العدد 16 - كتاب
 

توافق الأحزاب ضمنياً على أنها باستثناء جبهة العمل الإسلامي، بلا جذور اجتماعية وتفتقر لحضور سياسي وإشعاع فكري، وأن معظمها يكاد يكون بلا مستقبل، إذا بقيت أحوالها والأحوال العامة على ما هي عليه.

يعزو قائمون على تنظيمات غير مرئية،ما هم فيه الى تضييقات وتقييدات حكومية فحسب.وإلى إحباط «الجماهير» من الوضع العام والزمن العربي «الرديء».ويبدو بعض هؤلاء كمن ينتظر فرجاً ما، يترقب طفرة وانبلاجاً ما أو حتى مخلصاً، لتصويب المعوج وإيقاظ الشارع السادر في غفلته و«إعادة المياه الى مجاريها»، وكما كانت عليه في زمن غابر سعيد قبل نصف قرن، حين كان الانضواء في الأحزاب عنوان الوطنية المشبوبة ونموذج المواطنة الصالحة وآية الصواب السياسي.

يشعر قائمون على تلك المؤسسات المتواضعة ذات الوجود الرمزي، أن الوضع العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يوفر مناخاً لنمو وازدهار الأحزاب.بل يمثل بيئة طاردة.لا يتطلعون لتغيير شامل بل تدريجي. يتخلون حتى عن هذا،ويتطلعون للتصحيح وسد الثغرات وتدارك اوجه النقص. إنهم يزدادون واقعية لكن الواقع بناسه يمضي في النأي عنهم..

أبناؤهم لا يلتحقون بأحزاب،وهم من جهتهم أي الآباء لا يشجعونهم ولا يمنعونهم عن ذلك.هناك القليل القليل مما يمكن قوله وعمله في المجتمع الصغير في النواة الصغيرة بين جدران البيت العائلي. وحول ذلك البيت من بيئة أليفة : جيران وأقارب وأصدقاء وزملاء عمل ومعارف لاجتذاب أعضاء ومناصرين أو مهتمين بالحزب و»أدبياته وطروحاته» واسمه..

لم يهجر الناس السياسة بدليل شغفهم بمتابعة أخبار الفضائيات وقراءة الصحف والمطالعة على الإنترنت.مع ذلك لا حماسة تذكر لديهم للاهتمام بعمل ونشاط سياسي.

الناس محبطون،بيد أنهم يندفعون نحو الاستهلاك بشغف ما تيسر لهم ذلك.،ويقبلون على أمور جدية مثل: التعليم والعبادات، وتطوير المهارات الفردية وعلى معارض الكتب وحضور ندوات وملتقيات، ما خلا «الانخراط» في نشاط سياسي.هذا ما لا يستهوي أحداً إلا من رحم ربي..

بعضهم من القائمين على أجسام حزبية يتندرون بحسرة ومنهم من لم يبلغ الخمسين بعد بأن هذا الزمن ليس زمنهم : الموازين انقلبت، الحياة تبدلت والناس تغيرت. وخلف نبرة الكلام إحساس بأن قدراً غشوماً يحيق بمشاريعهم وتطلعاتهم «من أجل غد أفضل». ومع الإحساس بالفاجعة هناك ما يشبه التسليم بمفاعيل هذا القدر، ويسميه بعضهم تسمية «علمية» : ظروف المرحلة..وبالكاد يتفقون على متى بدأت هذه المرحلة، لكن أحداً لا يمتلك التكهن بموعد انقضائها.وإلى أن تنقضي يتم اللجوء مع بقية الخلق لأخبار «الجزيرة» وفضائيات أخرى والتراسل الصامت والناطق أحياناً مع الشاشة..

محمود الريماوي : قدر غشوم
 
06-Mar-2008
 
العدد 16