العدد 1 - أردني
 

هناك انطباعات عامة ترقى إلى القناعات بأن «الحياة تغيرت» في الأردن، وخصوصاً في العاصمة عمان . ويمكن وضع عام 2000 كحد زمني تقريبي لهذا التحول أو التغير، الذي ترافق مع الدخول إلى الألفية الثالثة .وإن كانت البدايات والمؤشرات سابقة على هذا التاريخ .

ولا يتوقف الأمر عند انطباعات الناس واستشعارهم لهذا الوضع المتغير، فهناك الى جانب ذلك أكلاف المعيشة، والجديد في المرئيات ومشاعر التوتر والانفعالات الظاهرة، التي جعلت الناس «يتغيرون» لا الوضع العام فحسب . هناك توترات إيجابية تجد تعبيراً لها بالإقبال على اكتساب المزيد من الخبرات والمهارات، مع ظهور مهن وخدمات جديدة.

والإقبال على العمل في القطاع الخاص بعدما كان هذا الإقبال مقتصراً على العمل الحكومي ، ويعود الفضل الأول في ذلك إلى أنظمة الضمان الاجتماعي. وإقبال الفتيات والنساء على العمل حتى في مناطق بعيدة عن سكناهم، وإقبال أفراد من الشرائح الوسطى على الاستثمار بدلاً من الادخار الفردي، كالاستثمار في بورصة عمان.

وعلى صعيد آخر، ولكن متصل، ازداد وعي الناس بحقوقهم في التنمية والخدمات الأساسية، وارتفعت وتيرة مطالبهم، وجرى الفصل بينها وبين المواقف السياسية، وذلك كمطالب تنموية وخدمية تشكل حقاً من الحقوق الأساسية . وقد تمثل ذلك في الاعتصامات والمسيرات وأحيانا الإضرابات، مع الحرص على النظام العام، والوقوع في تجاوزات في أحيان قليلة.

التوتر الإيجابي يمكن ملاحظته في الارتياح لتحسن خدمات إدارات عديدة متصلة بالجمهور مثل: أمانة عمان، وإدارة السير، ووزارة الصناعة والتجارة. كما يمكن ملاحظة مظاهر أخرى للارتياح، مثل النشاط الذي اعترى السياحة الداخلية بعد تحسن خدمات تنظيم هذه السياحة وبأسعار معتدلة. وحيث نمت الرغبة لدى الأردنيين في التعرف إلى وطنهم.

وتغيّرُ إيقاع الحياة، في واقع الأمر، يجد واحداً من جذوره في التغير الاقتصادي. وذلك مع تقليص الدعم الحكومي للسلع وبالذات المحروقات التي ارتفعت أسعارها أكثر من مرة. وهو ما ولّد حالة من القلق العام والشعور بأن زمن الحياة الميسرة قد ولى. وترافق ذلك مع نشوء ضريبة المبيعات مما أسهم في رفع أسعار السلع والخدمات. كما تواكب مع ارتفاع في الرواتب والأجور في القطاعين العام والخاص. غير أن زيادة نفقات المعيشة طغت على الزيادات في الأجور وتعدتها. وهو ما رفع حد الفقر إلى نحو 400 دينار للعائلة المتوسطة العدد في المدن.

وقد حرصت الحكومات المتعاقبة على الحفاظ على قدر من التدخل والرعاية عبر صندوق المعونة الوطنية ودعم المشروعات الصغيرة. مع توجه استراتيجي لردم الهوة بين المناطق والمحافظات ، عبر إقامة مناطق اقتصادية، وبخاصة في اربد والمفرق ومعان بعد تجربة العقبة.

وهي مشاريع طموحة. غير أن الحاجات العاجلة وضغوط المعيشة والثقافة السائدة، لا تستشعر مردوداً ملحوظاً لهذه المشاريع. وهو مما يبقي على حالة التشكي العام .كما أن اعتماد حد أدنى من الأجور بلغ حتى تاريخه 110 دنانير، لم يجر النظر اليه سوى من باب تحويل المتعطلين عن العمل إلى فقراء فقراً مدقعاً، علماً أنه يفترض بهذا الحد أن يكون متحركاً، وهذه هي فلسفته الأساسية.

هناك الآن مشاريع طموحة للتدريب المهني والتشغيل تتولاها القوات المسلحة وبأجور تتعدى الحد الأدنى للأجور بكثير لتصل إلى 191 ديناراً. ومن شأن الانخراط بها إحداث تغير ايجابي يعيد الاعتبار إلى العمل اليدوي والمهني، ويضمن إنشاء شريحة كبيرة من الفنيين والعمالة الماهرة، بما يغير الثقافة السائدة ويحد من الحاجة إلى العمالة الوافدة.

أما التوتر السلبي الطاغي، فيجد أوضح وأقرب تعبير له في أزمة السير الخانقة، وتدهور مستوى قيادة المركبات، ونقص في وسائل المواصلات العامة وارتفاع كلفة النقل بالتكسي الأصفر مع انخفاض مستوى الخدمة. وخلف ذلك يكمن القلق الشديد على المصير الفردي والعائلي، وذلك مع الارتفاع الهائل لأسعار العقارات والأراضي في العاصمة والمدن منذ أواخر العام 2004 مما جعل امتلاك شقة حلماً لأبناء الطبقة المتوسطة بعدما كان في دائرة الإمكان. وبينما يتناقص المعروض من الشقق، فإن تلك المتوافرة ترتفع أسعار إيجارها. حدث ويحدث ذلك فيما راجت في السنوات الثلاث الماضية قصص وحكايات عن أرباح طائلة وفجائية حققها مالكون نتيجة صفقات سريعة لبيع شقة او اكثر إلى مواطنين عرب أكثرهم عراقيون. إضافة إلى ظهور أنماط من الاقتناء والاستهلاك الترفي، وأوضح مظاهره ما لا يحصى من المركبات الفخمة رباعية الدفع ذات الكلفة العالية من الوقود، والمزيد من المجمعات الاستهلاكية (المولات) التي تجتذب العائلات وفئات الشبان في عمان وإربد والزرقاء والعقبة..

وفي النهاية، فقد أدى ذلك إلى غلبة التطلعات الاستهلاكية وكذلك الهم المعيشي على ما عداه، وتلونت وتأثرت الاهتمامات الأخرى وبخاصة السياسية بهذه الأولويات .ولم يقتصر الأمرعلى ما تقدم، إذ طرأ تغير كبير على أنماط الحياة، مع انتشار الكمبيوتر والإنترنت على نطاق هائل .يما في ذلك في بيوت الفقراء، وذلك مع انخفاض الأسعار وإمكانية شراء أجهزة مستعملة . لم يعد هذا الجهاز غريباًعن الطلبة في القرى والمناطق النائية بعد توفيره في المدارس. أما الإنترنت فقد أمكن استخدامه بشراء بطاقات، وفي أضعف الأحوال يتم اللجوء إلى محلات الإنترنت التي توفر هذه الخدمة بأسعار متفاوتة حسب المناطق. وسوف يتسع تأثير ذلك على أنماط التفكير والذوق الشخصي والسلوك الفردي والاجتماعي.

مع بداية الألفية الثالثة مضت سنة واحدة على تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية. ولا شك أن هذه الألفية ستكون مطبوعة في أذهان الأردنيين بعهد مليكهم الشاب حيث اتسم هذا العهد بابداء التواضع نحو لعب أدوار إقليمية دون أن يغيب الحضور الأردني في المنطقة .ففي هذا العهد بالذات تمتع الأردن بموقع هام داخل المعسكر العربي الرئيس الذي بات يضم مصر والسعودية والأردن ودولة الإمارات.

على المستوى الداخلي يستحق، ومن باب رصد التغيرات، تسجيل إنشاء هيئة مكافحة الفساد التي تنجز أعمالها بقدر من الكتمان، وهو أمر جيد للحؤول دون تسييس عملها، لكن الكتمان النسبي ليس جيدا من ناحية أخرى، لكونه يقلل من الأثر النفسي المتوخى للكشف عن حالات الفساد، وبدليل أن الجمهور العام بالكاد يعرف عن وجود الهيئة .

كما يسجل إنشاء "المركز الوطني لحقوق الإنسان " الذي يرصد أوضاع حقوق الإنسان بصورة موضوعية ومهنية، وقد قوبل إنشاء المركز كما قوبلت تقاريره باحتفاء كبير.

لكن المركز أيضاً ليس معروفاً على نطاق واسع إلا للمتابعين.

وفي المتغيرات الكبيرة أن الأردن نجح في مكافحة ظاهرة التكفيريين الخطرين، وقد تقلص تقبل المجتمع لهؤلاء ، كما تم رصد عدة حالات تعذيب من طرف منظمات دولية بما يدلل على أن جهداً آخر يستحق بذله لوقف هذه الظاهرة المسيئة. علما بأن مثل هذه التجاوزات هي التي يذيع عادة صيتها، وأكثر من الممارسات السليمة.

اجتماعياً

من أهم المتغيرات الاجتماعية تدفق العراقيين بأعداد كبيرة حتى تحولوا إلى جاليـة مستقرة ملحوظة الوجود. لم تنـشأ علاقــات اجتماعية قوية بينهم وبين الأردنـيين عدا علاقات العمل والشركات التجارية .غير ان ذلـك لم يكن بالشيء الجديـد بين الأردنــيين، فالعلاقــات بينهم تخثرت وتقطعـت .

ومن المظاهر الملحوظة انخفاض في عدد جرائم الشرف. دون أن تختفي الظاهرة، وهناك من يقرن في الخارج هذه الظاهرة بالأردن دون غيره من البلدان!. وفي واقع الامر، لولا التدخل الحكومي لتفاقمت هذه المسألة. علماً بأن التقدميين الأردنيين على اختلاف الوانهم يغضون النظر عنها، ويعتبرون أن هذه الجرائم لا تستحق الانشغال بها.

ومن المتغيرات أيضاً ازدياد ظاهرة الاعتماد على الخادمات الآسيويات في المنازل .لقد انتقلت هذه الظاهرة من دول الخليج إلى لبنان فالأردن. وتظل هذه الظاهرة رغم بعض الغرابة فيها أكثر قابليه لتفهمها من حلول العمالة الوافدة، محل العمالة الأردنية في مجالات الزراعة والبناء، وكأن الأردنيين من أصول مختلفـة لا عهد لهم بمهنة البناء!!.

ثقافياً

بدأ الاهتمام بصناعة أفلام سينمائية قصيرة. واستمر تراجع الدراما التلفزيونية. كما استمر النشاط المسرحي بمشاركة الجامعات وبدعم أمانة عمان، ولكن دون تحول المسرح إلى ظاهرة جماهيرية.

أما إعلامياً فقد شهد قطاع الإعلام نمواً، مع انضمام ثلاث صحف يومية جديدة: "الغد" و"الديار" و"الأنباط"، وزاد عدد الصحف والمطبوعات الأسبـــوعية، ومنها السجل التي بين أيـــدي القارىء. إلى سوق العمل الصحفي.

ليس القصد مما تقدم رصد مظاهر التجديد او التحول في الحياة العامة والفردية، فهذا الجهد يفيض عن حجم مقالة. بل غاية هذا المقال الموجز التأشير إلى بعض المفاصل الأساسية التي تعكس التغيرات المشار إليها وتجسدها. التي أدت في النهاية إلى تغير إيقاع الحياة: اليوم قصير وسرعان ما يمضي. الموبايلات انتشرت وقربت البعيد.. لكنها أبعدت القريب، الذي كان يتم اللقاء به وجها لوجة فأصبحت المسجات هي وسيلة التخاطب. التلفزيون هو الذي يجمع الأسرة إذا جمعها بينما الإنترنت يعزز الروح الفردية وكل منهم في ملكوته.

وعلى أ مل الإحاطة بجوانب المشهد فلسوف تعمل السّجل على الوقوف على آراء عدد من المتخصصين كل في مجاله لقراءة أوجه التغيير، وتبيان ما إذا كانت سالبة أم إيجابية.

ما الذي تغير منذ العام 2000 رئيس التحرير
 
08-Nov-2007
 
العدد 1