العدد 17 - أردني
 

خليل الخطيب

المسح الصحي الذي أجرته وزارة الصحة على طلبة المدارس في صفوف الثامن والتاسع والعاشر يفجر قضية الثقافة الجنسية على أوسع مداها، إذ اظهر أن 87بالمئة من الطلبة لديهم معلومات عن مرض الإيدز و56بالمئة منهم تعلموا طرق الوقاية من هذا المرض. علماً بأن موضوع الإيدز غير مطروق إلا في درس واحد من دروس اللغة العربية في الصف التاسع وعلى هامش دروس الأحياء في الحادي عشر المتعلقة بالجهاز التناسلي.

«المفارقة أننا لا نعلم الطلبة ما يكفي عن الموضوع ومع ذلك نجدهم يعلمون» يقول أحمد أبو سلمان، معلم في مدرسة خاصة، ويتساءل مندهشاً: «من أين تعلموا طرق الوقاية؟ ونحن في عمرهم لم نكن نعرف شيئاً».

يقر أبو سلمان، باستحالة أن تكون معارف الطلبة الجنسية أتت من الكتب المدرسية: «نحن نعلمهم منذ مرحلة الروضة ضرورة استخدام فرشاة الأسنان ومع ذلك 23 بالمئة منهم فقط يستخدمونها».

يقول مجموعة من الطلبة والطالبات في مدارس خاصة وحكومية استطلعت «ے» آراءهم «بأنهم يعرفون كل ما يريدون معرفته بواسطة الإنترنت».

الطالب أمين عبد الهادي، من الصف العاشر، يجادل دون أن تفارقه ابتسامته الساخرة «لا يوجد موضوع في الدنيا لا تجد عنه شيئاً في الشبكة، المهم أن تحدد اختيارك» وتصف الطالبة شيرين من الصف الحادي عشر «اعتقاد معظم المعلمين والأهالي أن جميع المواقع التي تتحدث عن هذه المواضيع سيئة»، وترى «أن الكثير من المواقع تناقش هذه الأشياء بطريقة محترمة وبجرأة لا تسيء».

بات ضرورياً أن تقدم المدارس الثقافة الجنسية للمراهق على نحو علمي تربوي مدروس حتى يتعامل مع معطيات الإنترنت من زاوية الشخص العارف الواعي، تشرح مديرة مدرسة المشرق الدولية التي تعمل وفق نظام البكالوريا الدولية هناء الناصر ملحس وتضيف: «لا يجوز أن ندفن رؤوسنا في الرمال، العالم أصبح مفتوحاً والمعرفة متاحة وطلابنا ليسوا سذجاً كما قد يظن البعض».

تتفق المعلمة غدير الحطبة، التي تعمل في مدرسة دولية أيضاً مع الرأي السابق وتحذر «إن الاستمرار في السكوت عن تعليم الطلبة الثقافة الجنسية يدفعهم دفعاً نحو مصادر قد لا تكون سوية» وتنبه: «لكنك حين تطرح ذلك تجد أن الكثيرين يصرون على أن تدرس الثقافة الجنسية في إطار مادتي العلوم والتربية الدينية مما يجعلها حصة تقليدية»، تسهب الحطبة مؤكدة « هذه المادة ينبغي أن تدرس كموضوع مستقل تماماً من قبل معلمين مؤهلين علمياً وتربوياً». يعارض النائب الإسلامي، حمزة منصور ،الدعوة لتدريس الثقافة الجنسية كمادة مستقلة، ويشير الى أن: « الثقافة الجنسية للشباب والرجال والنساء ضرورية وقد لاحظنا ذلك في تربية الرسول للصحابة وكتب التربية الإسلامية والعلوم تحتوي على ما يكفي حول هذا الموضوع».

أما النائب موسى الخلايلة، الذي يعد من الوجوه العشائرية، فينظر إلى الموضوع من زاوية أخرى «الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة عموماً، هي أمور حساسة وخصوصية، وينبغي التعامل معها من باب الحياء، لأن الحياء هو من خلق المؤمن، لذلك فإن الحديث عن هذه الأمور يشجع الانحلال والإباحية، ونحن في غنى عن ذلك».

رأي الخلايلة يلقى هوى حتى في الأوساط التربوية، إذ يجادل المعلم أحمد فرج، مدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة حكومية، ساخراً: «أولادنا لا يحتاجون من يعلمهم هذه الأشياء، فهم يعلمون حولها أكثر مما يجب أصلاً، والذين ينادون بتعليمهم ذلك، هم دعاة فساد وإباحية»

السخرية الملازمة للجنس عموماً تنعكس على آراء طلاب يتندرون بالفكرة ،من زاوية أن حصة من هذا النوع « لن تكون ناجحة لأننا نعرف أكثر من المعلمين ولأن المعلمين مهما كانوا متفتحين فإنهم سيحولون المادة إلى محاضرات مملة نحن لسنا بحاجة للمزيد منها».

وعلى خلاف آراء تربوية لا تأخذ آراء الطلبة على محمل الجد، يلحظ أخصائي التربية سامر عبد الهادي، وجاهة في طرح الطلبة، ويقترح: «لتدريس الثقافة الجنسية لا بد من مقومات غير تقليدية في طبيعة المادة وطرائق تعليمها ومؤهلات المعلمين». ويركز على الجزئية الأخيرة شارحاً : «المعلم ينبغي أن يكون مؤهلاً علمياً وتربوياً، ومسلحاً بطرق حديثة في التدريس تمكنه من عرض المادة بصورة فعالة دون الوقوع في فخ التقليدية أو الهزل». تريط تقارير منظمة الصحة العالمية، بين مستوى انتشار التوعية والقدرة على الحد من انتشار الأمراض الجنسية ومعالجتها، وتؤكد هذه التقارير تحقيق تقدم في البلدان التي تبنت استراتيجيات تثقيفية إلى جانب الاستراتيجيات العلاجية في حالات مكافحة أمراض كنقص المناعة المكتسبة والسيلان والزهري وغيرها، كما في جنوب أفريقيا والهند بعكس بوتسوانا التي تأخرت حتى انخفض العمر المتوقع لسكانها إلى 33 سنة مما يهدد شعبها بالانقراض.

ويذكر الباحث عبد المولى حسنين، في كتابه «الثقافة الأسرية والتغير السكاني» أن الثقافة الجنسية معتمدة في كثير من بلدان العالم، وأن الصين تعتبرها أحد متطلبات تخرج أي طالب في المرحلة الثانوية، ومع ذلك فالصين لا تعاني من مشكلات خطيرة على المستوى الأخلاقي أو انتشار الأمراض الجنسية.

مادة “ثقافة جنسية” للمرحلة الثانوية: ضرورة معرفية يراها آخرون دعوة للانحلال
 
13-Mar-2008
 
العدد 17