العدد 15 - ثقافي | ||||||||||||||
تأليف: شلبي ستيل يصدر هذا الكتاب في غمرة المزاحمة بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الديمقراطي الذي سينافس الخصم الجمهوري في انتخابات الخريف الرئاسية وصولا إلى البيت الأبيض. ويقول ناشر الكتاب في دار «فري بريس» إن رحلة السيناتور باراك أوباما بحثا عن المنصب الأرفع في الولايات المتحدة، تتحول بسرعة إلى فرصة محفزة تتجاوز حدود المعركة الرئاسية، لأنها ستفرض حوارا وطنيا حول الحالة الراهنة للعلاقات العرقية في أميركا. ويرى مؤلف الكتاب شِلْبي ستيل، إن الفقر وعدم المساواة عادة ما يكونان محورا لتلك الحوارات، ولكن سعي أوباما لمثل هذا المنصب الرفيع يدفع النقاش إلى مستوى أكثر تجريدا، حيث يتحول العرق إلى سياسة الذنب والبراءة الناجمة عن تاريخ أميركا العرقي المؤلم- نوع من العبث الأخلاقي بين الأعراق، حيث البراءة قوة والذنب عجز. ويصف ستيل الكيفية التي حصر فيها أوباما بين الوضعين الكلاسيكيين اللذين استخدمهما السود دوما لشق طريقهم نحو التيار الرئيسي الأميركي: المساومة والتحدي. ويعقد المساومون «صفقة» مع الأميركيين البيض يقولون فيها: «لن أمسح التاريخ العنصري الأميركي القبيح بوجهك إن لم تقف ضدي.» أما متخذو موقف التحدي فإنهم يفعلون العكس تماما. إنهم يتهمون البيض بالعنصرية المتأصلة، ثم يطالبون بأن يثبتوا بأنهم أبرياء من خلال دعمهم للسياسات المحابية للبيض بوصفه فعل إثبات وتنوع. ويعتقد ستيل بأن السيناتور أوباما مكبل تماما بهذه السياسة المنمقة الهادفة إلى إيجاد صوته السياسي الحقيقي الخاص. إنه يمتلك الروحية والذكاء والخلفية – أسرة متعددة الأعراق، والتعليم الحقيقي- لقيادة أميركا إلى ما بعد السياسات العرقية المستهلكة السائدة الآن. إلا أنه رجل مكبل. إنه شخصية بروميثية. (وفي ذلك إشارة إلى بروميثيوس أحد الجبابرة في الميثولوجيا الإغريقية، كان محبباً إلى الآلهة، و أوكل إليه كبيرهم زيوس مهمة خلق المخلوقات الأرضية، فخلق الحيوانات كلها وأعطاها المميزات، حتى إذا جاء ليخلق الإنسان لم يجد له صفة غير صفة الآلهة، فخلقه على هيئتها، مما أحنق الآلهة عليه، و كان محباً للبشر رؤوفاً بهم، و إذ حرمتهم الآلهة من النار لتفريطهم في حقها، قام بسرقة النار من الآلهة و أعطاها لهم. ثم أثار غضب زيوس كبير الآلهة، عليه عندما قام بتقديم الأجزاء الأقل نفعا من بعض الحيوانات كقرابين للآلهة. فعاقبه زيوس بأن ربطه إلى صخرة، ثم أطلق عليه عُقابا يأكل كبده في النهار و يقوم زيوس بتجديدها في الليل. في النهاية قام هيراكليس بتحريره، و عاد إلى أوليمبوس. يعتبر الإغريق، قيامه بتقديم النار للبشر دليلا على كونه من المساهمين في الحضارة الإنسانية.ويستعرض الناقد دريل بنكني Darryl Pinckney في نيو يورك ريفيو أوف بوكس New York Review of Books (7 شباط/فبراير) طبيعة هذه الشخصية البروميثية بشيء من التوسع. إن أوباما هو الأسود المندمج، كما يقول بعض المعلقين، وكأن الأسود المندمج لم يفكر في الحقوق المدنية، وأسوأ من ذلك، كأن الحقوق المدنية لم تكن سوى قضية ضيقة عفا عليها الزمن. وفي الوقت نفسه، فإن ترشيح أوباما منفصل نوعا ما عن نجاحات أبطال ألعاب القوى، ومستقلة عن الشعبية الهائلة التي تتمتع بها أوبراه وينفري. إنه تعبير عن تغير عام، وليس نتيجة لنظام النجم. وعلى الرغم من أن أوباما لقي ثناء من البعض لأنه لم يحول العرق إلى قضية في حملته الانتخابية، ولأنه لم يدخل كمرشح أسود، فمن المؤكد أن العرق بالنسبة له عامل حاسم في القبول الواسع له. إذ يمكن للسود أن يقدروا، بقدر ما يفعل البيض، خصوصية إرثه المختلط العرق، وأن قصته هي في جزء منها هي قصة مهاجر. ولكن هذه ليست انتخابات معماة عن اللون. فالناس لا يصوتون لأوباما بالرغم من حقيقة أنه أسود، أو أنه نصف أسود، بل يصوتون له لأنه أسود، وهذا شعور جديد تماما في البلاد وفي السياسة الرئاسية. قبل أربعين سنة وجه لروبرت كينيدي انتقاد حاد لقوله إن مرشحا أسود قد ينتخب رئيسا للولايات المتحدة خلال خمسين عاما. ولد باراك أوباما عام 1961، أي قبل صيف الحرية للاعتصامات الطلابية والمسيرات السلمية بثلاث سنوات، حين ساعد إيمانهم السياسي الأميركيين السود على مواجهة قوة الغوغاء البيض، وخراطيم المياه وعمد المدن ومعهم كلابهم. وحين ننظر إلى تلك الأزمنة بوصفها أيام البراءة السابقة على المعارك المسلحة للقوة السوداء ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، حين كان الحلفاء البيض لا يزالون يلقون الترحيب في ساحة النضال. كانت والدة أوباما، البيضاء ذات الثمانية عشر ربيعا ما تزال طالبة مستجدة في جامعة هاواي، متزوجة من أول طالب إفريقي فيها، وهو كيني في أوائل العشرينيات من عمره، والذي مات حين كان أوباما ما يزال في أوائل العشرينات. كانت رحلة أوباما بحثا عن معنى لغياب والده قد تحولت إلى بحث عن ذاته في كتابه "أحلام من والدي: قصة عرق وإرث،" الذي نشر لأول مرة عام 1995، والمكتوب بأسلوب جميل، هو قصة سخط الشاب والانعتاق الذي حققه من خلال أعمال التنظيم المجتمعي في شيكاغو. في كتابه "رجل مكبل"، يأمل شلبي ستيل في تحرير أوباما من هويته السوداء. فالهوية السوداء عند ستيل هي قوة طفيلية؛ نوع من انتشار عدوى نبش القبور. "تريد هذه الهوية الحصول على حصة من الذات أكثر مما تقوم به الهويات العرقية." "إنها" تريد حقيقتها الجمعية؛ "فكرتها" عن الاحتجاج يجب أن تصبح حقيقة شخصية؛ "إنها" تريد أن تجعل من الولاء لهذه الحقيقة انعكاسا داخل الذات؛ "إنها" تريد منك أن تفكر بوصفك أسود، وليس بوصفك أنت نفسك. كما أنها تحقق وعيا محميا بالشرطة. بالنسبة لستيل، فإن تربية أوباما خلقت فيه "فراغا في الهوية،" ولكن الهوية السوداء الشفافة التي بناها لنفسه، أتت بثمن باهظ هو إقصاء أجزاء جوهرية من تلك الهوية السوداء – "القيم العائلية، والمعتقدات والطموحات والحب." إنه لا يستطيع أن يكون هو نفسه، ولا يستطيع أن يدمج تجربته الخاصة في هويته السوداء. ويشير ستيل إلى مشهد في كتاب "أحلام من والدي" يروي فيه أوباما القطيعة السيئة مع صديقته البيضاء في نيويورك قائلا إنه كان يشعر بأنهما كانا يعيشان في عالمين مختلفين وبأنه كان الشخص الذي عرف كيف يعيش بوصفه غريبا. الاندماج وليس السواد، هو مفتاح النجاح، يقول ستيل معارضا، ويصر على أن أوباما يعرف ذلك لأنه نشأ على ثقافة التيار الرئيسي وليس على الثقافة السوداء. لقد منح جدا أوباما الأبيضان حفيدهما معرفة بوضعه بوصفه أسود، ولكن ربما ليس الإجابة عن السواد الذي يتخيله ستيل، فقد غادروا كانساس وانتهى بهم المطاف في هاواي، خائبي الرجاء ولكنهما محترمان. ربما كان في أسطورة والده عزاء عن الطريقة التي بدا فيها جده وهو يحاول بيع بوليصات التأمين من منزل إلى منزل. كانت صديقة أوباما البيضاء ثرية، وكان الوضع الطبقي، ربما بقدر ما كان العرق، هو الشيء الذي جعله يشعر بالغربة عنها. وربما كان ما يشي برغبة أوباما في ان يندرج كمرشح أسود هو شعوره بأميركا الفاقدة للأمان التي لا تميز نفسها في صور الوضع الجيد للطبقة الوسطى. في كتابه "رجل مكبل" يحاول ستيل أن يطبق على الانتخابات أفكارا عن استخدامات "التأثيم الأسود" و "الذنب الأبيض". "عليكم ألا تقبلوا بأن مسؤولية السود فقط يمكنها أن ترفع حقا من شأنهم إلى مستوى البيض"، لأنك لكي تفعل ذلك، عليك أن تتخلى عن الرقابة على ذنب البيض. في السياسة يرتدي السود إما قناع المتحدي أو قناع المساوم. والهدف من هذه الأقنعة هو تمكين السود من الحصول على أشياء من الأغلبية البيضاء من خلال "استغلال حاجتهم للبراءة العرقية." لأن البيض "موسومون بعنصرية قديمة،" والسود يمتلكون احتكار البراءة العرقية ويعتقدون، مثلما يفعل المضطهدون، بأن تلك هي قوتهم العظمى في أميركا. يتهم ستيل أوباما بتقديم نفسه بوصفه محتجا على السود وموحدا للبيض، ولكنه حين يقول إن أوباما لا يستطيع أن يخدم تطلعات عرق من دون خيانة تطلعات العرق الآخر، فإن ستيل، الذي يدعو المواطنين السود بالمبتزين، هو الذي يبدو خارج إطار العصر وبأنه من أكبر المهددين بترشح أوباما. إنه يستهزىء بالمؤسسات المسكونة بهاجس التنويع، ولكنها، مثل أوباما، محقة في أن تستلهم حركة الحقوق المدنية. إن الشباب الذين أعطوا أوباما هذا الهامش من النصر في ساوث كارولاينا وجعلت حملته تستمر في يوم "الثلاثاء الكبير"، لم يعرفوا الستينات، وهذه هي فرصتهم. |
|
|||||||||||||