العدد 16 - دولي
 

على الرغم من المدى الزمني الطويل نسبياً الذي يفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في تشرين الثاني المقبل، فإن الرحلة إلى البيت الأبيض ما زالت تلد المفاجآت. وفيما رست رهانات الجمهوريين على جون ماكين، فإن رهانات الديمقراطيين ما زالت تراوح بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما.

هيلاري التي تصدرت المتسابقين إلى البيت الأبيض لشهور، وتقدمت على الجميع في استطلاعات الرأي تبدو هذه الأيام في وضع صعب تماما في مواجهة باراك أوباما الذي تزداد فرصه ليكون المرشح الديمقراطي الذي سيخوض انتخابات الرئاسة ضد ماكين، وهي في سعيها المحموم للفوز في ولايتي تكساس وأوهيو إنما تستعد لرمي «زهرة النرد الأخيرة» في جعبتها على حد تعبير صحيفة «الأوبزرفر البريطانية»، ففشلها في أي منهما إنذار بخروجها من السباق، وخروج آل كلينتون من السياق؛ فالمعركة التي تخوضها هيلاري هي في أحد وجوهها معركة آل كلينتون الذين أقاموا في البيت الأبيض ثماني سنوات ويودون العودة إليه.

ولأنها تدرك مدى صعوبة المعركة التي تبدو في نهاياتها، فإنها بدأت في التحرك على جبهتين: الإدلاء بتصريحات تبدو فيها أكثر ليبرالية وديمقراطية من أوباما، وشن هجمات متتالية على خصمها القوي حتى من خلال التشهير بأصوله الإفريقية وإعادة التذكير بخلفيته الإسلامية.

على الجبهة الأولى، قالت هيلاري إنها في حال نجاحها في الانتخابات، سوف تطالب برحيل شركات الحماية الخاصة العاملة في العراق مثل شركة بلاكووتر التي قتل موظفوها 19 مدنياً عراقياً في ساحة النسور في بغداد في شهر أيلول من العام الماضي. وبذلك فإنها أبدت موقفا أفضل من موقف أوباما الذي قال إنه سيحتفظ بهذه الشركات، ولكنه سوف يضعها تحت مراقبة صارمة ويعرضها للمساءلة.

على الجبهة الثانية، عرضت هيلاري فيلماً إعلانياً يصور البيت الأبيض في منتصف الليل، ومجموعة من الأطفال تغط في نوم عميق بينما جرس الهاتف يرن. وسرعان ما ينطلق صوت قائلاً: «إنها الثالثة فجراً، لا بد أن شيئاً يحدث. من الذي سيرد على الهاتف؟» بمثل هذا الإعلان التلفزيوني الذي يحذر من أن فوز أوباما يحمل خطراً على الأطفال من الإرهابيين.

وعلى الجبهة نفسها أشارت هيلاري إلى تأييد الزعيم الشعبوي الأسود المسلم لويس فراخان لأوباما، وذلك في المناظرة الأخيرة التي جرت بينها وبين أوباما، وفي الإطار نفسه يمكن وضع الاتهامات التي وجهتها لأوباما بأنه ينتحل خطاباته وبأنه يسير على خطى كارل روف، مساعد بوش الذي أجبر على الاستقالة في الإدلاء بمعلومات كاذبة، وكذلك نشر صورة لأوباما وهو يرتدي عمامة في موطن أبيه كينيا، مع ما في ذلك من تلميح إلى الأصول الإفريقية والإسلامية لأوباما.

وقد نفت هيلاري أن تكون هي التي سربت الصورة لنشرها، ولكنها بالتأكيد جزء من السباق الذي ازداد سخونة مع دخول المرشح "اليساري" ذي الأصل اللبناني رالف نادر؛ فمن المعروف أن نادر سوف يأخذ أصواته من المرشح الأكثر «ديمقراطية» إن جاز التعبير، وهو في هذه الحالة أوباما، ما يعطي السيدة كلينتون التي أرهقتها الحملة بعض الأمل في الفوز، وبخاصة أنها خسرت 11 ولاية خلال الشهر الأخير من السباق بعد الثلاثاء الكبير.

غير أن هيلاري تبدو أكثر صلابة مما تظهرها الصور وأقوى مما تشير إليه استطلاعات الرأي، وقد بدأت تلمح أخيراً إلى الخيارات العديدة التي تمتلكها، ومنها: الفوز في الولايتين، أو الفوز في ولاية منهما والاستمرار في تحدي إرادة قادة الحزب الكبار الذين يريدون مرشحاً أكثر قوة وذكاء، أو التركيز منذ الآن على الفوز بأصوات ولاية بنسلفانيا التي سيجري فيها التصويت فيها بعد ستة أسابيع. وبين خياراتها، كما قالت صحيفة «الأوبزرفر» البريطانية رفع دعوى في المحكمة للمطالبة بإعادة فرز الأصوات في ولايتي فلوريدا وميتشيغان، بل وخوض معركة حول قوانين الانتخاب في تكساس التي ترى أنها غامضة، وذلك حتى قبل التصويت فيها.

قد تبدو هذه كلها علامات يأس أكثر منها خيارات معقولة ومطروحة، ولكن هذا، في النهاية، هو الوضع الذي وجدت هيلاري نفسها فيه اليوم؛ وقبل أيام حاولت هيلاري إظهار قدراتها في الحصول على المال اللازم لتمويل حملتها الانتخابية، فتمكنت من الحصول على 35 مليون دولار، ولكن أوباما جمع نحو 50 مليون دولار.

ربما كان من المبكر القول إن السيدة كلينتون تعيش آخر لحظاتها كمتنافسة على السباق إلى البيت الأبيض الذي تعرفه جيدا، ولكن ما تعرفه السيدة الأولى السابقة تماما هو أنها لا تواجه خصماً عادياً بل تواجه حركة بأكملها؛ تواجه ظاهرة اسمها باراك أوباما.

الانتخابات الأميركية: هيلاري تستعد لرمي زهرة النرد الأخيرة
 
06-Mar-2008
 
العدد 16