العدد 15 - اقتصادي
 

السّجل - خاص

يستفيق علاء صبيحة كل يوم مثقلا بهموم توفير لقمة عيش لأفراد أسرته الستة. فعلاء الذي لم يتجاوز عمره ستة عشر ربيعاً مسؤول عن أسرة بأكملها تضم أب أقعده المرض وأمه وولدان وبنت بالاضافة إليه.

لا يكل ولا يتذمر، ويكتفي بالقول "الله بعين"، وهو يتجه صوب محل ميكانيك سيارات يعمل فيه لقاء أجر يومي يبلغ 4 دنانير، يتلقفها نهاية كل أسبوع بلهفة وهو يمسح حبات عرقه وسواد "الشحمة" عن جبينه.

يكد في عمله ويجتهد، فهو يسعى لـ"تعلم الصنعة" كما يقول، ويحلم علاء بامتلاك محل خاص به مستقبلاً، وفي سبيل ذلك يرضى بـ"النوم تحت السيارات" ويتحمل انسكاب زيوتها وشحمتها على ملابسه وجسمه.

"مفلحتش بالمدرسة، بدي أفلح هون"، يقول علاء ذو الشعر الأجعد وهو يبتسم "بكرة أكيد أحسن من اليوم، خواني رح يكبروا ويساعدوني وبتغير الحال"، هذا هو أمله وحلمه.

ويأبى علاء نشر اسمه كاملاً، رغم أن "الشغل مش عيب" كما يؤكد، لكن "أحسن بلا الاسم، بكفي علاء بديش مساعدة من حدا".

أوضاع العائلة المادية "مش عاطلة" بالعكس "مستورة والحمد لله، بيتنا ملك لأبوي وماشي الحال"، هكذا يصف متوسط القامة حنطي البشر علاء حال أسرته التي أصبح معيلها قبل سنتين حين ترك المدرسة من الصف الثامن "لإني مش تبع قراية وكتابة". ويضحك صاخباً وهو يتابع "بس بفك الخط وبعرف أكتب يعني مش مسح بالمرة".

أصعب مواقفه كانت حين أصيبت ذراعه قبل أشهر أثناء عمله، اضطر وقتها للتوقف عن العمل أيام "بس المعلم صاحب الشغل كان كريم معي وأعطاني أكثر من نص راتبي وأنا مشتغلتش".

لكن "المعلم" ليس لطيفاً دوما في معاملته مع "شغيله" علاء، فهو أحياناً يصيح في وجهه، وخصوصاً عندما يخطئ أو عندما لا يقوم بعمله على النحو المطلوب حتى وإن كان ما يزال يتعلم. ومع ذلك فعلاء "مش زعلان، لأني بتعلم صنعة أعيش منها بكرة".

رفاق السوء "اكثر إشي، هدول معبين الكراجات، بحاول أبعد عنهم، كلهم زعران بس أنا مالي فيهم"، يوضح علاء الذي لا ينكر أنه صاحبهم يوماً "بس قرصوني وكنت رح أضيع وأخسر حالي"، لكنه يرفض توضيح طبيعة ما جرى حينها، مكتفيا بالقول "شغلات زعرنة عادية مش أكثر". وكسواه من الأطفال العاملين، يشكو علاء سوء ظروف التشغيل، فلا تأمين صحي ولا ضمان إجتماعي وحتى أنه لا يعرف "شو يعني ضمان". كما يشكو طول ساعات العمل التي تمتد من طلوع الشمس إلى مغيبها صيفا وشتاء، وحتى "في الثلجة دوامنا يوم وعطلنا يوم، بس انخصم علينا".

في البداية كان علاء يصاب بالإرهاق ويعاني أوجاعاً في كل أنحاء جسمه، لكنه الآن اعتاد على "الأشغال الشاقة" رغم أنها لا تناسب عمره.

ويكتفي علاء بـ"الرضا، لأنو اللي برضى بعيش، والحمد لله أهم اشي بآخر النهار في مصاري أجيب خبز وأكل للدار"، هذا هم علاء فيما حلمه بامتلاك "كراج تصليح سيارات" يظل يراوده صباح مساء، "لما اشتري المحل رح ادير بالي على الشغيلة اللي عندي ازبطهم واعطيهم مصاري أكثر"، يختم علاء حديثه ويعود مسرعاً لداخل المحل ليواصل عمله في تصليح سيارة كانت تقف داخل الكراج.

من أجل ربطة خبز وحفنة دنانير: علاء يهجر المدرسة الى الكراجات
 
28-Feb-2008
 
العدد 15