العدد 16 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص قبل نحو عقدين، انتهى عهد النشرات السرية الحزبية بظهور أسبوعيات تنطق باسم تنظيمات سياسية مستفيدة من قانون جديد للمطبوعات والنشر وآخر للأحزاب ينظم عملها بعد 35 عاماً من الحظر الرسمي، حسبما يستذكر إعلاميون «مؤدلجون» حزبياً. إلا أن معظم تلك الأسبوعيات ما لبثت أن تراجعت ثم اندثرت لضعف التمويل، ضيق دائرة انتشارها وغياب الإسناد الحكومي الممثل بتوزيع كعكة الإعلانات الرسمية على الصحف المقربة من السلطة. رئيس تحرير صحيفة الأهالي السابق، أسامة الرنتيسي، يستذكر كيف استفادت الصحافة الحزبية العام 1993 من قانون المطبوعات والنشر الذي منح «الأحزاب السياسية حق إصدار مطبوعة خاصة بها، إذ لم يشترط أن يكون رئيس تحرير الصحيفة الحزبية عضوا في نقابة الصحفيين، كما لم يلزمها برأسمال محدود من أجل الصدور». بخلاف هذا الاستثناء، يشترط القانون على رئيس تحرير اليوميات والأسبوعيات غير الحزبية أن يكون عضواً في النقابة منذ خمس سنوات على الأقل. ساهم ذاك في صدور العديد من الصحف الحزبية، فبتنا نشاهد صحيفة «الجماهير» الصادرة عن الحزب الشيوعي الأردني في الأكشاك وبين الصحف والمجلات الأخرى، وهي التي كانت على مر أربعين عاماً ممنوعة من التداول، ويسجن قارئها أو مروجها أو المشارك فيها، كما ظهرت صحف الأهالي ونداء الوطن والبعث والعهد والمستقبل. تُعرف الصحافة الحزبية، وفق الرنتيسي، على أنها «الصحف التي تعبر عن فكر سياسي معين أو اتجاه أو مذهب إيديولوجي خاص، وتتحدد وظيفة الصحيفة الحزبية في الإعلام عن فكر الحزب والدفاع عن مواقفه وسياساته ويغلب عليها طابع صحافة الرأي». تصدر الصحافة الحزبية عن الحزب السياسي بإشراف هيئته المركزية، التي تلتزم أهدافه وتكون صادرة عن الحزب تخطيطاً وتحريراً وإخراجاً وتوزيعاً. لم تفلح تلك الصحف بمنافسة الصحافة التجارية والمستقلة، سواء الأسبوعية أو اليومية، لاستقطاب قراء من خارج الوسط الحزبي ما فسر اندثار عدد من التجارب الصحفية الحزبية وامتناع أغلب الأحزاب الأردنية حتى الكبيرة منها عن ولوج عالم الصحافة وفق مراسل موقع الجزيرة نت محمد النجار. بدت الأحزاب التي تجاوزت عتبة الـ 35 حزباً غير مهتمة أو قادرة مالياً في الوقت الراهن على إصدار صحف ناطقة باسمها. الحزبان اليساريان: الشيوعي الأردني، والشعب الديمقراطي، حافظا على استمرارية صدور الصحيفتين الناطقتين باسمهما الجماهير والأهالي بانتظام منذ 15 عاماً. كانت «الجماهير» تصدر قبل ذلك التاريخ على شكل «مطوية حزبية» توزع سراً خوفاً من بطش الحكومة، وتطبع على ماكنة «ستانسل» يدوياً في بيت أحد الحزبيين. وفي حال تعثرت طباعة الصحيفة بسبب اعتقال المسؤولين عن الصحيفة إبان الإحكام العرفية يتم نقل آلة الطباعة إلى مكان آخر بهدف الحفاظ على استمرارية الصحيفة ووصولها إلى المعنيين. صحيفة «الأهالي» طبعت قبل العام 1992 في قبرص لعدم وجود قانون مطبوعات جديد يسمح لها بالصدور محلياً، فطبعت وقت ذاك حوالي 10 آلاف نسخة باعت منها 7 آلاف نسخة وفق الحزبي السابق والباحث حسين أبو رمان، لتعود بعد ذلك للطباعة في المنطقة الحرة بالزرقاء إلى جانب صحيفة الرباط التي كانت تطبع أكثر من 30 آلاف نسخة وقت ذاك وفق النجار ذاته. تباع الأهالي والجماهير حالياً في الأكشاك بـ15 قرشاً وصفحاتها غير ثابتة، وتوزع على المؤيدين وأعضاء الحزب مجاناً في اغلب الأحيان، كما أن الإعلانات غابت عن تلك الأحزاب إلا ما ندر منها، أما جريدة السبيل الإسلامية فإن أغلب مؤيدي جماعة الإخوان يواظبون على شرائها من الأكشاك كمساهمة في دعمها، كما أن بعض الشركات والبنوك تقوم بالإعلان الأسبوعي فيها. خلال السنوات السابقة جهدت أحزاب سياسية لإطلاق صحف ناطقة باسمها، إلا إن تجربتها باءت بالفشل، فأغلق حزب جبهة العمل الإسلامي صحيفته «الرباط» التي عملت لسنوات قليلة خلال العقد الماضي، ثم عاد واصدر أسبوعية «السبيل» دون أن يربطها مباشرة بالحزب في محاولة لإضفاء الطابع المستقل عنها. الإغلاق الطوعي لاحق صحفاً قومية ووسطية ويسارية، فأسبوعية «البعث» التي كان يصدرها حزب البعث الاشتراكي (قومي) التي تحولت منذ عامين إلى نشرة حزبية داخلية. كما خاض الحزب الوطني الدستوري (وسطي) نهاية التسعينيات الماضية التجربة بإصدار صحيفة «العهد» قبل إغلاقها لأسباب مالية. وكان حزب الوطن (وسط) سبقه بإصدار أسبوعيته «نداء الوطن» على فترتين منقطعتين قبل أن يحل الحزب وتنتهي الصحيفة. في حين أغلق حزب المستقبل (وسط) أسبوعيته «المستقبل» بعد رحيل مؤسس الحزب سليمان عرار وحزب الوحدة الشعبية (يساري) مجلته الشهرية «نداء الوطن» لأسباب مالية ليعود قبل عدة أشهر لإطلاقها من جديد على شكل صحيفة . تخلو الصحف الحزبية، خلاف السبيل، من الإعلانات التي تعتبر أهم مصادر الدخل للصحف ، ما يرسخ الأزمة المالية لها ، وأدى في حالات كثيرة لان تصبح الصحيفة عبئاً ثقيلاً على الحزب ما كان يدفع لإغلاق العديد منها. يؤكد الكاتب في صحيفة «الدستور» ورئيس التحرير السابق لجريدة «السبيل» المقربة من حزب جبهة العمل الإسلامي حلمي الأسمر، أن أزمة الصحافة الحزبية «انعكاس أو نتيجة طبيعية لأزمة الأحزاب نفسها والتي تعاني من ضعف الموارد المالية». يرى الأسمر، أن الصحافة الحزبية ولدت ضعيفة أصلاً لضعف تمويلها من جهة وضعف الأحزاب القائمة عليها من جهة ثانية. وأن اغلب الصحف الحزبية سابقاً وحالياً كانت تخاطب جمهور الحزب، فابتعدت عن المهنية الصحفية وجنحت باتجاه صحافة الرأي والتجييش، فاعتمدت في أغلبها على التحليل الذي يصب باتجاه رأي الحزب فقط. يعتبر الأسمر، أن الصحافة الحزبية كانت بمثابة ورش عمل انتجت صحفيين جيدين ولكنها لم تستطع أن تنتج صحفاً حزبية جيدة، مستشهداً بوجود العديد من الصحفيين الحاليين الذين بدأوا حياتهم المهنية في الصحف الحزبية. يذهب الزميل أسامة الرنتسي، الذي رأس تحرير «الأهالي» الحزبية، وشغل موقع مدير تحرير المحليات في يومية «الغد» مذهب الأسمر ويضيف أن الصحف الحزبية المحلية والعربية، ركزت على الاهتمام بالمضمون أكثر من اهتمامها بإخراج أو شكل صفحاتها، فعادةً ما تحمل تلك الصفحات مقالات ودراسات وأعمدة تتناول مختلف الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحوي مادة فكرية وسياسية غزيرة، في حين أنها امتازت بإخراجها البسيط الذي أفقدها الكثير من عناصر الجذب وقربها إلى الجمود. ويرى الرنتيسي، أن من أهم الأسباب التي أدت إلى عدم استقرار مسيرة الصحافة الحزبية وقصر عمر العديد منها، العامل المادي والفني، الذي أثر، بشكل كبير، على (الشكل والمضمون)، فضلاً عن المعاناة من نقص الكوادر المدربة، فمعظم العاملين في أكثر الصحف الحزبية هم من كوادر الحزب نفسه وليسوا صحفيين محترفين لهم دراية ومعرفة بمتطلبات العمل الصحفي يضاف إلى ذلك العامل الفكري. يتفق مراسل موقع «الجزيرة نت» الزميل محمد النجار، الذي عمل في صحيفة «السبيل» مع سابقيه على عدم قدرة الصحافة الحزبية على ترك بصمة واضحة في الصحافة الأردنية الأخرى على مر السنوات. |
|
|||||||||||||