العدد 14 - أردني | ||||||||||||||
خليل الخطيب "طلبة قلّما يركزّون في الصفوف، يفترسهم الجوع".. هذه حصيلة مشاهدات معلمين في مدارس مختلفة تؤكد نتيجة مسح صحّي أجرته وزارة الصحة على عينة من طلبة في صفوف الثامن، والتاسع والعاشر. المسح يظهر أن 13 بالمئة من الطلبة يذهبون إلى المدرسة دون إفطار لعدم توافر الطعام في منازلهم، أي زهاء 200 ألف جائع في مدارس المملكة. وجبة الإفطار تشكّل رافداً أساسياً في إسناد بدن الطفل وتوسيع مداركه، بحسب طبيب الأطفال سابا غاوي الذي يضيف: «لا يمكن تصور نجاح الطالب في التعلم في ظل ظروف كهذه». إسقاط وجبة الإفطار من صباحات الأطفال يعني «نقصاً في السكر اللازم لإمداد الدماغ بالطاقة وبالتالي سيكون الطالب ضعيف التركيز ويعاني من الصداع والدوار وأحيانا ضعف البصر، وهي أعراض تعيق التعلم بصورة مؤكدة»، حسبما يشرح غاوي ويؤكد أن هذه الفئة العمرية «تمر عادة بمرحلة نماء خصوصا للأجهزة العصبية والعضلية والتناسلية. وبالتالي فإن نقص الغذاء في هذه المرحلة يعني بالضرورة مشاكل نمائية قد يعاني منها الإنسان طوال حياته». هذه المشكلة «لا تنحصر بجيوب الفقر بل تمتد لتشمل أطفالا في أسر مقتدرة نتيجة الجهل والانشغال والإهمال»، بحسب الطبيب المتخصص بالطفولة. الطبيب النفسي محمد الحباشنة، يرى في وجبة الإفطار «مرتكزا أساسيا» في النمط الغذائي السليم، معتبرا أن «حرمان هذه النسبة من الطلبة من الإفطار يمثل إساءة جماعية مؤسسية للأطفال». نفسيا «يقضي الجوع المزمن على قدرة الفتيان على التحصيل والتعلم والإبداع»، بحسب الحباشنة الذي يضيف أن الطفل المحروم من أبسط أساسيات الحياة «يحمل معه مشاعر قهر وقلق وإحساس بعدم العدالة». ذلك يعني أن فئة المراهقين التي استهدفتها الدراسة ستنمو، وهي تحمل صورة مشوهة عن ذاتها وعن العالم، الأمر الذي قد يتطور إلى نظرة عدائية للحياة بعامة». ملاحظات من الميدان وتتفق المعلمة غدير الحطبة مع الطبيب النفسي، فتقول: «من المحزن والمؤسف أن هذا الرقم يبدو حقيقيا في ظل الظروف الحالية، إلا أن المشكلة أوسع من ذلك بكثير إذ إنه لا يشمل الطلاب القادرين ماليا لكنهم يعانون من المشكلة ذاتها بسبب الجهل وإهمال الأسرة». وترى الحطبة من واقع خبرتها أن «غالبية الطلاب يحضرون إلى المدرسة دون إفطار، فيمضون حصص ما قبل الفرصة في حالة من عدم التركيز نتيجة الجوع وحصص ما بعد الفرصة في كسل وخمول نتيجة لتناول الطعام بصورة سريعة أثناء اللعب». وبينما تعتبر أن «نوعية الأطعمة التي تقدم للطلبة في المدارس تكون في الغالب غير صحية»، تدعو الحطبة وزارة التربية والتعليم للقيام «بدور أكثر إيجابية من ناحية التوعية والرقابة في هذا المجال لأن واقع الأمر في رأيها سيء جدا ومضر بالعملية التعليمية». تقلّل وزارة الصحة من أهمية نتائج المسح الذي لم تنشر تفاصيله ولم تحدد طبيعة العينة المدروسة من حيث الحجم والمناطق «هذه النتائج مقاربة لأوضاع دول مجاورة في الإقليم، كما أنها متقاربة مع دراسة سابقة أجريت العام 2004 «، حسبما يرد مدير الصحة المدرسية في الوزارة بشير القصير. ويكتفي القصير بالقول إن المسح «لم يكتمل بصورته النهائية»، مشيرا إلى أن «وزارة الصحة تنسّق مع وزارة التربية في إعداد برامج توعوية في مجالات الصحة والبيئة والتغذية وغيرها لطلاب المدارس». وزارة التربية تشير إلى هذه القضية بوصفها ظاهرة مرصودة باهتمام منذ العام 1999 حيث صدرت الإرادة الملكية بإطلاق مشروع التغذية الطلابية الذي استهدف حينها 50 ألف طالب من أبناء المناطق الأقل حظا، ونتيجة للآثار الإيجابية التي أظهرتها دراسات الوزارة لهذا المشروع، فقد توسع المشروع تدريجيا حتى «أصبحت الفئة المستهدفة الآن 310 آلاف طالب، ومن المتوقع أن تصل إلى 600 ألف في السنوات القادمة» كما أكد مدير التعليم العام وشؤون الطلبة محمد العكور الذي بين أن هذا المشروع يتم تنفيذه بالتعاون مع وزارة الصحة و القوات المسلحة التي تعمل على تأمين المواد للمدارس كما أنها تنتج مادة البسكويت المدعمة بالفيتامينات والمعادن وقد أشار العكور إلى أن من أهم نتائج البرنامج: « تحسن أداء الطلبة وانخفاض نسبة التسرب من المدارس» المعلم المتقاعد سميح النبهان يؤكد استفحال المشكلة ويقول: « إنه رغم الانتقادات التي طرحت حول نوعية الوجبات وحالات التسمم التي حصلت سابقا بسبب سوء التخزين» لكنه يرى أن: «برنامج الوجبة الصباحية الذي بدأت تطبيقه وزارة التربية خفّف من حالات سوء تغذية خطيرة كان يراها بين الطلبة بخاصة في السنوات الأخيرة من خدمته» التي انتهت العام الماضي. جوع لأسباب أخرى مرشد تربوي في مدرسة خاصة يتحدث عن مفارقة «في الوقت الذي لا يجد فيه 13 بالمئة من الطلاب طعاما للإفطار في بيوتهم، فإن نسبة قد تزيد على 70 بالمئة من طلبة المدارس الخاصة لا يفطرون مللا من كثرة الخيارات المتاحة أمامهم». «أعرف الكثير من الطالبات اللواتي أصبن بفقر الدم بسبب أنظمة الحمية القاسية التي يتبعنها حفاظا على الرشاقة، وكثيرا ما يكون ذلك بتشجيع ومباركة من الأم». «كذلك يصاب الكثير من الطلبة بأعراض سوء التغذية بسبب اعتمادهم شبه الكلّي على الوجبات السريعة لانشغال الأهالي عنهم»، يستذكر المرشد التربوي الذي فضل عدم الإفصاح عن اسمه. في المملكة 2500 مدرسة خاصة تضم نصف مليون طالب، أي ثلث الطلاب المسجلين. وهي تنتشر في معظم مدن المملكة وتتنوع طبيعة برامجها التعليمية إذ تقدّم بعضها برامج تعليمية أجنبية بصورة تامة بينما يكتفي البعض الآخر بإضافة مواد مثل: اللغة الفرنسية على برنامج وزارة التربية والتعليم. كما تنقسم هذه المدارس طبقيا لجهة رسوم التدريس إذ تصل بعضها إلى خمسة آلاف دينار وأكثر سنويا. |
|
|||||||||||||