العدد 15 - اقتصادي | ||||||||||||||
فايز الصياغ يمثل الفقر، ظاهرة مركبة ومتشعبة ومتعددة الجوانب، وليس بوسع مقياس واحد بمفرده أن يبيّن ما ينطوي من أوجه التشابك والترابط مع مكونات المجتمع الأخرى مثل: التراتب الطبقي، والبنية السياسية، والاجتماعية. وتختلف تعريفات الفقر، باختلاف المنهجيات المتبعة لقياس، وتباين أساليب التحليل الكمية أو النوعية المستخدمة في تحديده وتبيان طبيعته، وفي حين تتفق التعريفات على ارتباط الفقر بعدم توافر الدخل أو الموارد الضرورية لاستمرار الفرد على قيد الحياة، فإن نوعية الحياة هي التي تحدد نوع الفقر ومستواه. من هنا، فإن ما يسمى «خط الفقر» يشير إلى نوعين من عدم توافر الدخل: فهناك الفقر المدقع Poverty Abject الذي ينحصر قياسه في حاجة «الفرد» اليومية من الوحدات الحرارية الضرورية لاستمراره على قيد الحياة. وقد وضعت منظمة الصحة العالمية حسابات مفصلة لعدد السعرات الأساسية الضرورية والسلة الغذائية اللازمة لتزويدها. وهناك من جهة أخرى، خط «الفقر المطلق»Poverty Absolute، الذي يشير إلى عدم توافر الدخل الكافي لتلبية حاجات «الأسرة» الأساسية الست، وهي: الطعام، والملبس، والسكن، والتعليم، والصحة، والتنقل، والمواصلات. وليس ثمة خط فقر «رسمي» في الأردن. كما أن المسؤولين الحكوميين يترددون في البيانات والتصريحات العلنية في اللجوء إلى أية أرقام أو إحصائيات أو توصيفات لتعريف الفقر أو تحديد خطوطه وتداعياته وآثاره، ويكتفون بالحديث عن الوسائل والبرامج الرامية إلى مكافحته وتخفيف آثاره. بل إنهم تخلوا عن ترديد الشعارات البلاغية المستحيلة التي تدعو إلى استئصال الفقر أو القضاء عليه. بيد أن الحكومة الأردنية تتبنى عدداً من التحليلات المستخلصة من البيانات المستقاة من مسوح نفقات ودخل الأسرة الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة، فقد تبنت تحليل البنك الدولي (1997) الذي استند إلى نتائج «مسح نفقات ودخل الأسرة لتلك السنة، وحدد خط الفقر المطلق في الأردن آنذاك، بما يعادل 366 ديناراً للفرد سنوياً، مما كان يعني بمقاييس تلك الأيام، أن 11.7 بالمائة من الأردنيين كانوا يعيشون دون خط الفقر ذاك. وقد عُدِّل معدل خط الفقر في تقرير الأخير للبنك الدولي (2004)، عن تقييم الفقر في الأردن العام 2002 يرتكز إلى بيانات مسح نفقات ودخل الأسرة كذلك، فبلغ 392 ديناراً للفرد سنوياً، ويقرّ التقرير أن معدلات قد تفاقمت في محافظة الزرقاء، تفاقماً حقيقياً، وأن سدس الألوية في الأردن في حالة من البؤس الشديد بحيث دخل ثلاثة أرباع السكان فيها في عداد الفقراء مما يشير إلى اختلالات التوازن في جهود التنمية بين الأقاليم. كما أن ما يعادل ثلثي المساعدات النقدية التي يقدمها صندوق المعونة الوطنية، في نطاق برنامج الدخل التكميلي للأسرة إنما يتسرب لمن لا يستحقونها من غير الفقراء، مع بقاء معدلات البطالة لدى الفقراء على ما كانت عليه دون تغيير، وارتفاع نسبة من يعانون الفقر المدقع إلى 3 بالمائة من الأردنيين، ولا شك أن البنك الدولي سيسارع إلى تحليل محدّث لواقع الفقر في الأردن اعتماداً على بيانات مسح نفقات ودخل الأسرة الذي أنجزته دائرة الإحصاءات العامة في العام الماضي (2007)، وفي غمرة التداعيات والآثار الجسيمة التي خلفتها - وستخلفها - التغيّرات المستجدة على مستوى المعيشة في أوساط المواطنين الأردنيين - الفقراء وغير الفقراء، فإن من المؤمل أن يخلص تحليل البنك الدولي التقييمي المقبل إلى نتائج تبدد جانباً من هواجس المواطن الأردني ومخاوفه المتعاظمة. اكاديمي، عالم اجتماع |
|
|||||||||||||