العدد 15 - اقتصادي
 

خليل الخطيب

أبو فراس الذي يعمل في إحدى الشركات الخاصة منذ العام 1986 يشرح التحولات الدراماتيكية التي تعرض لها مستوى معيشة أسرته خلال العقدين الماضيين.

«بدأت العمل في الشركة براتب قدره 400 دينار، حين كان عدد أفراد أسرتي أربعة. في ذلك الوقت حصلت على قرض لشراء سيارة، وكنت أتمكن من الإنفاق على أسرتي بصورة مريحة»، يتذكر أبو فراس وهو في الخامسة والخمسين الآن.

أبو فراس، واحد بين آلاف الأردنيين الذين كانوا ينتمون إلى الطبقة الوسطى، صمام أمان المجتمع، حين كانت معايير سلة الغذاء مختلفة وعتبة الفقر منخفضة جداً.

كان الدينار في ذلك الوقت يعادل ثلاثة دولارات، وكانت كماليات الحياة محدودة قبل غزوة أجهزة الحاسوب، الخليوي وسائر الإلكترونيات.

«العام 89 بعد هبوط الدينار أصبحت أجد صعوبة في سداد قسط السيارة نتيجة موجة الغلاء التي أضعفت قدرتي الشرائية، فيما توالى ارتفاع الأسعار منذ ذلك الحين فيما راتبي لا يزداد إلا 10 دنانير سنوياً»، يشكو أبو فراس الذي يؤكد: «أصبحت أعجز عن الخروج مع عائلتي في رحلة إلى مناطق الأحراش كعادة الأسر الأردنية في الربيع والصيف. سيارتي باتت متهالكة، ولا أستطيع تحمل تكلفة تبديلها، لم أعد أفرح برؤية أبنائي يرتدون شيئاً جديداً أكثر من مرة واحدة في العام بعد أن كان التسوق جزءاً من متعة حياتنا الأسرية». ويزيد «لم أعد أحب عملي، لم أعد أحمل معي كل صباح أفكاراً جديدة لتطويره، أصبحت أجد صعوبة في الضحك والمرح، أصبحت الأيام ثقيلة وآلية ورتيبة والحياة فقدت طعمها».

يقول خبراء اقتصاد إن التحولات الاقتصادية التي يشهدها الأردن منذ انطلاقة برامج التصحيح الاقتصادي العام 1989 ألقت بظلالها على مستوى معيشة غالبية الأردنيين كما أفرزت طبقة فاحشة الثراء مع عولمة الاقتصاد والدولة.

الأمين العام للحزب الشيوعي، منير حمارنة، يرى أن «السياسات الحكومية تؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة بصورة غير مسبوقة مع ثبات الدخول».

الأمر الذي ينعكس برأيه على مستوى «الراحة والأمان الذي يعيش فيه أفراد الطبقة الوسطى» ويتابع: «هذا الوضع يؤدي إلى انشغال الطبقة الوسطى في البحث عن لقمة العيش بدلاً من القيام بدورها في الإنتاج المعرفي وإدارة الأعمال والإبداع».

ويختم حمارنة إن الطبقة الوسطى هي «خزان استراتيجي للفكر والإصلاح لأي مجتمع».

بينما ترى حركة اليسار الاجتماعي في بيانها التأسيسي أن الخصخصة قد حولت «مئات الآلاف إلى جوعى وحكم على مئات الآلاف بالبطالة، وعلى الفئات الوسطى بالانحدار».

أما الحركة الإسلامية، ممثلة بحزب جبهة العمل الإسلامي، فإنها لا تتحدث عن قضية الطبقة الوسطى اطلاقاً وإنما تورد في وثيقتها الإصلاحية توصيفاً لبرنامج التصحيح الاقتصادي، فتصف تقارير الحكومة والبنك الدولي بشأن الإصلاح الاقتصادي بأنها «مخالفة للواقع إذ «لا يوجد تنمية مستدامة» ولا «تطوير بنيوي للاقتصاد» وما هو موجود فعلاً هو «زيادة في معدلات الفقر والبطالة وشيوع الاحتكار»

أستاذ علم الاجتماع، موسى شتيوي، يرى أن الطبقة الوسطى في الأردن «لا تتآكل وإنما تتغير» والتغير الأساسي الذي يحدث في داخلها يتمثل في «تراجع الشرائح البيروقراطية منها» وتوسع «الشرائح الجديدة مثل التقنين وموظفي الشركات العالمية وشركات الاتصال والتجار والوكلاء» ويجادل شتيوي بأن هذه الطبقة قد «توسعت من خمس السكان إلى ثلثهم العام 1991» وأن حجم الشرائح الجديدة من الطبقة الوسطى قد ازداد على حساب الشريحة البيروقراطية، إذ أصبحت تمثل 48,9 بالمئة من مجمل الطبقة الوسطى.

وعن دور الطبقة الوسطى بوصفها حاملاً للمشروع الإصلاحي يرى شتيوي أن الطبقة الوسطى ما قبل العام 91 كانت «تتكون من فئات بيروقراطية وأخرى من وكلاء الشركات والتجار وهي فئات محافظة لم تحمل مشروعاً إصلاحياً»، أما الطبقة الوسطى الجديدة، فإنها تمثل في نظره، ولو جزئياً، «مشروع الليبرالية والديموقراطية».

**

الطبقة الوسطى في عين المنظرين

الطبقة عند عالم الاجتماع أنتوني غدنز هي شكل من أشكال التراتب الاجتماعي الذي يمكن اعتباره «ممثلاً لبيئة اللامساواة في المجتمع»، وقد رأى ماركس أن الطبقة هي «مجموعة من الناس تتماثل في علاقاتها بوسائل الإنتاج»، وفي ضوء ذلك يقرر ايرك رأيت أن الطبقة الوسطى هي طبقة اجتماعية بين الطبقة العليا «البرجوازية» وبين الطبقة الدنيا «العاملة» وتتميز هذه الطبقة عند رأيت بأنها «مُستَغلة ومُستغِلة في آن معاً» وأنها الطبقة التي «تمتلك المهارات والخبرات» وهي عند حليم بركات «حريصة على الاستقرار والتغيير الإصلاحي».

الطبقة الوسطى.. تآكل في أطرافها وجدل حول دورها
 
28-Feb-2008
 
العدد 15