العدد 3 - أردني
 

يشهد الوضع العراقي في الآونة الأخيرة جموداً ملحوظاً، بعد أن تراجع الانشغال الإقليمي به إلى مرتبة متأخرة، قياساً بالاهتمام بالملف النووي الإيراني والأزمة الرئاسية اللبنانية، ومؤتمر الخريف المزمع. كما أن التوتر الحدودي مع تركيا تقدم بأهميته على جوانب الوضع الداخلي. رغم أن هذا التوتر نفسه قد انحسر، بعدما تبين لسلطة إقليم كردستان العراق وللحكومة المركزية في بغداد مخاطر السماح بانطلاق عمليات لحزب العمال الكردستاني من شمال العراق باتجاه الأراضي التركية.

الجمود لم ينعكس سوى جزئياً على الوضع الأمني، فالقوات الأميركية ما زالت تمنى بخسائر، في وقت شهدت فيه منظمة القاعدة انحساراً في نشاطاتها مقارنة بمنظمات المقاومة العراقية.أما أسوأ الأحداث الأمنية، فيتمثل باستمرار اكتشاف «جثث مجهولة الهوية» وهي، في العادة، تعود لضحايا يسقطون نتيجة الاحتراب الطائفي. ولا تبدي السلطات العراقية كبير اهتمام يهذه الجرائم «الروتينية».

وكان نوري المالكي، رئيس الحكومة، قد نفى في مقابلة نشرتها «الحياة» اللندنية أمس الأول الثلاثاء الصبغة الطائفية عن حكومته، بالقول إنها استهدفت أطرافاً متمردة شيعية وسنية على السواء.

وواقع الحال إن الصراع الطائفي انتقل إلى داخل الطوائف نفسها، وبالذات إلى الطائفتين الكبيرتين.

وهو ما يفسر استهداف جيش المهدي والتيار الصدري عموماً. وقد لوحظ في حديث المالكي المذكور إشارته إلى تعيين وزيرين بديلين عن نظيرين استقالا وينتميان للتيار الصدري. وقال المالكي في هذا الخصوص إنه يسعى لإحلال وزراء مستقلين، وذلك للحد من الصبغة الحزبية للوزراء، غير أن المالكي لم يشر إلى استمرار استحواذ «الائتلاف الشيعي الموحد» الذي يضم حزبي الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية على المقدرات الحكومية، وبخاصة على وزارة الداخلية التي ما زالت تشكو من نفوذ ميليشيات شيعية داخلها، وقد تسرّب أخيراً أن عشرات الآلاف من قطع السلاح قد فقدت من مخازن الوزارة. ولا يحتاج المرء لخيال واسع كي يتكهن بأيدي من يمكن أن تكون قد استقرت قطع السلاح المهربة وضد من يمكن أن تستخدم.

على الجبهة «السنيّة» فإن الانقسامات بين أطرافها وخروج وزراء من حكومة المالكي، واستمالة زعماء عشائر لمحاربة القاعدة، والتنافس على التمثيل، قد أدت الى إضعاف النفوذ السياسي لهذه الأطراف.دون أن يصب ذلك في رصيد الائتلاف الحاكم الذي حقق نجاحات في بسط نفوذه دون أن ينجح في تمثيل وطني عابر للطوائف.

ويعود للقوات الأميركية رغم خسائرها البشرية التي باتت تقترب من ثلاثة آلاف جندي، تحقيق نتائج ملموسة في الحرب على القاعدة وحلفائها، وذلك بعد وصول ثلاثين ألف جندي أميركي إضافي إلى العراق في حزيران/ يونيو الماضي. وهي حرب يدفع عراقيون كثر ثمناً لها، وذلك في عمليات التمشيط والقصف العشوائي لمناطق مدنية، وحملات الاعتقالات الجماعية على الشبهة وأحياناً على الهوية الطائفية والمناطقية. ومن اللافت للنظر أن إحصائيات لا تصدر إلاّ في أوقات متباعدة، حول الضحايا المدنيين الذين تزداد أعدادهم كل يوم رغم الانخفاض في أعدادهم مؤخراً. أما المنظمات الإنسانية التي تضطلع بأعمال الإغاثة والعون الإنساني، فقد تقلّص نشاطها، إلى حد بعيد، ولدرجة الاختفاء نتيجة الاستهداف الدائم والمنظم لـ«الأجانب والكفار والصليبيين» من طرف القاعدة وجماعات أصولية أخرى.

ومع انحسار الاهتمام الإقليمي بالشأن العراقي الذي يظل مؤقتاً، ورهناً بما يستجد من تطورات داخل العراق، فقد لوحظ أن الدعوات المتكررة التي يطلقها المسؤولون العراقيون لعودة البعثات الدبلوماسية إلى بغداد لا تلقى استجابة تذكر، رغم حاجة دول عديدة في العالم للوقوف عن كثب على مجريات الوضع الداخلي. ويشكل التدهور الأمني الذي لا يبتعد عن المنطقة الخضراء بل يشملها أحياناً سبباً رئيساً إن لم يكن وحيداً في هذه الممانعة. فسوء الوضع الأمني قابل لأن يتحول إلى تصفية حسابات بين أطراف متعددة ومتشعبة : داخلية وخارجية، بما يهدد البعثات الدبلوماسية ومكانة الدول التي يمثلونها. وقد لوحظ أن وزارة الخارجية الأميركية قد تراجعت عن توجه لها بإلزام دبلوماسيين بالعمل في سفارة بلادهم في بغداد. وهي إشارة كافية إلى خطورة الوضع الأمني حتى بالنسبة لدبلوماسيين أميركيين، وفي ظل وحود عشرات الآلاف من أفراد قواتهم المسلحة هناك، وذلك مع الحديث عن تقدم يجري، غير أنه يتعلق بجوانب من أطراف النزاع الداخلي كالحملة على القاعدة، أما التيار الصدري مع ما أصابه من ضعف عسكري، فقد انغمس في نزاع مفتوح مع رفاق الدرب في مناطق شيعية مثل: كربلاء والنجف الأشرف، وتحول إلى ميليشيا تبحث عن هوية ورسالة وإن امتلكت الأسلحة والعتاد.

الائتلاف الحاكم أفضل حظاً، وذلك مع تمتعه بالتماسك بين الحزبين الكبيرين، لكنه يواجه دون نجاح مهمة نقل العراق والعراقيين إلى عقد وطني جامع. يحذر المالكي من مخاطر التقسيم إذا طبقت الفيدرالية بالشكل الذي تطبق فيه حالياً. علماً بأن الحكومة هي صاحبة الولاية والسلطة مدعومة بقوات أجنبية. وإليها قبل غيرها وحتى دون سواها، ينبغي أن يتوجه مثل هذا التحذير. والتقسيم الذي يحذر منه العراقيون ويتطيرون منه، هو ذلك الذي أخذ يتوطن في النفوس لا في النصوص ولا حتى على الأرض. وهو ما يجعل العراقيين يتجهون للهجرة إلى الخارج ما وسعهم ذلك، رغم حملة وطنية برزت مؤخراً لتشجيع عودة الغائبين.وقد تزامن هذا الخبر مع لجوء ثلاثة من لاعبي كرة القدم العراقيين إلى أستراليا.

الانشغال الإقليمي نحوها يتراجع الأزمة العراقية إلى جمود، والعراقيون فريسة فوضى منظمة – محمود الريماوي
 
22-Nov-2007
 
العدد 3