العدد 3 - أردني | ||||||||||||||
مروان مروان ابن الثمانية عشر ربيعاً كان جنيناً في بطن أمّه حين أودى لغم بحياة والده في منطقة الأغوار. فأطلقت الأم المكلومة اسم أبيه عليه حتى لا تنسى. لن تنس عائلة مروان عمق الجرح الغائر منذ جاء نبأ مقتل أب في مقتبل العمر قاده قدره إلى حيث لغم منسي في وادي الأردن. اكتشفت الأم أنها حامل بعد وفاة زوجها. وحين جاء الطفل إلى الدنيا حمل اسم مروان حتى تظل ذكراه حاضرة.. وهو الآن طالب جامعي في سنته الأولى. قصّة مروان الابن، شقيقه الأكبر وشقيقتيه، تختزل مآسي عائلات 568 ضحية ألغام في الأردن، الذي خاض ثلاثة حروب إقليمية قبل أن يبرم معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994. تترك الألغام ضحايا منسيين، عائلات فقدت أحد أفرادها أو عاد إليها عاجزاً بدون أطراف.
مأساة عائلة صيف 1989، «كان زوجي يسير في منطقة الرامة بالأغوار داخل البكب العائد له بحثاً عن أرض لكسارته عندما ثار لغم فيه، فقتله على الفور»، بأسى تستذكر السيدة ام مروان ذلك اليوم، وتضيف: «حين ذهب أشقاؤه إلى المنطــقة قالــوا إنها خاليــة من أي إشارات تحذيرية.. السياج لم يكن موجوداً.. وكان جزء منــه واقعاً على الأرض». رغم مرور السنين ما تزال الصدمة تقيم في حياة الأسرة: أطفال كبروا وتعلموا وتزوجت أكبرهـم في غــياب الأب. تقول الأم: «لا يمكن أن أصف مشاعري. كانت ساقاه مقطوعتين، وكان عنقه مربوطاً بشــاش ووجهــه أزرق اللــون وشاحـباً. والأرض لـم تكن تحملني». «اللغم الذي ثار بزوجي زرع عام 1948- تاريخ قيام الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى - حسبما تستذكر ام مروان، التي تعمل حالياً موظفة. اذ اسفر ذلك الانفجار عن تدمير كرسي وكابينة القيادة. تفيد السجلات الرسمية بأن 568 شخصاً تعرضوا لانفجارات ألغام في الأردن حتى مطلع الشهر الحالي، بحسب الهيئة الوطنية لإزالة الألغام. وتعد محافظات إربد، والمفرق والبلقاء الأكثر تعرضاً لآثار الألغام. في كلمته الافتتاحية أمام الاجتماع الثامن للدول الموقّعة على معاهدة حظر الألغام، أكد الملك عبد الله الثاني «أننا في الأردن نرفض الاستعمال العسكري للألغام الأرضية. فهي أسلحة لا تميّز بين الأهداف وتظل فعّالة في تهديدها لمدة طويلة». وذكّر الملك بأن أهم ضحايا الألغام هم «الأشد فقراً والأكثر ضعفاً وتعرضاً للمخاطر». شارك في اجتماع البحر الميت 1100 شخصية عالمية من 155 دولة موقعة على الاتفاقيات الدولية بحظر الألغام ودول أخرى. وهذا الاجتماع هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط بعد شهرين من الذكرى العاشرة لتبني المعاهدة الدولية. تعكف عدة جهات بالاتفاق مع الحكومة على حصر الألغام في الأردن التي زرعت قبل عقود لأسباب تتعلق بالحروب التي خاضتها المنطقة، والتعامل مع نتائجها. من بين هذه الجهات الهيئة الوطنية لإزالة الألغام، وجمعية الناجين من الألغام، وجمعية المساعدات الشعبية النرويجية. مدير مكتب الأردن لجمعية المساعدات الشعبية النرويجية ياسين المجالي يؤكد أن جهود هيئات مكافحة الألغام أثمرت «عن إزالة 53 ألـف لغـم من منطـقة وادي عربة والعقبة حتى نهاية الأسبوع الماضي». عدد الألغام المزروعة في الأردن يقدر بـ 305 آلاف لـــغـم، بحسب إحصائية صدرت عام 1993، قبــل عام من إبرام معاهدة السلام. أزيل حتى الآن 190 ألف لغم، وفقاً للتقديرات الرسمية. فضلاً عن نشاطه في إزالة الألغام، تقدم جمعية المساعدات الشعبية النرويجية (فرع الاردن) دورات تدريبية بإشراف مستشارين وفنيين دوليين وأردنيين. ويعمل فريقه المؤلف من 130 عنصراً، 90 ٪ منهم أردنيون، على مسح الألغام وإزالتها باستخدام ثلاث تقنيات: الإزالة اليدوية، وعبر كاسحة الإلغام، واستخدام الكلاب المدربة. نائب مدير عام الهيئة الوطنية لإزالة الألغام محمد أبو دلو تحدث من جانبه عن أعمال «إشراف وتخطيط لإزالة حقول الألغام، وتوعية المواطنين في المناطق المتأثرة بحقول الألغام فضلاً عن مساعدة الناجين بالتعاون مع القوات المسلحة». في هذا السياق، أنشئ المركز الوطني للبتور لإعادة تأهيل المصابين صحياً ونفسياً ووظيفياً، ووضع قوانين وتشريعات تتوافق مع الاتفاقيات العالمية لحظر الالغام وكيفية التعامل مع المصابين. وتقدم جمعية الناجين من الألغام، بحسب حسن القطراوي، مسؤول قاعدة البيانات في الجمعية، ثلاثة برامج أساسية: الصحة، والحقوق، والفرص الاقتصادية، وهي جميعاً صممت لمساعدة الناجين. وتشتمل خدماتها على «تأمين أطراف اصطناعية وأدوات الحركة للمصابين بالتعاون مع عدة جهات داعمة، وتوعية الناجين بحقوقهم، وتوفير فرص العمل لهم». ويشير القطراوي أيضاً إلى برنامج «دعم ناجي لناجي» حيث إن معظم المنسقين الميدانيين للجمعية هم من الناجين أو فاقدي الأطراف. تكمن مهمة هؤلاء الأشخاص ب«زيارة ناجين جدد ورفع معنوياتهم على أساس أنهم مروا بالظروف نفسها». آخر ضحايا الألغام نجا من الموت بأعجوبة في المفرق خلال العام الحالي، بحسب القطراوي. مضى ابو مروان لكن عائلته تبقى متسلحة بالامل والذكرى. “كنا على قمة جبل.. ثم تدحرجنا في واد» بهذه العبارة تصف أم مروان الأثر الذي تركه رحيل زوجها عنهم. وتتابع قائلة: «كنت قبلاً ربة بيت، واضطررت أن أعمل وأكافح في الحياة، وأكون الأب والأم والصديق لأبنائي بمساعدة أعمامهم وأهلي”. |
|
|||||||||||||