العدد 15 - كتاب | ||||||||||||||
يستذكر أثرياء سنوات فقر وعوز عاشوها في غابر الأيام. الواحد من هؤلاء وهو يستعيد ذكرياته، يكاد يتغزل بتلك الأيام التي تقترن بـ"البساطة الشديدة، فلا انشغال بطعام او شراب أو ملبس أو أثاث وكل مستلزمات الحياة الجديدة. التي لم يكن أحد فيها -تلك الأيام- يعرف أمراض العصر مثل ارتفاع الضغط والسكري والنوبات القلبية والسرطان". ويكاد السامع يتخيل أن المتحدث، يرغب في سره لو تنقلب الموازين ويعود فقيراً "لا يمتلك شروى نقير"، وأن نحساً قد حل به وجعله في عداد الأغنياء، بعدما كان من قبل هانئاً راضياً رخي البال. أو أن مؤامرة شيطانية أخرجته من حياة الفطرة والبراءة، وأقحمته على غير رغبة منه في زمن الصنعة والمسرات المجلوبة. في هذه المزاعم من النفاق بقدر ما فيها من خلط للأمور. النفاق للفقراء بتزيين شقائهم على أنها الأجمل والأدعى للإعجاب، فلا حاجة بهم لأن يغادروا مألوف حياتهم. والخلط بتصوير حياة هؤلاء على أنها أشبه بنعيم. ففيما الناس كانوا من قبل تصرعهم أمراض لا يدرون ما كنهها. وهو ما يفسر انخفاض متوسط العمر آنذاك في المناطق الريفية إلا.. من رحم ربي. وحيث كان يحتسب من شارف على الخمسين عجوزاً، وذلك لانعدام الرعاية الصحية وللحجم الهائل من الأعباء التي تلقى على كاهل المرء في صراعه من أجل البقاء ،حتى قبل أن يبلغ سن الحلم. الميسور الذي ينكر تعلقه بحياته الجديدة، إنما يعاني من ضعف قدرته وعدم استعداده للتواؤم مع الحياة المدينية، والاعتراف بما تنطوي عليه من تعددية اجتماعية وثقافية، ولما يعانيه من خواء روحي فليس هناك اي التفات نحو حاجاته الروحية الأصيلة، كمتابعة الفنون والتواصل مع الطبيعة وكسر الروتين اليومي، وبعبارات أبسط لعجزه عن تزجية أوقات الفراغ وجهله المتعمد لوسائل التسلية والتسرية عن النفس، غير التوسع في الإقبال على الأطعمة..ولا يتعلق الأمر بانحيـــاز مـزعوم للفقــراء، أو تحبيذ نمــط حياتهــم بما يشتمل عليه من ألوان العسـر والمشـقة والمكابــدة. وقد يأخذ توجيه الحسد للفقراء طابعاً دينياً مزعوماً، بترديد عبارات مثل "العبد الفقير" و"كلنا فقراء اليه" و"الفقير إليه تعالى" بحيث يجري تحوير المعنى الديني وحرفه بتصــوير أن الغني هو فقير لا يختلف بشــيء يذكر في حياته، عن بقية الفقــراء رغم "المظاهر الخداعة".. ثم يتم التوسع في التصنيف كأن يقال إن الفقير هو فقير النفس لا فقير المال. بذلك يتم توبيخ الفقراء لادعائهم الفقر لمجرد أنهم لا يجدون قوت يومهم، فيما الفقر "الحقيقي" يا صاح هو فقر النفس.. فلا يكفي الفقراء ما هم فيه من بلوى، بل يتم توجيه سهام الحسد إليهـــم، ولومهـــم على ما يرفلون به من غنى النفس أو حياة البساطة. |
|
|||||||||||||