العدد 17 - رزنامه | ||||||||||||||
السجل – خاص في معرضه "عين الوردة" المقام على جاليري دار الأندى، تأسرُ أعمال التشكيلي النرويجي هنريك بلاكت البصرَ من خلال ذلك الطيف المنظَّم من الألوان والخطوط والتشكيلات الهندسية التي تذكّر بالبناء المعماري لقباب المساجد، وتستلهم أساسيات الزخرفة الإسلامية في الأماكن المقدسة، خصوصاً القباب المذهّبة في القدس وغرناطة. لا يقوم عمل بلاكت على تمثيل المكان بنقله رسماً كما هو في الواقع، وإنما من خلال التقاط الجوهر الحقيقي لهذا المكان، مازجاً خليطاً من تجاربه وتجارب المحيط من حوله وحتى الأمكنة الأخرى ليخرج بلوحات تحرر المكانَ من النظرة القدسية وتعيد له الحياة والضوء. كان مصدرُ إلهام الفنان لإنجاز لوحاته، كما يقول، رسماً جرافيكياً على أبواب بقالة مغلقة في القدس (بقالة أبو العز للخضار والفواكه). ويتكون هذا الرسم من خطوط بألوان متناسقة، تبدأ بالأزرق، ومن ثم الأحمر، فالبرتقالي، فالأصفر، وتنتهي بالوردي، وتنفصل الألوان عن بعضها بعضاً بخطوط رفيعة بيضاء، وتتوالى الألوان هندسياً كالأشعة المبعثرة، كما لو أنها هرم مقلوب. وتتشابه الأشعة الضوئية والشمسية، خصوصاً عندما تفترق خطوط الألوان وتبدو أنها تمتد إلى ما لا نهاية كما في الشروق والغروب. من هنا، حاول الفنان مقاربة روح المكان بتشكيلة من اللوحات تعتمد أسلوب التجريد الهندسي، ومراعاة التفاعل بين الظل والضوء، والعمق والسطح، حيث ارتكز في كل لوحة من اللوحات على بؤرة محددة تتشعب منها تكوينات وطبقات لونية تستكشف الذات وعلاقتها بالمكان المحيط بها. ويعتمد بلاكت التوجه الهندسي التجريدي الطبقي جسراً للعبور إلى مناطق في مكنونات الروح يصعب التعبير عنها.. خطوط تشكل شبكة مدهشة تدفع للتأمل الروحي العميق وتعيد صوغ الذات. في تجربته هذه يحاول بلاكت المولود في النرويج سنة 1973 والذي كرس السنوات الخمس الماضية للمساعدة في إنشاء «الأكاديمية الدولية للفنون» بفلسطين، وهو مشروع يحتوي في طياته على مفاهيم فنية وإنشائية، التعبيرَ عن رؤيته الرافضة للتحليل المبسط الذي يحاول النظر في الأسباب التي دفعته باتجاه مشروع بهذا الحجم، وعدم حصر هذه التجربة في خانة محاولة جسر الهوّة ما بين الشرق والغرب، وإنما النظر لها بوصفها إعادةَ بلورة لهوية الذات. ولعل عملية البحث عن مثل أعلى يجسّد هذا المكان «الجديد»، هي ما قاد بلاكت إلى عتبة الفنان والمؤرخ الفني الفلسطيني كمال بلاطة الذي اشتهر بلوحاته المكونة من طبقات تجريدية هندسية، وظّف فيها الموضوعات الإسلامية والخط العربي. لقد شاهد بلاكت محاولات بلاطة التي تتكئ على التعبير الهندسي والمجرد عن معاني مرتبطة بالبحث الوجودي. فاجتهد بلاكت لإظهار آلية البحث هذه بتوظيفه بعض المعالم البصرية الحاضرة بقوة في الفن الإسلامي، مثل المربع، وضم هذه المراجع المتناغمة في تعابيره الفنية الخاصة التي لقيت أصداء كبيرة في المعارض المتعددة التي أقامها في دول مختلفة مثل: إسبانيا، الولايات المتحدة الأميركية، السويد وألمانيا. |
|
|||||||||||||