرون بأمان المستقبل. ولكننا نشهد الآن تحوطا كبيرا عند المواطنين وإنفاقا أقل لان ثقتهم بالمستقبل قلّت."

ويلحظ تغيرا في أولوية الصرف عند المواطنين تراجع فيها إنفاقهم على السلع التي تعد ترفيهية: " مثلا المطاعم المخصصة لذوي الدخل المتوسط تشهد تراجعا في المبيعات فيما تبقى المطاعم الشعبية والمطاعم الفارهة على حالها فلكل منها روادها." إلى ذلك، برزت مشكلة «ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة» في استطلاع للرأي العام أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حول حكومة رئيس الوزراء نادر الذهبي بعد مرور مائة يوم على تشكيلها بشكل غير مسبوق من ناحية التركيز عليها من قبل المستجيبين.

ووجد الاستطلاع أنه فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي لأسر المستجيبين، أفادت أغلبية مستجيبي العينة الوطنية (54.7بالمئة) بأن وضع أسرهم الاقتصادي قد ساء مقارنة بثلاث سنوات مضت فيما قال 12.9 بالمئة من العينة الوطنية بأن وضع أسرهم الاقتصادي قد تحسن مقارنة بوضع أسرهم الاقتصادي قبل ثلاث سنوات، وأفاد 31.9 بالمئة بأن وضع أسرهم بقي كما هو. مدير السوق في أحد المولات الكبرى، يؤكد أن التراجع في الإنفاق يقدر بأكثر من 50 بالمائة.

ويؤكد مدير السوق الذي فضل عدم الكشف عن هويته أن مشتريات السوق بالجملة تراجعت بسبب تقلص إنفاق المواطنين. يقول:"كنا مثلا نشتري شهريا نحو 100 كرتونة من الجبن، في الأشهر القليلة الماضية، فقلصنا هذا العدد إلى نحو 30 كرتونة."

محمد سالم، أحد تجار المفرق في منطقة الهاشمي الشمالي، يرى تركيزا من قبل المشترين على المواد الأساسية وإغفال المواد الثانوية. وقد عدل سالم مشترياته بالجملة على هذا الأساس فهو يشتكي من أن مبيعاته باتت تأخذ منحى مستمرا في التناقص.

البائع الخمسيني الذي يعمل في هذه البقالة منذ نحو 30 عاما لاحظ أن المواطنين باتوا يبتعدون عن تخزين المواد الغذائية ليستعيضوا عنها بشراء ما يكفيهم لأيام قليلة فقط. ويضيف بشيء من الحسرة:"زبائني كانوا يزورونني مرة واحدة شهريا ويشترون كميات تكفيهم لشهر وأكثر. الآن معظمهم يشتري كميات أقل على فترات قصيرة. من كان يشتري ما مجموعه 100 دينار شهريا أصبح يشتري بخمسين ودفتر الدين أمتلأ الآن أكثر من أي وقت مضى."

"قطاع المواد الغذائية يمر بأيام صعبة ويشهد ركودا غير مسبوق والمبيعات انخفضت بأكثر من 50 بالمائة عن السنوات القليلة الماضية." يسرد نقيب تجار المواد الغذائية خليل الحاج توفيق رؤيته للأوضاع قبل أن يضيف: "أكثر من 10 آلاف تاجر مفرق وأصحاب بقالات صغيرة باتوا مهددين. هؤلاء التجار الذين لا يتجاوز صافي دخلهم 400 دينار شهرياً، لا يحظون بضمان اجتماعي أو صحي أو أي ضمان للمستقبل يواجهون الآن أوقاتا صعبة حقا."

موجة الغلاء تغير أنماط الاستهلاك، وتضر صغار التجار
 
20-Mar-2008
 
العدد 18