العدد 17 - أردني | ||||||||||||||
جمانة غنيمات
طفرة العقارات والأراضي المتصاعدة منذ أربع سنوات تستقطب جلّ الاستثمارات الأجنبية، وتساهم في إفراز طبقة أغنياء جدد، لكنّها تؤثر سلبياً على مستوى شريحة واسعة مع اقتراب تطبيق قانون المالكين والمستأجرين المثير للجدل، ما دفع رأس الدولة إلى تسمية 2008 «عام الإسكان». الجدال المستمر حول القطاع يتمحور في العادة حول مدى استفادة الاقتصاد الوطني من حجم هذا الاستثمار الضخم. تداول العقار خلال العام الماضي دار حول 5،8 مليار دينار، بارتفاع الخُمس عن أرقام 2006، التي وصلت إلى 4،9 مليار دينار. لكن هذه القفزة استحدثت فقط 165 فرصة عمل في قطاع الإنشاءات، وفق مسح العمالة والبطالة. الفارق الكبير بين حجم التداول وعدد الوظائف مرده تركّز الاستثمارات في بيع وشراء الأراضي، وليس العقار الذي ارتفعت أسعاره بمعدل 10 بالمئة خلال 2007، بعد أن تضاعفت بين عامي 2003 و2006. المبالغة في تقديرات المخمنين في دائرة الأراضي والمساحة لأسعار الأراضي، بهدف زيادة الإيرادات، تساهم أيضاً في تضخيم حجم التداول. تدفق مليارات الدولارات صوب هذا القطاع لم ينعكس قيمة مضافة مرتفعة لجهة مؤشرات التنمية بسبب استيراد الأيدي العاملة وغالبية مواد البناء. كذلك أخفق في سد العجز في إسكان الفقراء مقابل انتشار آلاف العمارات التجارية على أراضٍ زراعية في أطراف المدن الكبيرة. قفزات الأسعار، بين ليلة وضحاها، قتلت حلم آلاف الشباب والشابات بامتلاك مسكن، في بلد يشكّل اليافعون فيه ثلث عدد سكانه. في المقابل، استفاق آخرون وسط ملايين مجمدة من الدنانير بعد أن تضاعفت أسعار أراضٍ ورثوها عن أجدادهم. بدأ تدفق الاستثمارات العام 2003 مع تزاوج عاملي الطفرة النفطية التي أعقبت الحرب العراقية، وهروب رساميل ضخمة من ذلك البلد المنهار إلى دول الجوار. تلقى الأردن خلال العام الماضي 2.2 مليار دينار من الاستثمارات العربية، أي ما يقارب 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. مذ ذاك، أخذ أفق ومعالم العاصمة بالتغير. وطرأت أنماط سكنية مستحدثة مثل مجمعات الفلل المغلقة على أطراف العاصمة الجنوبية وناطحات السحاب التي تستقطب ذوي الدخول المرتفعة. مستشعراً حرمان شريحة كبيرة في المجتمع من كعكة الإسكان، دخل الملك عبد الله الثاني على الخط ليطلق سلسلة مشاريع لفقراء الأردن، في وقت تضاعفت فيه أسعار الأراضي وتكاليف البناء. رئيس جمعية مستثمري قطاع العقار، زهير العمري، يرجع طفرة الإنشاءات إلى الزيادة المتتالية في أسعار النفط وتوافر سيولة في دول الخليج وجدت في الأردن بيئة آمنة وسط منطقة غير مستقرة، بعد زلزلة 11 / 9 العام 2001. هجرة العراقيين، عقب احتلال بلادهم، ساهمت أيضاً بتضخم القطاع لا سيما العائلات ذات المداخيل العالية نسبياً التي اتخذت من الأردن قاعدة لأنشطتها التجارية والاستثمارية محلياً وخارجياً. يؤثر في تضخم القطاع قانون المالكين والمستأجرين، لا سيما بنوده المرتبطة بعدم السماح للمستأجر بالبقاء في العقار بعد انتهاء مدة العقد. هذه التعديلات فتحت شهية مستثمرين محتملين في سوق العقار. المنحى الصعودي، الذي تحرك العام 2003 غير اتجاهه هبوطاً العام 2005 إذ تراجع بناء الشقق إلى 22 ألف شقة وواصل الانخفاض إلى 18 ألف شقة عام 2006، فـ 16.5 ألفاً في 2007. وتتوقع شركات الإسكان تواصل هبوط المؤشر هذا العام. تقليص عدد الشقق المنتجة يعود إلى تخوف الشركات من حالة ركود أو كساد تصيب القطاع كون تخفيض العرض من قبلهم يوفر توازناً لمعادلة العرض والطلب لا سيما وأن الأخير شديد التأثر بالمقدرة الشرائية لدى الأفراد التي تراجعت نتيجة معدلات التضخم المرتفعة التي ستصل أكثر من 9 بالمئة نهاية العام الحالي. استثمارات وبطالة الخبير الاقتصادي، يوسف منصور، يرى أن تدفق الاستثمارات إلى قطاع العقارات "لم يغّير نسب البطالة أو الفقر بشيء يذكر، الأمر الذي يُشكّل أحجية أساسية لدارسي ومتابعي الاقتصاد". فالاستثمار يعد موّلداً أساسياً لتوظيف العمالة. منصور، يؤكد أن حجم فرص العمل التي ولّدها القطاع للأردنيين متواضعة. يضرب مثلاً على قطاع الاتصالات الذي خلق أكثر من 2200 فرصة عمل جديدة بمعدلات أجور تفوق تلك التي تدفعها البنوك وأي قطاع آخر، بعكس قطاع العقار والإنشاءات الذي لم يقدم الكثير للاقتصاد الوطني. وينفي منصور، أن يكون لعملية بيع الأراضي دور في توجيه رؤوس الأموال المحلية صوب استثمارات مباشرة أخرى إنتاجية. وينتقد تدوير الأموال في القطاع ذاته لأسباب كثيرة منها وجود معيقات للاستثمار في قطاعات الإنتاج -الصناعة، السياحة، النقل والتعدين- فضلاً عن صغر حجم السوق، سرعة تغير التشريعات، ارتفاع الرسوم والضرائب، البيروقراطية، انخفاض العائد نتيجة الغلاء وعدم توافر عمالة وخبرات محلية. ما يؤكد فكرة منصور نتائج مسح فرص العمل المستحدثة لعام 2006 المعد من قبل دائرة الإحصاءات العامة الذي يوضح أن الاقتصاد استحدث خلال ذلك العام 35 ألف فرصة عمل فيما ترك العمل نحو 46 ألف عامل نتيجة سوء ظروف العمل . يبين المسح أن 92 بالمئة من الأردنيين تركوا وظائفهم في حين حصلوا على 89.9 بالمئة من الوظائف المستحدثة. أما المصريون، فقد شغلوا 6.4 بالمئة من الوظائف التي ولدّها الاقتصاد. أرقام دائرة الإحصاءات تؤكد ضعف التوظيف في القطاعات الإنتاجية لصالح القطاعات الخدمية والحكومية، إذ تشير الأرقام إلى أن 24 بالمئة (8.4 وظيفة) من الوظائف تركزت في قطاع الإدارة العامة (الحكومة والدفاع) يليها بفارق واضح الفرص التي وفرتها قطاعات التعليم، تجارة الجملة والتجزئة، و"الأنشطة العقارية والإيجارية وأنشطة المشاريع التجارية" التي فرت على التوالي: 5.7 و 4.6 و 4.1 وظيفة. بحسب المسح شهدت قطاعات الصناعة الاستخراجية، والصناعة التحويلية،و إمدادات الكهرباء والمياه والغاز، والإنشاءات، نمواً متواضعاً في التوظيف،إذ ولدت على التوالي: 145، 142، 144، 167 وظيفة. لكن المهندس العمري يدافع عن ايجابيات قطاع العقارات، ويستند في ذلك إلى أن للقطاع أثراً غير مباشر لا سيما وأنه مرتبط بأكثر من ثلاثين قطاعاً، ويساعد على تحريكها توفر آلاف فرص العمل للأردنيين، ومن هذه القطاعات: النقل، والحديد، والإسمنت، والكسارات. لكن العمري لا ينفي أن الأثر المباشر والملاحظ للقطاع يذهب لغير الأردنيين بخاصة العمالة الوافدة التي تقوم بالأعمال الصعبة التي يعزف عنها الأردنيون مثل: أعمال الباطون، والنظافة، والحراسة، كما أن الأرباح المتحققة من المشاريع تذهب لتودع في الخارج. تؤكد الأرقام تواضع مساهمة قطاع الإنشاءات في النمو الذي حققه الناتج المحلي الإجمالي ونسبته 8ر5 بالمئة بالأسعار الثابتة خلال التسعة أشهر الأولى من العام 2007 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2006 فيما بلغ معدل التضخم خلال هذه الفترة 5.7 بالمئة. معدل النمو الاقتصادي الحقيقي جاء مدفوعا بنمو قطاع "المال والتأمين والعقارات" الذي ساهم بمقدار 1.3 نقطة مئوية، وبند صافي الضرائب على المنتجات الذي ساهم بـ 1.1 نقطة مئوية. كذلك ساهم قطاعا الصناعة التحويلية و"منتجو الخدمات الحكومية" في هذا النمو بمقدار 8. نقطة مئوية. القطاعات الأربعة السابقة مجتمعة ساهمت ب 4.0 نقاط مئوية، "أي 69 بالمئة، من معدل النمو المتحقق خلال التسعة شهور الأولى من العام الماضي". ساهم قطاع الخدمات الحكومية بمقدار 82. نقطة مئوية من النمو المتحقق، وجاء قطاعا النقل والاتصالات في المرتبة الخامسة بـ 7. نقطة مئوية. أما قطاع الإنشاءات، فلم تتجاوز حصته من النمو المتحقق 3. نقطة مئوية. ورغم دور قطاع الإنشاءات الضعيف في توفير فرص العمل، إلا أنه نما بنسبة 6.8 بالمئة، كما شهدت غالبية الأنشطة الاقتصادية نموا بنسب متفاوتة وكان أكثرها نموا الضرائب على المنتجات 9.4 بالمئة فقطاع الخدمات الشخصية والاجتماعية 8.9 بالمئة تلاه قطاعا "الخدمات المالية والتأمين" و الإنشاءات 6.8 بالمئة لكل منهما. نما قطاع الصناعات التحويلية بمعدل 7ر4 بالمئة في حين تراجعت معدلات نمو قطاعات الزراعة بنسبة 4.9 بالمئة، والصناعة الاستخراجية 4ر1 بالمئة، وقطاع الخدمات التي لا تهدف إلى الربح 1.2 بالمئة. عوامل عديدة تفسر عدم تجاوب النمو الاقتصادي في الأردن مع حجم الاستثمارات الواردة، بحسب كتابات المحلل الاقتصادي فهد الفانك، منها أن إحصاءات الاستثمارات تعتمد على ما يذكره المستثمرون وطلب الحصول على مزايا قانون تشجيع الاستثمار، وليس المبالغ التي تحققت. كما أن بعض التدفقات الاستثمارية الواردة لم تستثمر فعلاً، وبقيت بمثابة ودائع مصرفية تحت باب ودائع غير المقيمين، مما لا يؤثر في نسبة النمو. ويقول الفانك إن من أسباب ضعف الأثر أن قسماً مهماً مما يحسب علينا كاستثمارات عربية أو أجنبية واردة يمثل مشتريات لمشاريع قائمة، كما حدث في حالة الكهرباء أو الاتصالات أو الفوسفات أو البوتاس إلى آخره، بمعنى أن هذه الاسـتثمارات لم تشكل إضافة، ولم ترفع الطاقة الإنتاجيـة، ويقتصر تأثيرها على نقل الملكية من اسم إلى آخر. من جانبه، يرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، إبراهيم سيف، أن للقطاع أثرين: الأول مباشر ومضمونه يؤكد دعوى القائلين إن دور القطاع في دعم الاقتصاد محدود، وأثر آخر غير مباشر كونه يدعم نشاط قطاعات أخرى مثل: قطاع الصناعات الهندسية، لكنه يشير إلى أن فرص العمل التي يولدها القطاع تذهب لغير الأردنيين. طبقية من نوع آخر سيف، يؤكد أن نوعية الاستثمار في القطاع تفرز تصنيفاً طبقياً في المجتمع الأردني لا سيما أنه قدم نماذج جديدة للمسكن مثل: المجمعات السكنية المغلقة. لكن العمري يبين أن نظام البناء المعمول به يؤسس لهذا الفرز المجتمعي ، لاسيما ما يطلق عليه مسمى المناطق الخضراء التي يشترط فيها إقامة البناء على مساحة دونمين على الأقل بمعنى أن نظام الأبنية هو من أوجد الطبقية. يدعو العمري الحكومة إلى وضع ضوابط للاستثمارات العقارية مشيراً إلى أن الشركات الكبرى جاءت ورفعت الأسعار في وقت لم يستفد فيه من الطفرة أكثر من 2 بالمئة من الأردنيين في حين أن 98 بالمئة تضرروا من ارتفاع أسعار العقار والأراضي. يصف العمري المستمرين غير الأردنيين، في هذا القطاع "بالأذكياء" كون العديد منهم حصلوا على تمويل من البنوك المحلية لإنشاء استثماراتهم التي تلقى دعماً حكومياً كبيراً، وبدأت تنافس القطاع الخاص المحلي الذي خدم المستهلك منذ العام 1997 وسعى لتوفير المسكن لجميع فئات المجتمع. معالجة الخلل الذي ألّم بالقطاع ممكن من خلال فتح مناطق جديدة للتنظيم، وتوفير البنى التحتية لها لرفع قدرة الأفراد على تملك مسكن واتباع سياسة نقدية تدفع البنوك لتخفيض معدلات الفوائد على القطاع وتحييد المحددات أمام المقترضين. السبيل إلى تحقيق انعكاس أفضل للاستثمار على الاقتصاد يستوجب توجيه الاستثمار إلى قطاعات أخرى تخدم الاقتصاد بشكل أفضل، وتساهم بتقليص معدلات الفقر والبطالة. |
|
|||||||||||||