العدد 3 - أردني
 

ليست الكتابة على الجدران شأناً شعبياً خالصاً، كما أنها ليست شأناً أردنياً أو عربياً، فهي ظاهرة دولية عابرة للدول عموماً، وللطبقات الاجتماعية في كل دولة على حدة، لكنها بالأساس ظاهرة مدينية حضرية، لأن الجدار في الريف إما غير موجود أو هو غير صالح للكتابة أو لأنه لا يعد في الريف حيزاً عاماً يمكن استخدامه من قبل الجميع، مثلما هو حال الجدار في المدينة.

يستثنى من ذلك حالة إعلام الجدران الانتخابي الذي ينتشر في القرى والبلدات أكثر من انتشارها في المدن، ربما لأنه يتعذر على صاحب الجدار أن يمنع الكتابة على جداره أو محو ما كُتب عليه تحت طائلة الاتهام بعدم المؤازرة.

لكن المشترك في هذا الصنف من الإعلام والإعـلان أنـه ذكـوري لا تمـارســه الانــاث، مـع أنهن قد يشكلن موضوعه الرئيسي أحياناً.

مرشحون على الجدران

في الانتخابات تشكل الجدران وسيلة اعلان مناسبة للمرشحين “الأقل حظاً” الذين لا يتمكنون من توفير الوســـائل المكلفة، فالأمر في مثل الحالة لا يحتاج سوى الى بضعة عبوات من الدهان (السبراي) من دون الحاجـــة الى خطاطين او مصممين، فضـــلاً عن أن الإعلان هنا يدوم الى زمن أبعد قد يمتد الى الانتخابات المقبلة.

وفي هذا المجال تشكل بعض الجدران تاريخاً من الدعاية الانتخابية في بعض المناطق (على سبيل المثال، سور أول نفق قبل الوصول الى مدينة السلط أو الجدار الاستنادي الذي يسبق مخيم البقعة)، وليست كل الجدران متساوية من حيث مفعولها الدعائي، ويلاحظ عند كل انتخابات أن المرشحين يحرصون مبكراً على احتلال مواقع على جدران المدارس الرئيسية والمباني العامة وخاصة تلك التي ستكون مراكز اقتراع.

مدينة واحدة على الأقل هي معان شهدت هذا العام كتابات على الجدران تدعو الى مقاطعة الانتخابات،بينما كانت الجدران عموماً ميداناً للدعاية الايجابية لصالح مرشحين محددين، مع وجود صراعات أحيانا حيث تجري الدعاية لأحدهم فوق دعاية آخر او بعبارات تتضمن ردوداً ضمنية.

الإعلام الشخصي

المقصود بالشخصي أن يتعلق الأمر بفرد واحد، أي أن يقوم فرد معين باستخدام الجدار لإيصال رسالة إعلامية فردية تخصه او تخص أفراداً آخرين، وفي مجالنا هنا يكثر أن يلجأ الأفراد خاصة الشبان، والمثال الأبرز في هذا السياق هو الاستخدام الواسع النطاق لجدران المدارس وخاصة مدارس البنات، لغايات الافصاح عن مشاعر الحب والغرام واللوعة تجاه فتاة معينة من طالبات تلك المدرسة، وعادة ما يتم اللجوء الى الرموز او الحروف.

ولكن يحصل أن يستخدم الجدار نفسه من قبل طرف ثالث “عذول” يقوم بفضح علاقة معينة أو مشاعر معينة، والطريف أن الجدران قد تحمل أخباراً أو حكماً عاطفية وخاصة تلك التي تأتي نتيجة علاقة فاشلة، فعلى جدران احدى المدارس كتب ملوّع العبارة التالية: “إذا أحببت فتاة فاسألها عن موعد الخيانة” وكتـب آخر: “لا تبكي على دنيا آخرها الرحيل”، وتستــخدم في مثـل هذه الحالات رموز القلوب المطعونة أو ما يعادلها من رموز دالة.

الإعلام العام

يتنوع الإعــلام العـام عـلى الجــدران كبقية أشكـال الإعــلام، فهنــاك الإعلام الديني إذ تنتشر في مواقع عديدة عبارات تحذيرية أو إرشادية دينيــة، وبسرعة يستطيع المراقب أن يكتشــف انهــا ذات منشـأ واحـد بدلالة الخط واللون، فهناك عبارات مثل “صـل قبل أن يصـلى عليــك” او عبارة “أختاه الحـجـاب أو النار” أو “أذكروا الله”.. او ما شابه.

وهناك الإعلام الرياضي وهو أشهر أشكــال الإعــلام الشعـــبي على الجدران، فلكل فريق من الفرق الشهيرة تغطياته الإعــلامـــية الخــاصة يقــوم بها أنصاره ومشجـــعوه، وكثيراً ما تجد عبارات مثل: “الفيصــلي بطــل الــدروي” أو العــبارة المقابلــة: “الوحـــــدات بطل الدوري” وخارج عـــمان نشط في زمن مضى إعلاميو فريق “الرمثا”، وكثيرا ما تضاف كلمة “خاوى” في نهاية هذه العبارات، ولكن هذا القطاع من الإعلام يشهد تنافساً غير ودي، حيث يقوم أنصار فريق بالكتابة فوق عبارات الفريق الآخر أو يقومون بمحوها أو كتابة عبارات مناوئة تنفيها او تتهكم منها.

إعلام سياسي

السياسة تجد طريقها الى هذا الصنف الاعلامي، سواء كانت سياسة داخلية أو خارجية. والواقع أن الكتابة على الجدران تعتبر أسلوبا متبعاً كمنهج “رسمي” في ظروف العمل السري أو في ظروف الأحداث السياسية أو التحركات الشعبية أو عند الحاجة الى طرح أفكار وشعارات لا يمكن الإفصاح عنها رسمياً.

شوارع عمان لا تخلو من الكتابات السياسية المعارضة والموالية، وفي السنوات الأخيرة فإن شعار “الأردن أولاً” وجد طريقه الى مختلف جدران الشوارع ،لكن الأمر لا يخلو من منافسة وصراع، فهناك من أعجبته صياغة الشعار وأجرى عليه التعديل المناسب فكتب “الكرك أولاً” او “الطفيلة أولاً” في بعض المواقع، وهناك من أجرى تعديلا جوهريا وكتب “فلسطين أولاً” ولكن هناك كما ترون في الصورة المنشورة جانباً من أجرى مصالحة بين الشعارين فكتب: “الأردن أولا وفلسطين وبس”.

في السياسة المحلية شهدت الجدران كتابات “سرية” فعلى سبيل المثال فإن شوارع منطقة ماركا الشمالية شهدت كتابات تحيي مدينة معان وأهلها أثناء أحداث عام 2000 وانتشرت عبارات مثل: “تحيا معان شامخة في الجنوب” أو “ستبقى معان شامخة للأبد” وهي العبارات التي تمت تغطيتها في اليوم التالي، ويمكن للمدقق في جدران المنطقة ملاحظة بقاياها.

الكتابة على الجدران: سياسة وعواطف انتخابية – أحمد أبو خليل
 
22-Nov-2007
 
العدد 3