العدد 17 - ثقافي
 

رسمي أبو علي

 ليس هناك طريق مختصرة للسعادة. وبالمنطق نفسه، ليس هناك طريق سهل للنجاح، وبخاصة بالنسبة للكاتب – هذا هو موضوع فيلم أميركي ظهر قبل بضع سنوات بعنوان "ليس هناك طريق مختصرة للسعادة".

يمكن اعتبار هذه المشكلة كلاسيكية إلى حد ما، فقد تم طرحها قبل ذلك بأساليب مختلفة – وفي رواية "فاوست" نعثر على الموضوع نفسه، حيث يبيع فاوست روحه للشيطان.  وهنا أيضاً، وفي هذا الفيلم يبيع الكاتب الأميركي المقيم في مانهاتن روحه للشيطان أيضاً مقابل النجاح السريع والانتشار والشهرة وصولاً إلى النساء الجميلات. لكن الشيطان هذه المرة يتجسد في شكل امرأة جذابة مغرية ليست من النوع الذي يخجل من القُبل أو غير ذلك، وفق تعبير الشاعر رامبو.. 

الكاتب الأميركي اسمه جافيز ستون. ويصفه أحد أصدقائه بأنه ليس كاتباً كبيراً إلا أنه أيضاً ليس كاتباً رديئاً، فهو متوسط الجودة لكنه واعد إذا ما واظب بصبر وجدية على إنجاز مزيد من الروايات.  إنه محبط الآن ودور النشر لا تقبل كتبه، فهو مفلس أيضاً – هنا وفي هذه اللحظة تبرز له المرأة – الشيطان عارضة عليه عقداً مدته عشر سنوات، تتعهد بموجبه أن توصله إلى الشهرة والانتشار والثراء مقابل أن يتنازل عن روحه . بالنسبة للكاتب فإن التنازل عن الروح أو بيعها هو شطب القوى الإبداعية التي لا يستطيع الكاتب أن يستمر بدونها. ويوافق ستون المحبط على الصفقة فيما تسارع المرأة الشيطان القادرة، إلى تلميع الكاتب والترويج له. 

لكنها منذ البداية، تشطب الرواية التي كان ستون يقدّر أنها ستلفت نظر النقاد والقراء . لم يستطع الاعتراض وفق شروط العقد – ورغم كل شيء وبفضل قوة الدعاية والإعلان والفضائيات والصحافة فإن اسم الكاتب يبدأ في اللمعان حيث يحقق كتابه، الذي أصبح تافها بعد شطب أكثر من نصفه، النجاح الكبير كما وعدته المرأة – الشيطان – وهكذا يصبح ستون خلال سنوات مشهوراً تتهافت عليه وسائل الإعلام، غنياً مقيما في شقة فاخرة ويحظى برفقة أجمل النساء.

ثم يبدأ يحس بأنه أضحى عاجزاً عن الكتابة، وبالتالي فإن كل ما يحيط به من نجاح وثراء وشهرة لا طعم له. يحاول التمرد على المرأة، لكنها تذكره المرة تلو الأخرى بأن العقد الذي وقعه ملزم،وأن أي إخلال به سيقوده إلى السجن ودفع غرامات باهظة. 

إنه الآن يعيش محبطاً بعد أن أدرك أن لا معنى للحياة ولا طعم إذا تخلى الإنسان وليس الكاتب فقط عن روحه. لكن بفضل أحد الناشرين المقتدرين (لعب دوره انطوني هوبكنز) يفلت أخيراً من قبضة المرأة الشيطان ليبدأ من جديد، ولكن مع عودة روحه هذه المرة.

هذا هو موضوع الفيلم وهو موضوع مطروح الآن، بشكل واضح، بعد أن تقدمت وسائل التسويق والترويج والتلميع، بحيث أصبح الكتاب الآن سلعة من السلع تتولى إحدى شركات الإعلان الترويج له وإنجاحه لبيع أكبر عدد من نسخه. 

بالنسبة لنا في العالم العربي، لم نصل بعد إلى هذه المرحلة، وإن كانت هناك بوادر ومؤشرات على أننا سنصل إليها خلال فترة قصيرة. فالعلاقة بين الكاتب والقارئ لم تعد، كما كانت في الماضي، بريئة ومباشرةلا تلوثها أي اعتبارات تجارية أو شخصية. ففي مطبعة الفجالة المتواضعة ظل الروائي الكبير نجيب محفوظ يصدر رواياته الواحدة تلو الأخرى على مدى أكثر من خمس عشرة سنة دون أن يتلقى أي عائد مادي يذكر، إلى أن تم اكتشافه ليحصل على النجاح الذي يستحقه. 

كان ذلك عصر البراءة قبل أن تدخل الاعتبارات الأخرى لتشويه سوق الإبداع وتقنيته حيث أصبح المتحكمون فيه مجموعة من دور النشر أحيانا كما حدث في جائزة بوكر Booker العربية. ولم يعد للقارئ رأي يذكر، فقد خرجت العملية من يده كليا.. 

من ناحية أخرى، ولاعتبارات مختلفة، فإن ورشات التلميع بالوسائل كافة قائمة الآن على قدم وساق، إذ يتم تلميع بعض الكتاب عن سابق عمد وتعميم لاعتبارات ليست ثقافية وليست أدبية ، وهذا يجري عندنا في الأردن كما يجري في كل مكان آخر. 

وفي هذا الوضع الذي لا علاقة له بالإبداع، فإن الكاتب الحقيقي الذي يرفض أن يبيع روحه مقابل أي ثمن مطالب بالاستمرار في الحفاظ على شرف الكلمة. وقد يظل هذا الكاتب في دائرة الإهمال، وربما لا يتم اكتشافه إلا بعد موته كما حدث لكثيرين ، لكن هذا يظل بالتأكيد أفضل وأشرف من بيع الروح أو القلم. 

مضى عصر البراءة وجاء زمن السوق: الكاتب المعاصر يمشي على حبل مشدود
 
13-Mar-2008
 
العدد 17