العدد 17 - كتاب | ||||||||||||||
قدت في النصف الأول من آذار الجاري في أمستردام ندوة نقاش بعنوان "مقهى المتوسّط، نظرة مغايرة – تأمّل مشترك في التعاون عبر المتوسّط للفنون"، وهي الثالثة من نوعها في سلسلة مقهى المتوسّط التي تعنى بالأمور الثقافيّة والفنيّة المتنوّعة عبر المتوسّط والقضايا المتعلّقة بها. دعيت كاتبة هذه السطور بصفتها فنانة بصريّة تعمل في مدينة شرق أوسطيّة (تصنيف مفرح يضعنا، ولو نظريّاً، على شواطئ بحر جميل وسمك وفير)، لتقديم عملين، وذلك في سياق العلاقة بين الشرق والغرب. الشرق اليوم يحصل على التمويل والعديد من أدوات التعبير ويتأثّر بالموضوعات التي يعتبرها الغرب مثيرة عن الشرق. في المقابل، يقدّم الشرق مكاناً غرائبيّاً وموضوعات رائعة؛ فهو مسرح للعديد من صراعات ونزاعات وملاحم اجتماعيّة وسياسيّة. وكما قالت الهولندية نات مولر، منظمة المعارض التي تقيم تتنقل بين أوروبا والشرق الأوسط: "الحرب مثيرة." استضافت المؤسسة الأوروربيّة للثقافة الندوة، وأدارها الكاتب والصحافي كريس كوليمانز. شاركت فيها الناشطة الثقافيّة، بسمة حسيني من مصر، مؤسسة ومديرة المورد الثقافي، والعضو المؤسس للصندوق العربي للفنون، وشارلوت هيوغنز من هولندا، وتعمل على تنظيم المعارض بين أوروبا والشرق الأوسط. وشارك عبر الإنترنت الفنان اللبناني طارق عطوي وقدّم مشروعه الفني الذي يشترك فيه أطفال من المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان في صناعة الأفلام والموسيقى. دعت الندوة جمهوراً متنوّعاً طرح بعد نهايتها عدداً من التساؤلات وقدّم بعض الأجوبة. تناولت الندوة أبعاد العلاقة الأوروبيّة الشرق أوسطيّة التي ترتكز على افتراض أن التعاون بين الشرق والغرب تصبغه حاجة الغرب للسيطرة، وتعزز بذلك أشكالا من الثقافة الشرقيّة غريبة عن جذورها. وطرحت مجموعة من الأسئلة منها إن كان الفنانون في الشرق الأوسط يعتمدون على الأساليب الغربيّة في تصميم مشاريعهم ،أو استجابة بعضهم للموضوعات التي يفضلها الجمهور الغربي كوضع المرأة، وحقوق الإنسان والحروب مثلا أو أن يخضع اهتمام الغرب المتزايد بالفن العربي المعاصر للتشكيك إن كان لمضمونه جودة أو لأنّه مجرد موضة. المشاركة في ورشة كهذه أمر هام لفنانينا لعدد من الأسباب، ليس لأنّها تأخذ المشارك فيها إلى مدينة رائعة مثل أمستردام فحسب، ولكن أيضا لأنّها تثير العديد من الأسئلة عن وضع الفنان العربي أو الأردني اليوم في السياق العالمي، ومدى أهميّة أن يكون الفنان مدركا لهذا السياق. إحدى أهمّ القضايا اليوم أنّ الفنان أو الفنانة المحليّة في وضع حساس عندما تطرح من خلال الفن موضوعات اجتماعيّة أو تسليط الضوء عليها. هناك أمور من الطبيعي بل من واجب الفنان، أن يطرحها، كقضيّة وضع المرأة. فالمرأة ما زالت حتى اليوم منقوصة الحقوق وتتعرض للقمع على الأصعدة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والتشريعيّة وغيرها. من المهم أن تتناول فنانة في أعمالها الفنيّة أمر حريّة التعبير والحواجز التي تكبلها. من الصعب أن يتهرّب أيّ فنان في بلده من تناول موضوعات تخصّه شخصيّا وتعنيه كجزء من هذا المجتمع. إلاّ أنّ كون الغرب يبدي إزاءهاا اهتماما ويصب في مجاريها الأموال ويقدّم الدعم فإن التعبير عنها يصبح وكأنّه من باب نشر الغسيل الوسخ أو تعزيز الموقف الغربيّ الذي ينظر بدونية الثقافات المحليّة. أمام ذلك يتفادى الفنان طرحها حتّى لا يجاري الطرح الغربيّ من ناحية، وليبتعد عن أن يتّسم بالغربيّ ومسح الجوخ للغرب. لكنّها تبقى قضايا هامّة محليّا ويجب البحث فيها. إن العلاقة الغربيّة الشرقيّة أمر طبيعي، مثلها مثل العلاقة الشرقية والأقصى شرقيّة والشماليّة الجنوبيّة وكذلك التعاون والتبادل. وأن يستعير الفنان الأردنيّ وسيلة غربيّة للتعبير أمر جيد في صميمه. وأن تحصل مؤسسة ثقافيّة محليّة على الدعم من مؤسسة أوروبيّة أمر إيجابيّ من حيث المبدأ، لكن موازين القوى القائمة تؤثّر على هذا التفاعل، وتنزع عنه صفة التعادل والتكافؤ الأساسيين لقيام علاقة صحيّة. الفنان في نهاية المطاف يستجيب لذلك النداء الذي يلزمه أن يكون فنانا ولديه عمل فني يمارسه وأعمالا يصنعها، وهي ممارسة في غالبها فرديّة ومعزولة تعتمد البيئة المحيطة والعلاقات الإنسانيّة والتجارب الشخصيّة، وتحتاج إلى جمهور يتفاعل معها ومشهد فنيّ يمنحها السياق بدعم من جهات ما، أو على الرغم من هذا الدعم. أمستردام مدينة حلوة في بلد يتميّز أهلها بممارسة الحريّة حتى أعلى سقوفها عالميّا، وهناك الكثير الذي يمكن تعلّمه منها ومن ناسها. السؤال: كيف نتمكن من التعامل مع كلّ هذه الحريّة لو كان لدينا مثلها. علاقة الغرب والشرق معقّدة جدا وقديمة جدا. وتنطوي على العديد من الأسئلة، ولكل سؤال أجوبة عديدة تثير بدورها أسئلة جديدة وهكذا. ليس الغرب مطلقا ولا الشرق مطلقا. وفي صميم هذه الأسئلة جميعها ليست هناك حقائق مطلقة ولا بدّ من تنوّع وجهات النظر. وأكثر ما يُخشى منه هو تراجع التعبير إلى زاوية أكثر ضيقا وعتمة خوفاًَ من نشر الغسيل الوسخ. لا يمكن للغسيل أن ينظف إلاّ بنشره. |
|
|||||||||||||