العدد 17 - كتاب | ||||||||||||||
بعيدا عن الفقر والبطالة والغلاء أريد أن أخبركم قصة صغيرة، لنعود بعدها للحديث عن الواقع وحلوله. تدور القصة حول شاب وفتاة تزوجا حديثاً، ورغم عوز الحال وضيق الأسباب، قرر كل منهما دون أن يُعود الآخر بأن يهديه هدية في عيد زواجهما الأول. الزوج، وبعد تفكير طويل، قرر أن يقدم لزوجته مشطاً مزركش لتضعه فوق شعرها الطويل وتتزين به أمام قريناتها. الزوجة قررت أن تهدي زوجها سلسلة فضية لساعة الجيب التي ورثها عن جده. لم يخبر أي منهما الآخر عن نواياه، وبما أنهما لا يمتلكان الكثير، قام الشاب ببيع الساعة التي ورثها عن جده ليشتري المشط لزوجته، وقامت الزوجة بالذهاب إلى مصفف شعر وباعته شعرها لتشتري السلسلة لزوجها. يأتي عيد الزواج، فيقدم الشاب لزوجته المشط، وتقدم هي في الوقت ذاته السلسلة، مشط لشعر ذهب، وسلسلة لساعة الجد التي بيعت. هل تتخيل كيف نظر كل منهما للآخر؟ وكيف أحس كل منهما حين مد يده بالهدية. أهمية القصة لا تكمن في أنها تمثل كيف يضحي الفقراء من أجل من يحبون، وكيف يبيعون لكي يشتروا لأن ضيق الدخل لا يفي بالحال. الدرس الرئيسي في القصة هو أن اقتصاد السوق (المبني على عملية المبادلة الحرة بين طرفين) يفشل حين لا يتواصل أطرافه، وحين يفتقر السوق إلى المعلومات، فيكثر الغش والخسائر، ويبدأ الناس بالبحث عن البدائل. فلو أن كلاً من الطرفين أخبر الآخر بنيته لكان الناتج أعظم دون شك، وهو ما ينطبق على واقع الحال لدينا. فالكثيرون كما أثبتت المسوحات التي قام بها مركز الدراسات الاستراتيجية وجريدة الغد مؤخراً يخافون من إعلام الحكومات المتتالية بما يحسون فعلاً وما يرغبون به، فيعزفون عن المشاركة الديمقراطية في صياغة القرار سواء بانتقاده أو المطالبة بتغييره. وهكذا أصبح صانع القرار يعتقد بصواب قراره في كل مرة، وأصبح لا يقبل النقد، ويشخصن الأمور كلما تم التعرض إلى ما يفعله، وأصبح جزاء المنتقدين هم قلة، عقابهم اقتصادياً ومادياً أو حتى من خلال عدم الاستماع إلى ما يقولون. وأصبح السكوت من ذهب، فذهب ما ذهب، وتراكمت الأخطاء جيلاً بعد جيل، وعزفت المهارات عن الخوض في ما تريد، ورحل منها الكثير حتى صرنا بعد سنين نشكو من هجرة العقول بعد أن كان الإنسان أغلى ما نملك. قال أحدهم، إن تعريف الديمقراطية يتطلب أن يكون هناك اتساع لصوت معارضة واحد على الأقل. كما أن من المثبت أنه لا تتم التنمية في بلد ما إلا إذا ارتكزت على الديمقراطية، وإلاّ فكل ما نشهده من أرقام نمو لا تحل مشاكل البطالة أو الفقر أو الغلاء. يجب عدم الخلط بين نمو لبضع سنين ينتج عنه ازدياد الهوة بين الغني والفقير على أنه نمو، لا، رجاء... قد ترتفع معدلات النمو لأن سعر البترول صار أفضل، ولكن التنمية تعني التواصل أولا بين العامة والقطاع العام... وإلا فسنعود إلى قصة المشط والسلسلة مرات ومرات. * مدير شركة الرؤيا للاستشارات الاقتصادية ymansur@enconsult.com |
|
|||||||||||||