العدد 14 - أردني
 

خليل الخطيب

بابتسامة عريضة و«حرفية عالية» تنهمك سماح في تزويق لفة هدية لأحد الزبائن في أحد «مولات» عمّان الضخمة. يقف بسّام خلف صندوق «الكاش» في ساعة متأخرة من الليل، وهو يفكر بمكافأة آخر الشهر التي ستساعده في دفع رسومه الجامعية.

بسام وسماح أنموذج ناجح لمئات الشباب الجامعي الذين يزاوجون بين العمل المبكر والدراسة الجامعية إما لمساعدة الأهل وتسديد الأقساط الجامعية أو للتأهل مبكراً إلى سوق العمل.

هؤلاء الطلبة لا ينتهي يومهم العملي مع انتهاء المحاضرات، بل يتوجهون من هناك للعمل في مطاعم، شركات ومكاتب في ظاهرة باتت تترسخ في السنوات الأخيرة مع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأعباء المالية على الأسر.

تجربة العمل بعد أوقات الدوام ليست «مريحة دائماً بالنسبة للطلبة»، إذ يراها بعضهم «استهلاكاً لصحتهم ووقتهم مقابل ثمن بخس». ويتحدثون عن «صعوبات تتعلق بضيق الوقت وعدم القدرة على التوفيق بين متطلبات الدراسة والعمل أحياناً».

على أن فئة أخرى ترى في هذه التجربة «فائدة في صقل شخصياتهم ومساعدتهم في جمع بعض المال لسد جزء من تكاليف دراستهم».

ويرى بعض مديري العمل في أكثر من شركة أن «هذه التجربة مهمة للطلبة، كما أنها مهمة لأصحاب العمل الذين يستفيدون في هذه الحالة من وجود كادر مدرب ومتعود على العمل بمجرد تخرجهم من جامعاتهم».

بدأت فكرة تشغيل الطلبة في الجامعات الأردنية منذ زمن طويل «وحملت بالإضافة إلى مساعدة الطلاب مادياً أهدافاً تربوية تتعلق بصقل شخصية الطالب»، كما يؤكد عميد شؤون الطلبة في جامعة اليرموك د. نعمان جبران، الذي يضيف: «ويمكن اعتبار هذه التجربة ناجحة ومفيدة للطلبة حيث أنها توفر لهم دخلاً مادياً لا بأس به مقابل ساعات عمل قليلة لا تزيد على خمس عشرة ساعة في الأسبوع».

وخطت الجامعات خطوات أوسع في هذا الاتجاه، ولم تكتف بتوفير العمل للطلبة داخل الحرم الجامعي، «نحن ننسق مع بعض الشركات والمؤسسات العامة والخاصة التي أبدت اهتماما بتشغيل الطلبة» ، يشرح جبران.

الطالب مفيد أبو صبحة، من الجامعة الأردنية، يقيم ما تقدمه الجامعات الرسمية من فرص عمل للطلبة باعتبارها «محدودة جداً ولا تكاد تكون مفيدة من الناحية المادية إذ لا يمكن أن يزيد الراتب على 45 ديناراً شهرياً» ولذلك يرى أبو صبحة أن شركات القطاع الخاص «يمكنها أن تتعاون مع الجامعات لتوفير فرص عمل أفضل للطلبة الراغبين».

شخصيات أنضج

زاوية نظر أخرى، يجملها الطالب علاء الخطيب، من جامعة الإسراء، إذ يرى أن «عمل الطالب داخل الجامعة أو ضمن مؤسسات كبرى قد يكون أفضل للطالب لجهة عدم التأثير سلبا على دراسته، حيث تعنى الجامعات عادة بترتيب جداول الامتحانات وتوزيع ساعات العمل بما يتناسب مع وضع الطالب، أما في القطاع الخاص، فإن الطلبة العاملين يتعرضون للكثير من الضغوطات حتى إنهم يضطرون أحياناً لسحب الفصل حتى يحافظون على عملهم».

غير ان أبو صبحة، يقر «بأن الطلبة الذين يعملون خارج الجامعة يمتلكون شخصيات أنضج، وهم بصورة عامة طموحون وجديون».

مديرة التسويق والعلاقات العامة في شركة عرموش للاستثمارات السياحية، ناديا الداري، تشير الى إن لشركتها «تجربة مهمة في مجال تشغيل الطلبة»، شارحة أن شركتها التي بدأت العمل العام 1996 أخذت على عاتقها تشغيل الطلبة ضمن فروعها، انطلاقاً من قرارها بالاعتماد على العمالة المحلية بنسبة100بالمئة، وتتضمن خطتها في هذا السياق تدريب الطلبة ضمن برامج تدريجية تصل إلى حدود الدراسة الجامعية في جامعة ماكدونالدز».

تؤكد الداري، نجاح خطة تشغيل الطلبة لافتة الى أن «معظم مديري الفروع ومديري الإدارات المختلفة في الشركة هم أشخاص عملوا مع الشركة في أثناء دراستهم».

يجمل مساعد المدير العام في نفس الشركة، رائد الزغل، عدد الطلاب الذن عملوا في الشركة أثناء دراستهم «بأزيد من 3 آلاف طالب في مختلف الفروع وفي الإدارة العامة تمكنوا جميعا من اتمام دراستهم». ويبين الزغل أن أصعب التحديات التي واجهتها الشركة، في البداية، كانت تتمثل «في ثقافة العيب التي تم التغلب عليها بوساطة التدريب الذي وصل في كثير من الحالات إلى مرحلة التعليم الجامعي في مصر ودبي وأميركا، حيث حصل بعض الطلبة على الشهادة الجامعية الأولى».

وجهة أخرى لعمل الطلبة كانت في مطاعم الطازج، التي يؤكد مدير التشغيل فيها ، أحمد السماك، أن "شركته توفر للطلبة الراغبين في العمل ظروف عمل مناسبة بالتنسيق مع الطلبة أنفسهم حفاظاً على دراستهم" ويلفت الإنتباه إلى أن "25بالمئة من العاملين هم من الطلبة يعملون وفق نظامي الدوام الجزئي أو نظام الورديات ويعمل الطلبة في ظروف منظمة ومحترمة حيث يقومون بأعمال المحاسبة وخدمة الزبائن وخدمة التوصيل".

نموذج نجاح

يوشك مدير فرع شارع عبد الله غوشة في شركة عرموش للاستثمارات السياحية عبد المجيد السويطي على التخرج من قسم الإدارة المالية في جامعة الزيتونة، بعد أن جمع بين العمل والدراسة لخمس سنوات.

يحذرالسويطي الطلبة العاملين «من أنهم قد يفقدون اهتمامهم بالدراسة عندما يشعرون بمتعة النجاح، كما حصل معه، ويؤكد على ضرورة الموازنة بين العمل والدراسة في كل الأحوال» .

بالنسبة للسويطي فإن التدريب مهم في تسهيل العمل على الطلبة « لقد تمكنت من التغلب على معظم الصعوبات بفضل التدريب المكثف مثل: التعامل مع الناس وامتصاص غضب الزبون والعمل تحت الضغط».

وتذهب ابتسام حميد التي تعمل في الشركة منذ كانت في الصف الثامن أي قبل إنهائها المرحلة الثانوية، وتدرس الإدارة المالية في جامعة الزيتونة إلى أبعد من ذلك، إذ تنصح الطلبة «بعدم الانغماس في العمل مبكرا لأن ذلك يجعلهم يكبرون بسرعة، وهو أمر غير جيد برأيها لكنها تؤكد أنها تجربة معززة لقوة الشخصية وتجعل الطالب أكثر جدية وقوة».

كما يقيم لؤي الطحان الذي يعمل منذ سنة ونصف ويدرس إدارة الفنادق في جامعة الزيتونة التجربة بأنها» هامة جدا للشباب لأنها تجعلهم أكثر جدية وتقديرا للوقت والمال».

أما زميله محمد الكيلاني الذي تمكن من الحصول على دبلوم هندسة الكومبيوتر مؤخرا من جامعة البلقاء التطبيقية، فيستذكر تجربته في العمل في أحد مطاعم الوجبات السريعة التي كانت تفرض عليه العمل لساعات طويلة . ويقول :» أنا مرتاح الآن ولكنني عشت في السابق تجربة قاسية بسبب الإرهاق وطول ساعات العمل، إلا أنني لو لم أعمل بجد لما تمكنت من التخرج بسبب عجز أهلي عن تقديم المساعدة لي».

المال، تنمية الشخصية والتأهل لسوق العمل أهم أسبابها:“تجربة العمل مع الدراسة” إحتضار ثقافة العيب
 
21-Feb-2008
 
العدد 14