العدد 17 - اقليمي
 

معن البياري

تتعرض مزرعة للمستشار الأمني لرئيس وزراء البحرين، ورئيس جهاز الأمن الوطني السابق، في بلاده الشيخ عبد العزيز بن عطية آل الله آل خليفة الأسبوع الماضي لهجوم تخريبي نفذه 30 ملثما أسفر عن حرقها بالكامل، وينجو عمال آسيويون فيها من الموت بصعوبة. يبدو الحادث جنائياً، وهو كذلك، غير أن حيثيات ظاهرة تدفع إلى وجاهة التحليل الذي ذهب إلى ربط الحادث بأن صاحب المزرعة ذو موقع خاص، فضلاً عن أنه شقيق الوزير «المشكلة» في الحكومة البحرينية الشيخ أحمد بن عطية الله وزير شؤون مجلس الوزراء، والذي يعد الهدف الأهم لكتلة نواب جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة، وبات استجوابه ثم إسقاطه همّاً أول لديها، بسبب اتهامها له بفساد مالي واستغلال نفوذ، فضلاً عن الأكثر أهمية وحساسية من ذلك، وهو أنه الوزير الذي نشر مستشاره السابق السوداني البريطاني الجنسية صلاح البندر تقريراً بالغ الخطورة، تضمن معلومات عن تحركات سياسية وأمنية وإعلامية واسعة، هدفت إلى التأثير على التركيبة السياسية العامة في البحرين وعلى الانتخابات النيابية والبلدية.

ويحظر نشر أي تفاصيل حول التقرير ومجريات التحقيق بشأن هذا التقرير الذي ترد فيه أسماء ضباط أمن عرب. تبدو الواقعة مغرية للتملي فيها، فإحراق مزرعة حدث ربما حمل رسالة خطيرة لوزير كان تثبيته في الحكومة بعد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 بمثابة "استفزاز" للجمعية المعارضة الأبرز التي تعد التمثيل السياسي الأهم للشيعة في البحرين. وها هي تحاول وتجهد، وعبثاً على الأغلب، من أجل استجوابه في البرلمان ومن ثم إسقاطه، وأمام الرفض المتكرر من جانب رئاسة مجلس النواب لطلب الاستجواب، يبدو البرلمان البحريني منذ شهرين لا شغل له غير هذه المسألة، أمام إلحاح «الوفاق» على مساءلة الوزير أحمد بن عطية الله آل خليفة الذي ينتسب إلى العائلة الحاكمة.

هذه القضية تتواصل منذ نحو عامين، فيما يعاين في المشهد الداخلي العام في مملكة البحرين أجواء من الانفتاح السياسي ومن إعلاء خطاب حقوق الإنسان وحالة من السجال والجدل يمكن وصفها بأنها محمودة، ويتبين ذلك في مناخ التعبير عن الحريات الواسعة التي تتمتع بها الصحافة، وكذلك في تعدد المنابر للجمعيات السياسية والتجمعات والتشكيلات المدنيّة والأندية والاتحادات الثقافية والناشطة في قضايا المرأة ومحاربة الفقر وغير ذلك من شؤون.

ويساهم في تظهير هذا الحال أن المرء لا يلحظ قبضة أمنية متشددة، ويلحظ في الوقت نفسه انتعاشاً بيّناً لثقافة التظاهر في مسيرات واعتصامات واحتجاجات في غير شأن ومسألة. وما كان ليتحقق هذا لولا تراكم تجارب نضاليّة وحقوقيّة وسياسيّة مديدة في هذا البلد الخليجي الصغير، خاضها لعقود ليبراليون وإسلاميون وفاعليات سياسيّة عديدة نشطت في مناوأة السلطة طويلاً، وبدرجات متفاوتة في منسوب الاعتدال والتشدد. وفي البال أيضاً أن الإرادة الإصلاحية التي بادر إليها الملك الشيخ حمد ابن عيسى آل خليفة كان لها دور جوهري في عبور البحرين إلى اللحظة الراهنة.

جاء حرق مزرعة المسؤول الأمني البارز وشقيق الوزير الأبرز، عقب يوم من فشل رؤساء الكتل النيابية في البرلمان البحريني في الاتفاق على رؤية واضحة لاستخدام أداة الاستجواب البرلمانية لمساءلة الوزراء، وقد سعت كتلة « الوفاق «، (17 نائباً)، إلى تعديل أحكام نص مادة قانونية اعتبرتها تعسفية ومعيقة للحق الأصيل للسلطة التشريعية في ملاحقة الفساد والمفسدين. وتنادى نواب بحرينيون في لقاءات واجتماعات بينهم إلى حل اشكاليات وشبهات دستورية مرتبطة بالأمر، ومتعلقة أيضا بمسألة تضمن استجواب «الوفاق» أعمالاً وتصرفات سابقة على تولي الوزير المستجوب للوزارة، وما إذا كان الوزير مساءلاً إذا استمر بقاؤه في الوزارة نفسها بعد إحداث تغيير حكومي في المناصب الوزارية.

بعد الإخفاق في حسم الموضوع، جاءت حادثة الحرق المشار إليها، وأعقبها اجتماع بين وفد من نواب كتلة «الوفاق» مع رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، شرح فيه رئيس الكتلة ورئيس الجمعية علي سلمان أسباب إصرار «الوفاق» على تمرير طلب الاستجواب في البرلمان، وتأكيدها اتهام الوزير أحمد بن عطية الله بالفساد الإداري والمالي، رغم معارضة الكتل النيابية الأخرى.

اللافت في متابعة التفاصيل المتشابكة في هذه القضية، البرلمانية والسياسية، وغيرها في البحرين، أن حادث حرق المزرعة، يحيل إلى أحداث عنف غير هينة الحجم والعدد تتوالى في الشارع هناك، وشديدة الحدّة أحياناً، ويتوازى وقوعها مع شيوع حديث معلن عن احتقان حاضر في هذا الشارع، ومع رواج قناعة واسعة بأن ثمة نزوعات طائفية ومناطقية تتوطن في البلد. والمفارقة في الأثناء، أن مجلس النواب هو من يحظى بالانتقادات الأوسع، وفي البال أن البحرينيين ذهبوا إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نواب يمثلونهم في 2002 بعد طول انقطاع منذ 1973، فصار المجلس الذي قاطعته جمعية الوفاق التي عدلت في انتخابات 2006 عن المقاطعة، وحازت على 17 مقعداً من أصل 40 هم أعضاء المجلس. وبات المشهد العام، خصوصاً في جانبه المتعلق بالأداء البرلماني، يكاد يكون مختصراً في المنازعات المستمرة بين كتلة نواب هذه الجمعية التي تعد التمثيل الأقوى للشيعة في البحرين والحكومة، وبين الكتلة نفسها والكتل النيابية الأخرى التي تتوزع على درجات من الموالاة للحكومة لا تصعب معاينتها. ويسيطر التيار الإسلامي، بشقيه الشيعي والسني، على نحو 30 مقعدا على البرلمان الذي لا يتمثل فيه التيار الليبرالي والديمقراطي الذي كان الأكثر جرأة وشجاعة طوال نحو ثلاثة عقود قبل تدشين المشروع الراهن في النضال والمطالبة بالإصلاح السياسي والتعديلات الدستورية والخيار الديمقراطي. ولم يفلح أحد من رموز التيار المذكور في اقتراع تشرين الأول/أكتوبر 2006، وبينهم من كانوا منفيين وذاقوا الاضطهاد، وكانوا أصواتاً تنويرية في منطقة الخليج، ومن أبرزهم الناشط عبد الرحمن النعيمي، الذي يرقد على سرير الشفاء منذ شهور، ورفاقه في جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد». وبالإضافة إلى خسارة هؤلاء، لم تتمكن شخصيات كان لها حضورها الليبرالي في مجلس النواب السابق من الاحتفاظ بمقاعدها.

وعلى ما أصاب أداء مجلس النواب البحريني الحالي، من مؤاخذات، إلا أن حصيلة التقويم العامة له في دور الانعقاد الأول كانت جيدة، رغم فشل النواب في طرح قضايا معيشية ضاغطة، تبقى قائمة في البحرين ذات الموارد المحدودة على الرغم من رفع الحكومة الرواتب، وتظل قضية البطالة وارتفاع أعداد المتعطلين في صدارة الهموم الاجتماعية المطروحة.

وقد أقر رئيس «الوفاق» الشيخ علي سلمان بأن منجزات البرلمان جاءت أقل مما يحتاجه الشارع البحريني، وأقل مما تحتاجه مشكلات البحرينيين، وعزا الرجل ذلك إلى الصلاحيات المحدودة لمجلس النواب، وإلى ضعف تعاون الكتل النيابية، نظراً لاختلاف أجندتها السياسية، ما قاد إلى عجز المجلس عن إيجاد معالجات لقضايا سياسية، وولّد حالة من الاحتقان وشعورا بعدم الرضى، انعكس في صورة أزمة أمنية، في إشارة إلى ما عرفته البحرين من أحداث في كانون الأول الماضي/ديسمبر.

وفي وسع المراقب أن يزيد على ما قاله النائب والمعارض البحريني البارز أن أسباب حالة عدم الرضا العام لدى البحرينيين من أداء مجلس النواب الذي يمثلهم، وتالياً ربما مجلس الشورى المعين أعضاؤه، ما شهدته قاعة البرلمان في جلسة 26 شباط/فبراير الماضي من تراشق عنيف بالاتهامات والألفاظ الجارحة والمشادات الكلامية الحادة، بعد رفض رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني الطلب الذي تقدمت به كتلة نواب جمعية الوفاق لاستجواب الوزير الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة.

ووصف الكاتب البحريني محمد الصياد المشهد بأنه «أحد فصول الكوميديا السوداء التي أكثر البرلمان البحريني من عروضها المسرحية، وباتت تنافس وصلات السيرك الأكروباتية ببهلوانياتها المثيرة». ورأى أن نواباً «تألقوا في استعراض مواهبهم الإبداعية في إظهار ألوان قزحية من الطيش والهيجان والتراشق اللفظي الهارموني البديع»....، ما القصة وراء ذلك كله، طالما أن آليات الاستجواب للوزير، كما يريدها نواب «الوفاق» الإسلاميون غير متحققة، وطالما أن مسألة تقرير صلاح البندر أمام القضاء؟. هل ثمة ما يتجاوز البرلماني والسياسي إلى تنازع طائفي؟. هل تتغلب الحكمة فتقيل الحكومة الوزير الأزمة، كما جنبت أواخر العام الماضي وزيري الصحة والإعلام السابقين: ندى حفاظ، والدكتور محمد عبد الغفار استجوابين في البرلمانين وأقالتهما؟. هل تتمسك الحكومة بالشيخ أحمد بن عطية الله عنواناً على رفض الاستسلام في مواجهة لا تتعلق بوزير أو غيره؟. ليست الإجابة ميسورة ، ما دام الحال الاجتماعي والسياسي الداخلي في البحرين ينفتح على احتمالات بعضها مقلق.

البحرين.. أبعد من استجواب وزير في البرلمان
 
13-Mar-2008
 
العدد 17