العدد 17 - ثقافي | ||||||||||||||
عدنان مدانات الأفلام السينمائية هي زاد شاشات التلفزيون العربية على مدار العام إلا قليلا، أو بالأحرى، إلا شهرا واحدا فقط تسيطر فيه المسلسلات التلفزيونية العربية على شاشات العرض ( وهو شهر رمضان الفضيل، الذي ظلت الأفلام السينمائية، ولفترة طويلة من الزمن، تعامل فيه وكأنها من المحرمات التي لا يجوز التعامل معها خلال هذا الشهر، فكانت تشطب من قائمة البرامج، مثلها في ذلك مثل أشرطة الفيديو كليب الغنائية، فيما يعكس نوعا من عدم الاحترام، غير الصريح أو غير المعلن، للسينما ). عروض الأفلام السينمائية تحقن البرامج اليومية بدماء جديدة يعلن عنها بطريقة احتفالية. جميع الأفلام تقدم للمشاهدين بصفتها من "روائع" السينما العربية أو العالمية. معظم الأفلام العربية ( المصرية هي الأوفر حظا )، التي تعرضها شاشات التلفزيون هي أفلام قديمة يروّج لها باعتبارها من كلاسيكيات السينما العربية الخالدة، يعود القسم الأكبر منها لزمن السينما بالأبيض والأسود وأبطالها كانوا نجوما في حينه وما يزال بعض المشاهدين، من كبار السن على الأقل، يحتفظون في ذاكرتهم ببعض من وميض نجوميتهم الغابرة. لهذا تحاط الأفلام القديمة زمن الأبيض والأسود أكثر من غيرها من الأفلام العربية بهالة من الألقاب والصفات المادحة ويحاط نجومها بهالة من التقديس مع أنها، في معظمها تتسم بالضعف الفني والتسطيح الفكري. الأفلام الأجنبية (الأميركية هي الأكثر شهرة وانتشارا بينها)، ذات حظ أوفر في الدعاية، لأنها تتوافر على مزايا لا تتوافر للأفلام العربية، أهمها أن بعضها حاز على جوائز من مهرجانات دولية، وفي "الجوائز" إغواء ما بعده إغواء، بخاصة إذا كانت تلك الجوائز من نوع جائزة الأوسكار، أو أنها من بطولة ممثلين (وممثلات) تحاك حولهم الأساطير ويلقبون بالنجوم. ثم ان الأفلام الأجنبية اكثر تنويعا من حيث النوع، ففيها نجد الفيلم الكوميدي والعاطفي والبوليسي والكاوبوي والخيالي العلمي وأفلام الرعب وأفلام الأطفال والشباب، وغيرها من أنواع تجود بها السينما على مشاهديها لتقديم وجبات من أفلام ممتعة غنية بالإثارة والتشويق مستفيدة من أحدث إنجازات التقنيات السينمائية خاصة في مجال المؤثرات البصرية. لكن، بغض النظر عن الدعاية المرافقة لعروض الأفلام على شاشات التلفزيون العربية التي تصفها بأروع الأوصاف، فإنها في معظمها تشترك في كونها لا تمثل إلا السينما التجارية الترفيهية. وإذا كانت هذه الأفلام التجارية تواكب التطورات الحاصلة في مجال السينما في العالم فهي لا تعرض منها إلا ما يتعلق بالتقنيات الجديدة الخاصة بالمؤثرات البصرية والسمعية والمستفيدة من التقنيات الرقمية، ولا تعكس بأي شكل من الأشكال، إلا فيما ندر، إنجازات فن السينما الراقي. وفيما يخص الأفلام "العربية" التي تعرضها محطات التلفزيون العربية غير المشفرة، فهي تقتصر على الأفلام المصرية دون غيرها من الأفلام "العربية" (من عجائب الأمور ما نلاحظه من انه حتى محطات تلفزيون بعض الدول العربية التي تنتج أفلاما سينمائية مميزة حاز قسم منها على جوائز من مهرجانات سينمائية عربية ودولية، لا تعرض أفلام بلدها بل تكتفي بعرض الأفلام المصرية)، هذا في حين تسيطر الأفلام الأميركية على جل المساحة المخصصة لـ"السينما العالمية"، كأن لا سينما في العالم غيرها. تعكس هذه النوعية من الأفلام التي تعرضها شاشات التلفزيون نظرة، أو موقفا غير ثقافي وغير فني من السينما وفهما لوظيفتها على أنها مجرد وسيلة ترفيه. وهذا أمر لا يشكل خطورة كبيرة و يمكن تفهمه بالنظر لرغبة التلفزيون في ان يكون جماهيريا وأن يرضي شرائح متنوعة من الجمهور وان يستجيب للأذواق المختلفة وللتكوينات الثقافية المختلفة والتي تتسم بانخفاض مستوياتها المعرفية. تكمن الخطورة في تقديم هذه الأنواع الترفيهية من الأفلام السينمائية، عبر أشكال الدعاية المختلفة، باعتبارها تمثل النموذج الوحيد لفن السينما، فتلعب بذلك دورا "تجهيليا" على المستوى الثقافي المعرفي. يقال عادة إن السينما أكثر الفنون جماهيرية. هذا يعني ان عشاقها كثيرون. وتضم قائمة عشاقها الكثيرين مشاهدي التلفزيون العرب والذين لا يرتاد معظمهم صالات العرض السينمائية على الإطلاق. يمكن تقسيم عشاق السينما بعامة إلى فئتين: الفئة الأولى هي الغالبية العظمى من الجمهور التي تريد من السينما ان ترفه عنها بأبسط الطرق واسهلها فيعثرون على ضالتهم في الأفلام السينمائية، العربية او العالمية، التي تعرضها شاشات التلفزيون، أما الفئة الثانية من عشاق السينما فهي تنتمي إلى الأقلية التي تفهم السينما على أنها فكر وفن راق، و هي لا تمانع في مشاهدة أفلام ترفيهية، لكنها ترغب، إضافة إلى ذلك، في أن تستمتع بمشاهدة أفلام أخرى من مستوى نوعي أرقى، وأن ترتقي بذوقها السينمائي اكثر فاكثر وان تزيد من معارفها وثقافتها في مجال السينما وان تتعرف ليس فقط على السينما الأميركية بل أيضا على إنجازات سينما وأفلام قارات ودول العالم الأخرى. الصيغة الوحيدة المتاحة لتلبية رغبات هذه الفئة الثانية من جمهور المشاهدين التلفزيونيين هي البرامج الخاصة التي يمكن أن تطلق عليها تسمية "نوادي السينما" التي تعرض الأفلام مصحوبة بمعلومات وافرة وتحليلات نقدية تسبق أو تلي العرض مباشرة فتصبح تجربة المشاهدة نتيجة لذلك ممارسة ثقافية وليس فقط فعالية ممتعة. بشكل عام، لا تعنى محطات التلفزيون العربية بالبرامج الثقافية المختصة التي تعرّف هواة السينما بالأفلام السينمائية المتميزة التي يقدمها مخرجون من أنحاء العالم كافة، ويطلق عليها بعض النقاد صفة الأفلام الفنية، على الرغم من أن لها جمهورها، بلا شك، رغم أن هذا الجمهور، في عرف البعض، جمهور من النخبة. البرامج السينمائية من هذا النوع نادرة وعددها أقل من أصابع اليد الواحدة موزعة على بضع محطات فضائية وأرضية ،ويشرف على الإعداد لها نقاد سينمائيون محترفون. لكن هذه النوادي القليلة العدد، بدورها، تعاني في معظم الأحيان من الإشكالية ذاتها التي تعاني منها العروض السينمائية العادية عبر المحطات التلفزيونية. فمن ناحية، لا تخصص لهذه البرامج الأموال الكافية التي تتيح لمعديها مجالا رحبا لاختيار الأفلام وتغطية حقوق العرض التلفزيوني، وهذه البرامج تكتفي بما هو متاح، لهذا، من ناحية ثانية، وعلى الرغم من أن هذه النوادي تعرض بين حين وآخر أفلاما مميزة عن حق ومتعددة المصادر والثقافات والأساليب الفنية، إلا أن معظم برامج عروضها لا تختلف في اختياراتها للأفلام في غالبية الأحيان، إلا في حالات نادرة، عن نوعية العروض العادية للأفلام عبر شاشات التلفزيون، أي الأفلام التي لا ترقى للعرض في برامج عرض أفلام فنية مميزة. ومن ناحية ثالثة، فإن لب إشكالية مثل هذه البرامج يكمن في التحليلات التي يقدمها بعض المعدين من غير النقاد المتخصصين، التي تمدح أو تعالج وتحلل جميع الأفلام دون منهج خاص وتساوي في محصلتها النهائية، مثلا، بين فيلم تجريبي فني ذي جماليات خاصة ومضمون إنساني وبين فيلم تجاري تشويقي خال من المضمون الإنساني ومن القيم الجمالية الراقية، شهرته الدعاية إما استنادا إلى سمعة مخرجه أو نجومه أو مؤثراته البصرية المتقنة، فينتج عن ذلك نوع من الإرباك المعرفي الثقافي السينمائي والتشويش على احتمالات تحسين سوية التذوق الجمالي للسينما، والذي لا يمكن أن يتحقق بدون منهج واضح في اختيار الأفلام وفي أحكام القيمة النقدية عليها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن نتساءل: أي عامل يمكن أن يجمع بين تذوق فيلم ينشر قيم المحبة بين الناس وتذوق فيلم مغامرات مشحون بعنف دموي يمارسه شخوص الفيلم ضد بعضهم الآخر، وما الذي يجمع بين فيلم مليء بالجمال وآخر يصور مشاهد مقززة ؟ وأخيرا: ما يثير العجب في عروض الأفلام السينمائية عبر الفضائيات العربية أن الفضائيات لا تعرض أفلام بلدانها، فلا الفضائيات اللبنانية أو السورية أو المغربية أو التونسية وغيرها، خاصة الجديدة، تعرض افلاما لبنانية وسورية ومغربية وتونسية، علما أن هذه الدول تحديدا تتوفر على كم من الأفلام الوطنية الجيدة ويلاقي بعضها نجاحا في المحافل السينمائية الدولية. |
|
|||||||||||||