العدد 3 - أردني
 

زيارة الملك عبد الله الثاني الخاطفة-المفاجئة إلى دمشق تثير عديد أسئلة لجهة مفاعيلها وتوقيتها وسط استحقاقات ملّحة إن على جبهة العلاقات الثنائية المتأرجحة بين التوتر والصور البروتوكولية أو أزمات المنطقة العالقة من رام الله-غزّة إلى بغداد مرورا ببيروت.

تأتي القمّة الأردنية-السورية- الأولى منذ أربع سنوات- على مفارق طرق ثنائية، إقليمية ودولية: قبل أيام من مؤتمر أنابوليس (ماريلاند) للسلام برعاية أميركية، عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لتحديد موقف موحد حيال هذا الاستحقاق وأيضاً قبل أسبوع من دخول مكاسرة الإرادات السياسية في لبنان مرحلة الحسم باختيار رئيس جديد وسط عدم توافق بين الخنادق المتناكفة.

مصادر في الديوان الملكي تشير إلى نجاح الدبلوماسية الأردنية في حسم غالبية الملفات الثنائية العالقة بعد أشهر من الجمود تخلّلها ثلاثة تأجيلات للجنة العليا الأردنية-السورية المشتركة، كان آخرها في منتصف الشهر الحالي. وتوّجت الملفات الثنائية بتعهد رئاسي بتسوية ملف محكومين ومعتقلين أردنيين داخل سجون سورية.

لم يحدد المصدر عدد المفرج عنهم “استجابة لطلب الملك”، علماً أن عدد الموقوفين والمحكومين الكلّي يصل إلى 210- بحسب لجنة معنية بالدفاع عن المعتقلين. على أن مصادر رسمية تحصر عدد الموقوفين في قضايا غير جنائية ب 20 أردنياً، عدد منهم يقبع خلف القضبان السورية منذ عشر سنوات ويزيد.

خروج القمة ببيان ختامي مفصّل- ثنائياً وعربياً- يعكس حجم الجهد الذي بذله البلدان قبل أسبوعين على الأقل من عقدها. غلّف البيان بلغة دبلوماسية ينتظمها تقارب في الرؤى حيال أزمات العراق، لبنان والأراضي الفلسطينية. التباين في مواقف الدولتين حيال هذه الملفات يلقي بظلال سلبية على العلاقات الثنائية، وسط دعوات شعبية واقتصادية بتفعيلها لمصلحة البلدين.

في 24 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اتصل عبد الله الثاني بالأسد وقرّر الزعيمان تأجيل الاجتماعات قبل سويعات من التئام اللجنة في عمّان. منذ ذلك الحين تواصل الحوار خلف الكواليس وصولاً إلى عقد اللجنة المشتركة بنتائج ملموسة بعيداً «عن الصور البروتوكولية»، بحسب مصدر رسمي أكد أن الأردن التقط إشارات إيجابية حين طرح قضايا المياه، وترسيم الحدود، والأمن.

رافق عبد الله الثاني عدد محدود من كبار المسؤولين في مقدمتهم مرافقه الشخصي الأمير علي بن الحسين، مدير دائرة المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي، ومدير مكتب الملك باسم عوض الله، ومدير الإعلام في الديوان الملكي أمجد العضايلة. بدأت زيارة بقمّة مغلقة في قصر الشعب تبعها جلسة عشاء في أحد فنادق دمشق الفخمة.

تفيد مصادر دبلوماسية بأن الزيارة الملكية جاءت في سياق ترتيبات دولية-إقليمية جديدة بمعرفة الرباعية العربية وقبول أميركي-أوروبي. تندرج هذه البادرة، بعد أسابيع من الحوارات الهادئة بين عمان ودمشق، ضمن ما تعرف ب»خارطة طريق» تتكئ إلى معادلة «الجولان مقابل لبنان» وضعها المعنيون بالانفتاح على دمشق الواقعة وسط ملفات متداخلة. هذه الخارطة تشكل جزءا من خارطة طريق اكبر مقترحة للشرق الأوسط عموما تستند إلى الانشغال الأمريكي بالإعداد للمؤتمر الدولي ودخول فرنسا كوسيط على خط الانتخابات الرئاسية في لبنان لانتخاب رئيس توافقي بتفويض أمريكي- سعودي-أردني-مصري.

المصادر ذاتها تقول إن سورية ترغب بالمشاركة في المؤتمر لكنها تطالب بتأكيدات أميركية بما يضمن استعادتها لمرتفعات الجولان التي وقعت تحت سيطرة إسرائيل قبل أربعين عاما. وتحاول دول الاعتدال العربي، من خلال الملك، تسهيل المشاركة السورية بعد الحصول على تأكيدات بأن روسيا ستستضيف مطلع العام المقبل مؤتمر متابعة ل “أنابوليس” مع ضمانات بأن يتناول جميع المسارات بما فيها المسار السوري وتحديدا ملف الجولان.

بعد الاجتماع المنفرد في أنقرة مطلع الشهر الحالي بين وزير الخارجية السوري وليد المعلم ونظيرته الأمريكية كوندزوليزا رايس، أطلقت رايس بالون اختبار حين أعلنت، في مقابلة تلفزيونية، ترحيب بلادها بمشاركة سورية في اجتماع أنابوليس، كما أبدى أولمرت عدم ممانعة إزاء مثل هذه المشاركة.

وتتوقع الأوساط السياسية تحركّات دبلوماسية مكثّفة خلال الأيام المقبلة في ضوء زيارة أولمرت إلى شرم الشيخ الثلاثاء الماضي.

من المقرر أن يعقد الملك اليوم محادثات في منتجع شرم الشيخ مع الرئيس المصري حسني مبارك في سياق حراك ما يعرف برباعية الاعتدال العربية، التي تضم فضلاً عن الأردن ومصر كلاً من السعودية والإمارات العربية المتحدة. يأتي هذا اللقاء بعد أن تلقى عبد الله الثاني إتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي جورج بوش حول ترتيبات عقب المؤتمر.

ثمة مساع أردنية لإدخال سورية ضمن شبكة أمان عربية لإسناد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في أنابولس.

مصادر سياسية في عمّان تقول إن عبد الله الثاني “يأخذ على عاتقه إعادة سورية إلى الحضن العربي» وسط أجواء مشحونة قبل أسابيع من التئام مؤتمر الخريف. وترى هذه المصادر أن الجغرافية-السياسية تفرض إعادة ترميم الجسور مع سورية معتبرة في المقابل أنه «لا يجوز أن تبقى هذه الدولة الجارة تتأرجح بين إيران والعالم العربي».

يذكر ان الأسد أثار استياء قادة عرب لا سيما العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، حين وصف قيادات عربية بأنصاف رجال وذلك في خطاب أعقب حرب لبنان في صيف العام الماضي.

جاءت الزيارة الملكية قبل أيام من محاولة وصول وزراء الخارجية العرب إلى موقف موحد حيال مؤتمر السلام.

عشية لقائه بالأسد، زار الملك القاهرة التي استضافت عددا من الزعماء العرب في مقـدمتهـم المـلك عبــد الله بـن عبـد العـزيـز.

في البيان الأردني - السوري الذي صيغ بدبلوماسية عالية، اتفق عبد الله الثاني والأسد على ضرورة “إيجاد حل عادل وشامل للصراع العربي- الإسرائيل وإسناد السلطة الفلسطينية في إقامة دولة مستقلة ضمن صيغة حل الدولتين”، ما فسّرته الأوساط السياسية هنا بأنه فوز للدبلوماسية الأردنية التي تدعم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) على أمل الوصول إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

على ان البيان خلا من اشارة مباشرة الى مؤتمر الخريف ما يشي بترحيل التوافق على هذه المسألة، إن تم، الى الأيام المقبلة. يقول مصدر رسمي إن الأردن “يتفهم موقف سورية من المؤتمر” لافتاً الى انه “لا يمكن الاختلاف على شيء غير معروف حتى الآن ولمّا توجه بعد الدعوات لحضوره”.

تنتظر الأوساط السياسية فيما إذا ستتراجع سورية او تمضي قدما في خطط لاستضافة مهرجان خطابي بالتقاطع مع مؤتمر أنابوليس بمشاركة معارضين للتسويات السلمية في مقدمتهم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تبسط نفوذها على قطاع غزّة منذ منتصف حزيران/يونيو الماضي.

وشدّد الزعيمان أيضا على ضرورة “تغليب المصالح العربية العليا لمواجهة التحديات الراهنة، وإلتزامهما بالعمل مع قادة الدول العربية وصولا إلى موقف عربي موحد حيال مختلف التحديّات بعيدا عن أي تدخلات خارجية». وأكدا أيضا « احترامهما لسيادة لبنان، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية» كما دانا «الاغتيالات كافة التي تمارس ضد الشعب اللبناني»، وطالبا بحل «توافقي لبناني فيما يتصل باستحقاق الانتخابات الرئاسية».

عراقياً، دعا عبد الله الثاني والأسد إلى أن تكون «الحلول لما يواجه هذا البلد العربي عراقية بالكامل بعيدا عن أي تأثيرات خارجية».

دبلوماسية البيان المشترك تخفي مواقف متباعدة بين عمّان ودمشق حيال لبنان والأراضي الفلسطينية، بحسب مصادر دبلوماسية عربية في عمان. يتفق البلدان في المقابل حيال استنفاد حكومة نوري المالكي لمبررات وجودها رغم الإسناد الأميركي وعواقب تسديد ضربة عسكرية أمريكية لإيران.

ثنائياً، اتفق الزعيمان “على المضي قدما في توطيد علاقات التعاون الثنائي في مختلف المجالات وتفعيل التضامن العربي المشترك لمواجهة التحديات التي تشهدها المنطقة». كذلك شددا على ضرورة وضع “حلول عملية وجذرية لجميع القضايا بين البلدين خصوصا فيما يتصل بالتعاون الاقتصادي والحدود والمياه والتعاون الأمني ومعالجة مشكلة المعتقليـن الأردنييـن في السجون السورية».

من بين الاتفاقات تجديد تزويد الأردن بالقمح السوري بعد أسابيع من وقف الإمدادات على خلفية شح الانتاج والمخزون في سورية، بحسب التبريرات الرسمية هناك. وقف الاستيراد من سورية أربك السوق الأردنية وساهم في دفع الحكومة لرفع الدعم عن هذه السلعة الاستراتيجية في بلد يستهلك زهاء 700 ألف طن قمح سنويا.

طلب الملك والرئيس السوري استئناف عمل اللجان الأمنية المشتركة لتسوية قضايا عالقة، خصوصا فيما يتصل بأمن الحدود ومكافحة التهريب، فضلا عن تقاسم مياه نهر اليرموك بعد ثلاث سنوات من بناء سد الوحدة المشترك.

ثمّة شكاوى أردنية من تسلل عناصر مسلحة وتهريب متفجرات عبر الحدود المشتركة، بحسب مصادر رسمية. يشتكي الأردن ايضاً من أن مئات الآبار الارتوازية وستة وثلاثين سدا داخل الأراضي السورية تحول دون ملء جسم السد، الذي يشكل ضرورة ملّحة. إذ لم يتجاوز حجم المياه المخزنة 10 من 110 ملايين متر مكعب.

شاب الفتور العلاقات السياسية بين البلدين الجارين اللذين ينتهجان خطيّن متناقضين في كثير من ملفات المنطقة الساخنة لا سيما حيال الأوضاع السياسية في الأراضي الفلسطينية ولبنان.

وكانت اللقاءات الرسمية على مستوى القمة انقطعت منذ تدشين سد الوحدة مطلع عام 2004، حين عرّج الملك عبد الله على دمشق لبضع ساعات.

في بداية عهدهما، كانت اللقاءات ودية وشبه دورية. منذ اعتلى عبد الله الثاني العرش عام 1999 وخلف بشار والده حافظ الأسد في العام التالي, استقبلت دمشق الملك عبد الله ثلاث مرات فيما زار الرئيس الأسد عمّان مرتين.

قياس مسافة التقارب بين عمّان ودمشق سيتضح بعد التئام اللجنة العليا وفي ضوء تحرّك الملفات الإقليمية العالقة علما أن العاصمتين الجارتين على طرفي نقيض في المقاربة الأيديولوجية: إذ ترتبط الأولى بعلاقات استراتيجية مع واشنطن بينما تقترب الثانية من فلك طهران.

مسعى أردني لنسج شبكة أمان عربية للمفاوض الفلسطيني.. قمة دمشق المفاجئة: بداية انفراج أم مجرد تسوية ملفات عالقة؟ - سعد حتر
 
22-Nov-2007
 
العدد 3