العدد 15 - كتاب | ||||||||||||||
بالرغم من كثرة المال وتطور الحياة، وكثرة النعم الموجودة بين أيدي الناس، إلاّ إن دائرة الفقر آخذة بالاتساع حتى في الدول ذات المال، فكيف بالدول محدودة الموارد والفقيرة أصلاً؟!. ولعلنا في الأردن من الدول التي ينطبق عليها وصف «محدودية الموارد» و«اتساع دائرة الفقر»، لهذا رأينا البيانات الوزارية دوماً تتحدث عن الفقر، وذلك انسجاماً مع الكتب الملكية الموجهة للحكومات عند تشكيلها، ولطالما سمعنا خطابات نيابية تحت القبة تذكر الفقر وتقترح الحلول، كما أن ما يصدر عن الأحزاب من مطبوعات يذكر الفقر بصورة دائمة، ولا تخلو الحملات الانتخابية من ذكره والانتصار للفقراء. إن الإسلام قدم توجيهات عظيمة وجليلة لهذه المواجهة، وأولى ما قدم أن يتحرك الإنسان الفقير نفسه لمعالجة مشكلته بالعمل، حيث كان الأنبياء وهم القدوة يعملون في الحدادة، والنجارة، والتجارة، ورعي الغنم. ورفع الإسلام من شأن اليد العاملة المنتجة حين قال عليه السلام: «اليد العليا خير من اليد السفلى»، واليد لا تكون عليا إلا إذا عملت وأنتجت. ومع هذا التوجيه، فإن أناساً ولا بد أنهم لا يستطيعون العمل لظروف صحية أو أحياناً يعملون ولا تكفي الموارد لتغطية النفقات عندهم، ولهذا أبقى الإسلام على دائرة العطاء والصدقات والبر كنوع من التضامن الاجتماعي بدافع ديني، حيث يحتسب المنفق ما يدفعه عند الله، فيطمع في ثواب صدقاته. إن الإسلام لم يكتفِ بالصدقة الواجبة (الزكاة)، بل حض على الصدقة التطوعية (النافلة)، حيث جعل هذا من باب التنافس في الخيرات والبحث عن علو الدرجات. والصدقة في الإسلام ليست لوناً واحداً، وأفضل الصدقات ما عالجت مشكلة قائمة، فإذا كنّا في مكان لا يوجد فيه مسجد، فهو أفضل الصدقات، لأن المسجد هو القاعدة والأساس التي سينطلق منها الخير. أما إذا كان الناس بحاجة إلى الماء، فأفضل الصدقة الماء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد لما سأله عن أفضل الصدقة؟ (قال: الماء)، لأن البيئة صحراوية، والحرارة مرتفعة، والماء مفقود، أما من يعيش على الأنهار، فليس الماء هو الصدقة المناسبة، بل قد يكون الطعام وقد يكون اللباس، وقد يكون بناء المدارس أو شق الطرق أو كفالة الأيتام، أو بناء المستوصفات، أو تزويدها بالدواء أو علاج المرضى. ومن لا يستطيع إقامة المشاريع الكبيرة، فيمكن المساهمة فيها بالقليل، كما هو الحال في بناء المساجد، حيث نجد أن بناء المسجد يتم بتبرعات جميع الناس. وأفضل الصدقات، هي التي تحول السائل إلى منتج، فالصدقة المستهلكة تبقي الفقير فقيراً، أما الصدقة المنتجة فتحوله الى شخص مكتف، بل قد يصبح هو من المتصدقين. ولا ينبغي للمسلمين أن يحصروا صدقاتهم في بناء المساجد، وهو ما نراه في واقعنا حيث يتم بناء المساجد قريبة من بعضها بعضاً، مع أن هذا لا يحقق غرض الإسلام من اجتماع الناس وتعارفهم وتفقدهم لبعضهم البعض. إن حفر الآبار صدقة كبرى رأينا جدواها يوم أصيبت أفريقيا بالجفاف، فماء السبيل صدقة جارية مستمرة يجب أن نلتفت إليها، كما أن تعليم الطلبة من الصدقات المستمرة، وبخاصة العلوم النافعة، ومنها العلم الشرعي، واللغة العربية، والطب، والتمريض. وقد تصل صدقاتنا اليوم إلى شراء الدواء لمريض لا يستطيع شراءه، أو دفع فاتورة ماء أو كهرباء عن عائلة لا تستطيع دفعها، وبخاصة هذه الأيام التي ارتفعت فيها الأسعار واكتوى بها الغني والفقير. إن ارتفاع أسعار النفط، يجعلنا نلتفت إلى الصدقة المتعلقة بالطاقة، فقد يشتري المسلم المتصدق مدفأة لأسرة فقيرة، كي تقدر على مواجهة برد الشتاء القارص، أو حتى أسطوانة غاز أو برميل كاز. إن المجتمع اليوم، بحاجة الى هبّة اجتماعية، ولا يجوز أن ينظر الإنسان إلى نفسه فحسب، بل هي فرصة (إذا كان يمتلك)، كي يقدم للآخرين، حيث أن الأمر متاح لكسب الأجر العظيم. وإننا في الأردن لدينا من الجمعيات الخيرية ما يمكن أن نفخر به، ويكفي القول إن إحدى الجمعيات العريقة في العمل الخيري تكفل أكثر من عشرة آلاف يتيم، فلنتحرك جميعاً لأن عاقبة ترك الفقراء لأنفسهم غير محمودة، وقد نفقد الأمن الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، إذا ولّينا ظهورنا للفقراء. * وزير وسفير سابق |
|
|||||||||||||