العدد 15 - أردني | ||||||||||||||
محمد المصري لم يكن قرار تعريب قيادة الجيش في 1/3/1956 أو الاستغناء عن خدمات قائد الجيش آنذاك كلوب باشا ، قراراً إدارياً عادياً، ولربما هو أكثر القرارات أهمية التي اتخذها الملك الراحل الحسين خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه. كان تعريب قيادة الجيش والاستغناء عن القائد البريطاني الذي قاد الجيش لمدة 26 سنة وغيره من القيادات البريطانية المفصلية لبعض وحدات الجيش، أقرب الى تغيير عسكري تقوم به المؤسسة الحاكمة على أحد أركان الحكم الأساسية. وصل جون باجون كلوب إلى الأردن العام 1930، لتلقى على عاتقه مهمة وضع حد للغزوات المتبادلة بين قبائل الأردن وقبائل الجزيرة العربية ،وفرض مركزية الدولة الأردنية على القبائل ، وقد اختير لهذه المهمة نتيجة نجاحه عبر عشر سنوات، في فرض مركزية الحكم ببغداد على القبائل البدوية في جنوب العراق. وبالفعل استطاع أن يحقق خلال الثلاثينات نتائج هامة من خلال تشكيل قوة البادية من أفراد القبائل البدوية الغازية أو الرافضة لفكرة مركزية الدولة، إضافة لتزويد هذه القوة بالسيارات المجهزة باللاسلكي لتعقب القبائل الخارجة عن القانون، وحرمانها من الإلتجاء للصحراء كملاذ مستعصٍ على أجهزة الدولة. أدى نجاح استراتيجية كلوب في الثلاثينات إلى ثلاث نتائج هامة: أولها أن قوام الجيش العربي أصبح من العشائر البدوية بعد أن كان في العشرينات يعتمد على الفلاحين، وثانيها فرض مركزية الدولة على القبائل، وثالثها ازدياد نجم كلوب ليتولى قيادة الجيش منذ العام 1939. خلال فترة الحرب العالمية الثانية قام الجيش العربي تحت قيادة كلوب باشا ،بهجمات عسكرية ناحجه في سورية والعراق زادت من أهمية الجيش العربي ،وكرست أهمية كلوب باشا بوصفه عنصراً أساسياً في النخبة السياسية الأردنية لا يمكن تجاوزها. كانت لظروف الحرب العالمية الثانية وللمهمات العسكرية التي نفذها الجيش أثرها في زيادة أفراد الجيش العربي وضباطه. إلا أن أغلب الضباط الجدد الذين انضموا إلى صفوف الجيش ،كانوا من أصول حضرية انخرطوا في الجيش بعد اتمام دراستهم الثانوية والتخرج من دورات عسكرية تؤهلهم ليكونوا ضباطاً. مع منتصف الأربعينات بدأ التوازن الكمي بين ضباط من أصول بدوية وضباط من أصول حضرية يتحقق، بعد أن كان من قبل لصالح ضباط من أصول بدوية. ورغم استقلال الأردن العام 1946، فقد بقي كلوب قائداً للجيش، وذا صلاحيات كبيرة، تكرست من خلال معاهدتي التحالف الأردنية البريطانية التي تقوم بموجبها بريطانيا بتقديم مساعدة مالية للأردن، أغلبها لتمويل الجيش (فعلياً موازنة جيش) توضع في حساب خاص للجيش ،وليس ضمن حسابات الحكومة الأردنية. إن فكرة تعريب قيادة الجيش والتخلص من كلوب كقائد له كانت نتيجة مباشرة لحرب 1948 ونتائجها، فرغم قدرة الجيش التي تبدت باحتفاظه بالضفة الغربية والقدس، إلا أن قيام دولة اسرائيل كان بمثابة صدمة عنيفة لقطاعات الجيش العربي، قادت إلى إثارة الأسئلة حول استراتيجية كلوب خلال الحرب، وما لبثت أن تحولت هذه الأسئلة إلى نشاط سياسي شبه تنظيمي لأكثر من مجموعة من الضباط تحمل العديد من الأهداف المتداخلة ،أهمها الدخول في حرب مع إسرائيل، وتعريب قيادة الجيش. وقد تطور الأمر الى نشاطات أهمها تشكيل التنظيم السري للضباط الوطنيين الذي ما لبث أن غير اسمه إلى «الضباط الأحرار» في منتصف الخمسينات. هذا التنظيم الذي وضع هدفاً رئيسياً له طرد كلوب باشا وتعريب قيادة الجيش، كان تحت زعامة الرعيل الجديد من الضباط من أمثال: شاهرأبوشاحوت، ومحمود المعايطة، ونذير رشيد، وضافي الجمعاني. ولم يكن تعريب قيادة الجيش والتخلص من كلوب هدفاً حصرياً لبعض ضباط فاعلين، إذ تشير الوثائق والشهادات الشخصية الى بعض اجتماعات عقدها الملك الحسين (قبيل تسلمه سلطاته الدستورية العام 1953) مع بعض الضباط ومن ضمنهم الضباط الأحرار تم فيها تداول فكرة التخلص من القيادات البريطانية. ولعل العلاقة بين الحسين منذ العام 1953 وكلوب لم تكن علاقة ودية، بل على النقيض كان يشوبها التوتر وعدم الثقة وضيق الملك بأساليب كلوب في إدارة الجيش والتعيينات والترفيعات، بل بالخطط العسكرية الدفاعية عن الضفة الغربية في حال نشوب حرب مع إسرائيل. ومن الواضح أن الملك اعتمد على علاقته بالجيش أكثر من علاقته المباشرة مع كلوب، بل كان على تواصل مع بعض الضباط الآخرين الذين أصبحوا بمثابة نظام رقابة على كلوب وإدارته للجيش. وكثيراً ما كانت تتناقض استراتيجيات الملك ورؤيته لما يجب أن يكون عليه الجيش، مع رؤية كلوب. وكان الأخير يدرك مدى هذا الإفتراق، وكثيراً ما حاول استخدام الحكومة أو وزير الدفاع من أجل تقريب وجهات النظر.وتظهر تقارير كان يبعثها إلى الخارجية البريطانية مدى الأزمة مع الملك. وقد أكد الحسين رفضه تدخل الحكومة البريطانية لمناقشة وضع كلوب في العام 1954/1955 تأسيساً على أن هذا أمر أردني داخلي. ولم تأخذ الحكومة البريطانية حينها على محمل الجد ملاحظات الملك ،على أنه يتعين إجراء تغييرات هيكلية في الجيش تؤدي، في نتيجتها النهائية، إلى إضعاف كلوب. في هذه الأثناء كانت الأحزاب والقوى السياسية جزءاً من الحملة ضد كلوب.فمهمة طرده تتصدر الأهداف البرامجية لأحزاب البعث، الشيوعي، والقوميين العرب، والإخوان المسلمين والتحرير. إن تعريب قيادة الجيش كان من وجهة نظر سياسيي هذه الأحزاب هو ضرب للنفوذ الاستعماري البريطاني في الأردن. ولقد زاد من هذه الهجمة على كلوب تدخله المفرط في الحياة العامة في الأردن ، وتأييده قوى سياسية ضد أخرى، وظهر هذا جلياً عندما وافق توفيق أبو الهدى، رئيس الوزراء آنذاك، على زج الجيش في الانتخابات النيابية عام 1954، وقد اعترف كلوب بالمساهمة في تزوير الانتخابات حتى ضد بعض المرشحين الذين كانوا يعتبرون من أعمدة الحكم في الأردن مثل سعيد المفتي. الانتخابات وما رافقها من تظاهرات كرست ووسعت المعسكر المناوئ لكلوب، حتى إن أهازيج شعبية صيغت وترددت على دوره في تزوير الانتخابات. ومما زاد من اقتراب نهاية كلوب، ردة الفعل الشعبية المناوئة لالتحاق الأردن بحلف بغداد والذي كان كلوب يروج ل«فوائده العسكرية» على الجيش الأردني. إن انهيار مشروع دخول الأردن هذا الحلف، زاد من العداء الشعبي لكلوب الذي صور من قبل الصحافة المصرية وإذاعة «صوت العرب» على أنه الحاكم الفعلي للأردن.إلا أن فشل دخول الأردن الحلف أدى لخفض شعبية الحكم في الأردن بصفة عامة، وأضعف النظام وذلك مع تزايد خطط المعارضين له في داخل الأردن وخارجه. ضمن هذه الصورة القاتمة للوضع ، قرر الملك تحقيق أكثر من هدف معاً: أولاً: التخلص من كلوب الذي لم يكن على علاقة طيبة معه منذ العام 1953. ثانياً: تولي كامل مسؤولية قيادة الجيش دون وساطة كلوب. ثالثاً: استعادة شعبية النظام . رابعاً: تأكيد الإمساك بزمام أمور البلاد جميعها . مع ذلك لم يكن قرار تعريب قيادة الجيش بغيرمخاطر، بل كانت هنالك محاذير فعلية كما أوردتها المجموعة العسكرية (مكونة من الضباط الأحرار إضافة إلى ضباط آخرين مثل الشريف زيد بن شاكر، مازن العجلوني، وعلي أبو نوار) بأن تحرك بريطانيا قواتها المتواجدة في الأردن لإعادة كلوب بالقوة ،وأن يتحرك قادة بريطانيون لألوية الجيش العربي وبعض الضباط العرب الموالين لكلوب،للقيام بعملية عسكرية تعيد كلوب وتؤدي لانقلاب عسكري جزئي أو شامل .واستغلال فرصة التغيرات من قبل إسرائيل لقيامها بعمل عسكري محدود أو شامل في الضفة الغربية ،ولذا فقد وضعت خطة عسكرية (أشبه بانقلاب) ترتكز على تطويق معسكرات الوحدات البريطانية وقصفها إذا لزم الأمر، واحتجاز القادة البريطانيين في الجيش العربي، واعلان الاستنفار العام في الضفة الغربية ،ومحاصرة وحدات عسكرية من الجيش العربي معروفة بولائها لكلوب، وأعطى الاسم الرمزي «دنلوب» للخطة العسكرية لبدء تنفيذها. وهو اسم لولاعة كان يحملها الضابط محمود المعايطة وهي دعاية لاطارات دنلوب. لقد تم تنفيذ الخطة العسكرية، ولم تواجه عملية التعريب الصعوبات التي أخذت في الحسبان، وحقق النظام بقيادة الملك الحسين شعبية عالية في الشارع الأردني. وأدى خروج القيادات إلى أن يدار الجيش من قبل الضباط الذين أشرفوا على عملية التعريب حتى نيسان 1957.فيما كانت عملية التعريب ضربة موجعة للنفوذ البريطاني في الأردن لم تكن بريطانيا تتوقعها، وكانت إحدى المحطات الهامة في تصفية النفوذ البريطاني في المنطقة. |
|
|||||||||||||