العدد 15 - اقتصادي | ||||||||||||||
سليمان البزور على بعد بضعة أمتار من أحد الأندية الرياضية العريقة في الشميساني، حيث تتكاثر الشقق الفندقية الفاخرة، وقف أبو علي الخمسيني يفتش في حاوية النفايات، يقلب ما في داخلها، إلى أن عثر على بقايا أرغفة خبز. تفحصها ثم وضعها في كيس أسود، لينتقل بعدها الى حاوية أخرى. لم يكترث الباحث عن الطعام في الحاويات لأي من المارة، بدا منغمسا في عمله، وكاد لا يلحظنا رغم اقترابنا منه، فقد اكتفى بالتفاتة وأشاح النظر عنا . نصف ساعة أو أكثر أمضيناها في محاولات إقناعه بالتحدث إلينا، تكللت أخيرا بالنجاح . زفر أبو علي زفرة حرى، يستذكر ماضيه، فقد عمل قصيّراً لأكثر من سبعة عشر عاماً إلى أن حالت إصابته بالديسك وآلام المفاصل، دون استمراره في العمل، فأمتهن جمع الطعام من الحاويات قبل ثماني سنوات بعدما تخلى الجميع عنه. «آخرهم فلذة كبدي الذي أوقف المائة دينار التي كان يرسلها لي نهاية كل شهر من السعودية» يصر أبو علي « أن التقاط الرزق من الحاويات أفضل بكثير من مد اليد للناس، خاصة وأن الغالبية العظمى من المواطنين لا يختلف حالهم كثيراً عما يعانيه منه الآخرون». يشير أبوعلي إلى أن «أصهاره وأزواج بناته الثلاث أبدوا تذمرهم المسبق عندما طرحت فكرة إقامته في منازلهم، بعدما طرد من المنزل الذي كان مستأجراً له لعجزه عن دفع الأجرة». فأصبح بلا مأوى. مساء الجمعة وصباح السبت هي الأوقات»الدسمة» للبحث، كونها موعد العطلة الأسبوعية واجتماع العائلات على موائد الطعام. أما عمان الغربية فهي الأفضل بالنسبة له «نظراً لطبيعة الطبقة الاجتماعية المقيمة فيها». بالنسبة له، تعد الحاويات «بوفيهات مفتوحة»، ولا يفوته أن يلحظ أن «هناك بقايا أطعمة مختلفة بدأت في السنوات الأخيرة، يعتقد أنها وجبات طعام عراقية». أبو علي الذي يعتبر كل أرصفة عمان فراشاً له، يختم حديثه بالتعبير عن الاشتياق لـ»طنجرة ملوخية مثل التي كانت تعدها المرحومة أم علي». يقول ذلك كمن ينتظر اجابة، تعز، فيمضي دون أن يلوي على شيء إلى حاوية أخرى على رصيف أخر. تجارة من نوع آخر لا تقتصر محتويات النفايات على بقايا الطعام بحسب خليل حسين الذي ركن «البك أب» الخاص به إلى جانب إحداها» ثمة مسجلات، ملاعق، أباريق شاي، وأحياناً كراسي تالفة ومقاعد مركونة بجانب تلك الحاويات». يرفض حسين الإفصاح عن الدخل الذي توفره له هذه التجارة، ويصر على القول ساخراً إنها «أفضل بكثير من رواتب موظفي القطاع العام». المشكلة الوحيدة التي تواجهه هي المنافسة الكبيرة، فمن يأتي مبكراً يحصل على غلة أوفر، وبكلمة أخرى تعاكس نظرية «داروين» :» البقاء للأسرع». المرحلة التالية في المهنة التي يمتهنها عديدون، التوجه إلى محلات الأثاث المستعمل الكائنة في المناطق الشعبية، لاجراء عمليات ترميم لقطع الاثاث المختلفة، تعيد لها شيئاً من بريقها. مهنته، كما يقول حسين، تساعد الطبقات الفقيرة التي ليس بإمكانها امتلاك الأثاث الجديد، في الحصول على شبيه له، كما تحافظ على البيئة. ***
«يقول لي أطفالي دائماً إنهم يعانون الإحباط والتعب من العيش في ظل هذا الفقر المروّع، وهم، في أعماق نفوسهم، يتمنون أنهم لم يولدوا» أم فتحي - دير الكهف شمال محافظة المفرق. تقرير التنمية البشرية في الأردن 2004) (ص55) |
|
|||||||||||||